الجمعيات النسائية في تونس... حقوق النساء بين التجميد والتهميش
نددت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي، بتجميد نشاط جمعية النساء الديمقراطيات من حيث المبدأ، خاصةً أنه في الأيام القادمة ستبدأ حملة أممية لمناهضة العنف ضد النساء وللجمعية دور كبير في ذلك.
 
					نزيهة بوسعيدي
تونس ـ عاشت تونس خلال الأيام الماضية على وقع خبر تجميد نشاط الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وتلتها جمعيات حقوقية أخرى لها أبعاد اجتماعية على غرار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كما اشتكت بعض المنظمات خلال السنوات الأخيرة من التضييق والحرمان من المنحة السنوية التي ترصد لها على غرار اتحاد المرأة واتحاد الشغل واتحاد الفلاحين.
في هذا الإطار قالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي "منذ حوالي يومين تم تداول أخبار تجميد بعض الجمعيات وأولها جمعية النساء الديمقراطيات التي تأسست منذ الثمانينات وبصفتي رئيسة منظمة نسائية أؤمن بأن العمل الجمعياتي النسوي هو عمل نبيل خاصة وأن المرأة في تونس وفي كل البلدان العربية وفي بلدان العالم حلقة ضعيفة طبعاً بدرجات بين الدول وتحتاج إلى الكثير من الدعم والكثير من العمل من أجل النهوض بحقوقها".
وباعتبارها نائبة رئيسة المجلس الدولي للنساء الذي يعمل على كامل أقطار العالم، أدركت أن النساء في كل الدول يواجهن العديد من الصعوبات والانتهاكات التي تجعله يعمل على الضغط من أجل النهوض بهن وبالتالي كل جمعية تخدم المرأة هي بالنسبة لهم مكسباً لأنها تناضل من أجل الحقوق.
وأشارت إلى أنه يمكن اعتبار أن جمعية النساء الديمقراطيات على مستوى النشأة كانت جمعية نخبوية والاتحاد جمعية جماهيرية عامة تهتم بكل النساء، لكن حتى النخبة محتاجة لمن يدافع عنها "نعلم أن جمعية النساء الديمقراطيات تطرقت في السنوات الأخيرة إلى العديد من الملفات والقضايا التي تهم جميع النساء كالمرأة في الوسط الريفي وغيرها".
وترى أن "من حق الجمعية الوجود ومن حق نشطائها أن يجدوا فضاء يجمعهن وما لا يجدونه في جمعيتنا من حقهن إيجاده في جمعية أخرى وأن أي شخص من حقه أن يتواجد في المحيط الذي يلائمه"، مؤكدة أن "كل مس من الجمعية هو مس من حقوق النساء"، معلنة تضامنها مع الجمعية.
وبخصوص المرسوم 88 لسنة 2011 وتداعياته على وضع الجمعيات والمنظمات، قالت "هذا المرسوم جاء لتعويض القانون عدد 59 المنظم للجمعيات وكنت ضد هذا المرسوم منذ البداية والوحيدة وذلك بصفتي رئيسة منظمة نسائية لأن أول من تضرر منه هو الاتحاد".
التجميد يضر النساء ضحايا العنف
وانتقدت راضية الجربي القانون الجديد المنظم للجمعيات، معتبرة أنه رغم اعتباره مكسباً بخروج ملف الجمعيات من وزارة الداخلية إلى رئاسة الحكومة، إلا أنه يحمل ثغرات أضرت بالمنظمات النسائية، فالقانون السابق عدد 59 كان يميز بين الجمعيات حسب اختصاصها، بينما أصبح الآن تأسيس الجمعيات سهلاً، مما أدى إلى كثرة عددها وتورط بعضها في الإرهاب، إضافة إلى حصول العديد منها على تمويل أجنبي دون رقابة، حيث بات بإمكان أي جهة العمل على قضايا مثل الجندرة بشكل مؤقت ينتهي بانتهاء التمويل.
