العلاقة بين الطبيعة والمعنى تعكس الترابط بين الإنسان والبيئة

تشكل الطبيعة جوهر الحياة وأساس الوجود، حيث تتفاعل عناصرها بتناغم يعكس عمق المعنى، فمن خلال فهم الإنسان للطبيعة يكتسب إدراكاً أعمق لذاته ويتيح له رؤية شمولية للعالم، ليصبح لكل عنصر معنى خاص في رحلة البحث عن الحقيقة.

مركز الأخبار ـ يُعتبر المؤتمر الثاني عشر لحركة التحرر الكردستانية محطة مفصلية في مسيرته السياسية والفكرية، حيث طرح القائد عبد الله أوجلان، الذي يُعرف بفلسفته Jin Jiyan Azadî، رؤى استراتيجية تعيد تعريف دور الحركة في النضال الكردي ضمن السياقات الإقليمية والدولية المتغيرة.

من خلال أطروحاته، يسلط القائد عبد الله أوجلان الضوء على أهمية الوعي الذاتي للشعب الكردي، وضرورة الانتقال من مرحلة المقاومة التقليدية إلى نهج أكثر تكاملاً يأخذ في الاعتبار التحولات الاجتماعية والسياسية، فهذه الأطروحات تمثل محاولة جريئة لإعادة هيكلة الفكر الثوري، وتجديد الأسس النظرية للحركة بما يتماشى مع متطلبات العصر.

للخروج من الحروب والصراعات الانفصالية والدخول في عملية السلام والوحدة الديمقراطية، يقول القائد عبد الله أوجلان إن الجهود الخلاقة هي التي ستجعل ذلك ممكناً، على هذا الأساس، يحاول عرض العملية الجديدة تحت سبعة عناوين وسيطة، لماذا اختار هذه العناوين السبعة، وكيف اختارها؟، في هذا التقرير سيتم طرح أبرز العناوين وهي الطبيعة والمعنى والتي تعكس ارتباط الإنسان بالبيئة والعودة إلى الجوهر والتعمق بالذات.

 

الطبيعة والمعنى

أردتُ أن أبدأ بأقل ما يمكن أن يخطر على بال الانسان "الطبيعة والمعنى" أو "جدلية الطبيعة"، سأحاول التوسع أكثر، يُشير المعنى إلى الارتباط والمشاركة، وكخاصية، فهو مفهوم مشترك واجتماعي، المعنى، قبل كل شيء، هو معنى شيء ما، لا يمكن للإنسان الحديث عن معنى مستقل وخارج عن الوجود، حسنًا، كيف ينشأ المعنى؟ يُنمّي الإنسان قوة المعنى بالاستماع إلى الطبيعة، لذلك، فإن أول طريقة للتعلم هي التقليد (الميمتيك)، يتحول الإنسان من الطبيعة بالاستماع إليها على مر التاريخ، ضعفت تدريجياً طريقة تعلم الاستماع للطبيعة، لأنه كلما تطورت اللغة الرمزية والتفكير التحليلي، عرّف الانسان الطبيعة بمفهومه الخاص، ونتج عن ذلك اغتراب الإنسان عن الطبيعة، وبلغ هذا الاغتراب ذروته في مرحلة الحداثة الرأسمالية، فأصبحت الفكرة السائدة في كل فترة حقيقة لتلك الفترة، أي أنه إذا وُجدت فكرة سائدة لفترة ما، فإنها تُعتبر حقيقةً لتلك الفترة، هناك حقيقة، وهناك تعبير عنها، وهذا التعبير يُعبّر عن فكرة أو خيال، على سبيل المثال، عصر فكرة الميتيك السائدة، نُسميه عصر الميتيك، أو عصر يعبّر عنه بالخيال بشكل كامل، أطول عصر عاشته البشرية، عاش الإنسان عصر الميتيك ملايين السنين، جانبه التقليدي (الميمتيك) أكثر تقدماً، وهو متشابك مع حواس التقليد الحيوانية... يُسمَّى هذا العصر، الذي استمر ملايين السنين، عصر الميمتيك، الميمتيك... ثمَّ تطوَّرت فكرة الميتيك، وهي تُمثل بشكل رئيسي واقع العصر الحجري الحديث، والعصر الحجري الحديث الأعلى، والعصر الحجري الأوسط، نظيره الاجتماعي هو مجتمع العشائر والقبائل، يصبح تدجين النباتات والحيوانات، في جوهره، أسلوب الثقافة والحياة الجديدة يعبر عن هذا العصر، وتتجاوز فكرة الميتيك والحواس الحيوانية، ويُعبَّرُ عنها بالكامل من خلال الخيال، يتطور الفكر الرمزي لدى الانسان، من حيث الفكر، يختلف عن الفكر الحيواني، الفكر الرمزي سمة من سمات الانسان فقط، يختلف الانسان عن الحيوانات من حيث الفكر الرمزي، في فكر الميمتيك، لا توجد رموز، بل يوجد تقليد فقط، هل التقليد فكرة أم لا، يتم مناقشته، قد تمتلك الحيوانات عقولاً، لكنها ليست حالة فكرية، وهكذا، فإن فكر عصر الميمتيك رمزي، عالم فكر الميتيك هو قصص، أبعد من ذلك بقليل، هناك فكر الديانات التوحيدية أو الأفكار المشابهة لها، وحتى يومنا هذا تقريباً، توجد مرحلة من الفكر الديني، أي المعنى الديني، مصدر كليهما هو ما نسميه الشرق الأوسط، ومهد البشرية هو ميزوبوتاميا العليا، مهد كل من فكر الميتيك والفكر الديني، يقع بين واديي دجلة والفرات، الميت هي بناءات ذات معنى للتنشئة الاجتماعية، بناءً على الاحتياجات المادية والروحية للحياة الاجتماعية، يتم رمزها من خلال بنية اجتماعية، ومن خلال التنشئة الاجتماعية للعشيرة يتم إرساء قوة الحقيقة الفكرية.