ينص المرسوم على ضرورة التصريح بالتمويل الأجنبي للجمعيات خلال شهر لدى الكاتب العام للحكومة، لكن بعد 25 تموز/يوليو الماضي بدأت حملة مكافحة الفساد وتتبع مصادر هذه الأموال دون تدخل فعلي. في حال عدم التصريح، تُوجَّه إنذارات للجمعية، وإذا لم تُجب، يُتخذ قرار بتجميد نشاطها، ثم يُحلّ إذا لم تُسوّى الوضعية.
وتأمل راضية الجربي الا يُتخذ قرار الحل بحق جمعية النساء الديمقراطيات ليتمكنّ من مواصلة نشاطهن في خدمة قضايا النساء.
وتأسفت لصدور قرار تجميد الجمعية قبل انطلاق الحملة الأممية لمناهضة العنف ضد المرأة في تشرين الثاني/نوفمبر، مشيدة بدور جمعية النساء الديمقراطيات في إرساء القانون عدد 58 ومساعدة ضحايا العنف عبر مراكز الإيواء والتوجيه، إضافة إلى جهودها في التوعية والبحث.
وأعربت عن قلقها بشأن مصير النساء المستفيدات من خدمات هذه المراكز، كما دعت إلى منح فرصة ثانية للجمعية عبر توجيه تنبيه إضافي، مؤكدة أن حقوق النساء تتطلب دعماً واسعاً، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي فاقمت معاناة النساء من بطالة واستغلال، حتى أن وزارة المرأة اعتبرت بعض الحالات نوعاً من الرق.
وبينت أن كل اضطراب سياسي يُستغل لإعادة النقاش حول مجلة الأحوال الشخصية، بما في ذلك تعدد الزوجات، الطلاق لدى عدل إشهاد، وإلغاء النفقة، مما يهدد المكاسب التي تحققت منذ سنة 1956. وترى أن الثورة كانت سياسية ضد الفساد، لكنها لم تشمل تغييراً فكرياً وثقافياً، حيث حاول القادمون بعد الثورة استغلالها للعودة إلى أفكار رجعية، ما دفعها إلى العمل على التصدي لهم.
وأوضحت أن النساء بحاجة إلى دعم جميع الجمعيات، لأن المؤشرات تظهر تراجعاً في أوضاعهن بدل التقدم. وكمثال على ذلك، أشارت إلى انتشار الطلاق السريع بين المتزوجات حديثاً نتيجة للاستغلال الجسدي والمادي، وحرمانهن من زيارة الأهل، والتعنيف عند رفض الاستغلال، مشددة على أن وضع النساء يتطلب تضافر الجهود، مع الأمل في تجاوز أزمة تجميد جمعية النساء الديمقراطيات قريباً.
أين الوزيرة؟
ولفتت راضية الجربي إلى أن الاتحاد الوطني للمرأة التونسية يعاني منذ عام 2017 من صعوبات في الحصول على المنحة الحكومية، رغم إدراجها في الرائد الرسمي في بعض السنوات، ورغم صدور أمر استثنائي العام الماضي لتسهيل صرف المنحة، لم تُمنح، وتم إبلاغهم شفاهياً بعدم صرفها في السنة القادمة أيضاً، مشيرة إلى أن الاتحاد لم يتلق أي دعم منذ أكثر من ثلاث سنوات، وطُلب منها تقليص عدد الموظفين إلى الربع، دون أن يطرأ أي تغيير، رغم أن الحكومة مسؤولة عن ضمان استقرارهم المادي والأسري.
وأشارت إلى أن أزمة التمويل لا تقتصر على اتحاد المرأة فقط، بل تشمل أيضاً اتحاد الفلاحين واتحاد الشغل، رغم تداعياتها الكبيرة، مطالبة الحكومة بالهدوء والتقدير للتنظيمات التي ساهمت في بناء البلاد، ومنها المنظمة النسائية التي قاومت الاستعمار.
وتساءلت عن دور وزيرة المرأة، وهل تستطيع الوزارة وحدها معالجة قضايا جميع نساء تونس، من العاملات الفلاحات إلى الإطارات، وكل الأطفال؟، منتقدة غياب التنسيق رغم أن لكل منظمة خلية تُعنى بالمرأة.