 

بداية عصر جديد

انتهت الدورة البيئية الكبرى قبل حوالي 15 ألف عام، وهناك بدأت فترة مناخية جديدة، تمهد لظهور العصر الحجري الحديث وبداية عصر جديد، هنا، يبدأ الإنسان أيضاً بإيجاد اللغة والفكر الرمزي، ويخطو خطواته نحو الحضارة والدولة.

هل تُعبّر فكرة هذا العصر عن الطبيعة، وهل لها معنى بالنسبة للطبيعة؟ في الأساس، يبدو أن الأمر كذلك، كما هو موجود، فإذا أخذنا الإسلام مثالاً، نجد أن هناك مفهوم نربط كل شيء به، مثل وجود الله، ووفقاً له، فإن الله يُحيط بالكون، وله السيادة على كل شيء في كل وقت، ويخلق كل شيء في كل وقت، إلخ، يُقدَّم تعريف كهذا لله، بل ويُعبَّر عنه بطريقة لا يمكن تعريفها، إنه اعتقاد، يُقدَّم بطريقة لا يمكن التعبير عنها، عندما يُقال الإسلام، فهذا هو، في جوهره، هذه مرحلة ومرحلة مثيرة للاهتمام للغاية في تاريخ البشرية، وهذا أيضاً هو سبب التأثير الشديد بالإسلام، فالإسلام فكرة بين الفلسفة والميثولوجيا، والفكر الإسلامي ليس فلسفياً تماماً ولا فكر الميتيك تماماً، إنه يعارض كليهما بشدة، ويجد هذا تعبيره في الغزالي، وإذا اعتبرناه مدرسة، فإن الغزالي هو المدرسة السائدة، من ناحية، تغلق الأبواب أمام الفلسفة في أوروبا التي تفتح فيها الطريق أمام العلم وتتجه نحو النجاح، ومن ناحية أخرى، يُعزز اللاهوت، لكن اللاهوت ليس فلسفة، ومن ناحية أخرى، يُغلق عصر الأساطير، وهكذا يبدأ عصر جديد للإسلام، إنه مؤثر للغاية، فقد ترك بصماته على العصر، لقد ترك وراءه المسيحية والتوراة وديانات الهند والصين وفتح لنفسه مجالاً، لماذا؟ لأنه مرحلة مهمة.

 

الثورة الفلسفية

في المرحلة بين الفلسفة والأساطير، توجد مرحلة بين ما لم يحدث لن يحدث، ولذلك كان هناك حاجة إلى نبي، حضرة النبي محمد أيضاً يُعبر عن ذلك، يقولون إن لله 99 صفة، هذه الصفات الـ 99 هي كل الأشياء التي تجد تعبيرها، وكذلك الصفات الأخرى، في الواقع، الكون فلسفة، كانت مرحلته الأولى، الصفات الـ 99 هي فلسفة، برنامج، إنه رائد الفلسفة الحديثة، ورائد العلم الحديث، لذلك، فهو فعال للغاية مقارنة بالمسيحية، لكن مشكلتها تكمن في ذاتها أيضاً، لأنه أغلق الباب أمام مرور الفلسفة الحديثة، الخلاف بين ابن رشد والغزالي معروف، الغزالي يدين ابن رشد، لكن الفكر الغربي يتخذ ابن رشد كأساس ويطوره، إنه يطبق الثورة الفلسفية والعلمية المعروفة، والإسلام بكامله ينأى بنفسه عن هؤلاء، وهكذا يبدأ انتصار الغرب، يعبر الإسلام عن حقيقة أكثر من الفكر الميثولوجي ودين التوراة (نسميه الموسوية). ولكن بسبب إصراره الشديد، فإن كلاً من انفتاحات المسيحية والمقاربات الصارمة للمعتقد الميثولوجي تضغط عليه من جانبين، إن الانغلاق يجعل الإسلام قوة متشددة ورجعية للغاية، كان التشدد والانغلاق في القرنين الخامس عشر والسادس عشر في ذروتهما، القرنان التاسع والعاشر هما قرون النهضة في الإسلام والتي أثرت أيضاً على العالم، لكن القرنين الخامس عشر والسادس عشر كانا قرون الانغلاق والانحدار الأكبر، والإسلام ينتهي فعلياً، في شخص الصفويين، والبابوران في الهند والعثمانيين، الذين كان مركزهم إسطنبول، بدأ انغلاق كبير، وطبعاً بعد قرن من الزمان -القرنين السابع عشر والثامن عشر -أكمل عمره، برأيي، انتهى الإسلام في القرن الثامن عشر، لم يعد لديه أي حيوية، ثم تم استغلاله، يستغل البريطانيون هذا الإسلام وتلك الهيمنة العالمية -التي تبدأ من جزيرة وتصبح القوة المهيمنة على العالم -تتحقق بهذه الطريقة، وهذا مرتبط بالتشدد في الإسلام، لماذا أشير إلى هذا؟ لقد أدرجت المسيحية أيضاً في هذا إلى حد ما، لأن هيمنة الغرب بدأت بالمسيحية، لم يحدث هذا الإصلاح في المسيحية في الإسلام، حاول الشيعة هذا لكنه لم ينجح، في الغرب، انتقل من الإصلاح إلى التنوير، بناءً على هذه النهضة والإصلاح والتنوير، تم تحقيق الهيمنة الفكرية للغرب ونجحت.

 

إن لم نستوعب الماضي لن نفهم الحاضر

في القرن الثامن عشر، الثورة الفرنسية، الثورة الصناعية البريطانية، الثورة السياسية الفرنسية... الغرب، في العصر العالمي، وصلت إلى ذروتها في القرن التاسع عشر، استمرت هذه الذروة في القرن العشرين، وهو الآن يدخل مرحلة جديدة، لماذا أوضح هذه الأمور؟ إن لم نستوعب الماضي بشكل صحيح، أي إن لم نستوعب الماضي والتقاليد بشكل صحيح، فلن نفهم الحاضر، وإن لم نستوعب الحاضر بشكل صحيح، فلن نفهم المستقبل، مع أن الكمالية تُجسّد هيمنة الفكر الوضعي، إلا أن الفكر المحافظ اليوم يسعى إلى هيمنة الإسلام، الوضعية التي تجاوزها الغرب أصبحت تراجعاً هائلاً في تركيا، لم يبقَ شيء من الإسلام، في مواجهة إسرائيل التي يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة، والإسلام العربي الذي يبلغ عدد سكانه 300 مليون نسمة، لا يستطيع الإسلام أن يتنفس، الإسلام هو المسؤول عن ذلك، ومع ذلك، إذا كنا لا نزال نبالغ في إسلامنا اليوم، فهنا توجد تقلّب، أنا أذكر هذه الأمور من أجل فهمها بشكل صحيح، والآن، سؤال: "هل الإسلام هو المسيطر، أم المسيحية هي المسيطرة؟" 99% المسيحية هي المسيطرة، يجب التعبير عن هذا بشكل صحيح، عدا ذلك فهو تسوّل، يدافعون عن الإسلام ضد الغرب، مستخدمين مفاهيم غربية، لا يجوز الدفاع عن الإسلام بهذه الطريقة، الغرب متقدم جداً في الفلسفة والعلوم والتكنولوجيا، تريدون الاستفادة من بقاياه، من هذا الجانب وذاك، وتفعلون ذلك بأسلوب المتسول، كما أظهرت الحادثة الأخيرة في غزة أنه لا توجد فرصة للانتصار، إنهم يهاجمون إسرائيل، إسرائيل التي تهاجمونها هي القوة المهيمنة في العالم، ثم تطلبون المساعدة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومفوضية حقوق الإنسان، لقد وضعت إسرائيل بصمتها على المؤسسات التي تطلبون منها المساعدة، إذا كنتم قد أعلنتم إسرائيل العدو الحقيقي، فلا يجب أن تمارسوا التسول من تلك المؤسسات، إذا كنتم صادقين ومتعاونين ولا تريدون خداع الناس، فلا تفعلوا ذلك، إنها قوة مهيمنة، إما أن تطأطؤوا رؤوسكم للقوة المهيمنة، أو ستخوضون حرباً حقيقية، ولأن هذا لم يحدث في تركيا، فإن الفكرة مجزأة ويستمر رأس المال في الانتشار وزيادة هيمنته على هذا الصراع، ولألفت الانتباه إلى هذا، فتحت هذا الجزء، بالطبع، فهم ذلك يعتمد على الفهم الصحيح لواقعنا اليوم، وهذا يُلقي الضوء على الموضوع ولا يحتاج إلى مزيد من التفصيل.