الديمقراطية الكردية... حل لقضايا المرأة

لا يمكن التغلب على الموقف الضيق الذي لا أفق له والذي يضع القبيلة والعشيرة والمنطقة في مركز كردستان إلا بعقل ونظام ديمقراطي، وبهذا المعنى، فإن العمل من أجل الوحدة الوطنية يعني تطوير الديمقراطية الكردية من جميع النواحي.

دجلة آمد

خلال الحرب العالمية الأولى، أدى تصميم النظام العالمي إلى إنشاء دول قومية في الشرق الأوسط وتقسيم كردستان إلى أربعة أجزاء، وبعد مرور قرن من الزمن، دخلنا في عملية تصميم أدى إلى تفكك الدول القومية، حيث يجب أن يكون معلوماً أولاً وقبل كل شيء أن نعي جيداً أن نضال شعبنا من أجل الحرية الذي كان يرزح تحت نظام الاحتلال والإبادة الجماعية منذ مائة عام، مع معاناة كبيرة في الأجزاء الأربعة، هو الذي أدى إلى التغيير الإقليمي، كما أدى التزام الشعب الكردي بالحرية ونضاله الدؤوب إلى إفلاس نظام الإبادة الجماعية والاحتلال، وهزم الكرد نظام الدولة القومية القائم على الإبادة الجماعية.

ومع ذلك، في هذه العملية التاريخية، هناك مخاطر وكذلك فرص كبيرة للحرية أمامنا، فخلال الحرب العالمية الأولى وُعد الشعب الكردي كغيره من الشعوب الأخرى بدولة ورسمت الخرائط وكاد النظام أن يبنى على هذا المحور، إلا أن طلائع الشعب الكردي بقيت حبيسة المحلية، ومحصورة في منطقتها، ولم تتبلور لديها رؤية شاملة لكردستان وعقل مشترك، ولهذه الأسباب، لم يتصرفوا بطريقة شمولية وكانت النتيجة تقسيم كردستان إلى أربعة أجزاء وإنكار كردستان بمعاهدة لوزان، ولهذا السبب، فإن الشيء الوحيد الضروري لإنجاح هذه العملية لصالح شعبنا هو تحقيق الوحدة الوطنية.

كان التشرذم القومي أكبر كارثة على المرأة الكردية، والنساء هن أكثر من يعاني من هذا الألم، فاحتلال كردستان يعني احتلال أجسادنا وبالتالي احتلال شرفنا، لقد عشنا ككرديات في ظل استعمار قاسٍ على مدى المائة عام الماضية، بما في ذلك الاغتصاب والمجازر والاختطاف، وبالتالي فإن الاستعمار مشكلة المرأة الأساسية بالنسبة لنا نحن النساء، والشرط الأول لحرية المرأة هو التخلص من الاحتلال، لكن التجزئة القومية هي الأرضية لاستمرار الاحتلال، ومن هذا المنطلق، فإن السبيل الوحيد للقضاء على أسباب العنف والعبودية ضد المرأة في كردستان هو التضامن والعمل المشترك في إطار الوحدة الوطنية.

 

الأسباب التي تجمد وتبطئ الوحدة الوطنية

كما هو معروف، فإن العمل على الوحدة الوطنية مستمر منذ فترة طويلة، فمنذ عام 2007، عقدت منظمات "الوحدة الوطنية الكردية" مؤتمرين مهمين في عام 2009 "آمد" وعام 2011 "هولير" وأغلقت الوحدة على هدف مؤسسي نضالي، لقد تم تنفيذ خطة الانهيار التي شهدناها في السنوات العشر الأخيرة بالتوازي مع تحالف المتعاونين مما وجه ضربة كبيرة لتنظيم الوحدة الوطنية، ومحاولة احتلال إقليم شمال وشرق سوريا وإقليم كردستان وسياسة الإبادة التي كان الناتو يتمحور حولها، أبرزت مواقف بعض الأحزاب الكردية التي كانت تتعارض مع روح الوحدة الوطنية وتعارضها، وكاد عمل الوحدة الوطنية أن يتجمد.

غير أن الوضع الخاطئ الذي يحد من عمل الوحدة الوطنية ويحصرها في وحدة الأحزاب السياسية ولا يعمم الوحدة الوطنية ولا يعمقها على أساس بناء الأمة الديمقراطية، قد حال دون تطور ذلك، وفي الوقت نفسه، لم يتمكن العمل النسائي في مجال الوحدة الوطنية من تجاوز المشاكل العامة لهذه الوحدة وتطوير أصالته بشكل خلاق بما فيه الكفاية، ومع ذلك، كان أحد أهداف منظمة الوحدة الوطنية للمرأة الكردية هو التغلب على الانسداد الذي فرضته بعض الأحزاب الكردية على أرضيتها الخاصة.

لقد كانت الرسائل التي بعث بها القائد عبد الله أوجلان إلى أحزاب إقليم كردستان وأسلوب الحوار هي التي كسرت الجمود في مسألة الوحدة الوطنية، وفي هذه الخطوات التصميمية التي ستشكل المائة عام القادمة، كان من الممكن أن يكون تفريق الكرد كارثة حقيقية، يمكننا القول إن القائد أوجلان أنقذ الشعب الكردي من حافة كارثة كبيرة، ونتيجة لهذا التدخل، برزت إرادة إيجابية في عمل الوحدة الوطنية للمرأة الكردية، وأعلن منبر الوحدة الوطنية للمرأة الكردية عن نفسه بذات الاسم، وتم عقد مؤتمر الوحدة الوطنية في إقليم شمال وشرق سوريا.

 

يمكن التغلب على الموقف الضيق بعقل ونظام ديمقراطي

وصفت القيادة التشرذم الوطني بأنه "ألم التحول الديمقراطي، لم يتم بعد خلق مجتمع ديمقراطي، هذا الألم لا يزال قائماً"، ويعزو ذلك إلى عدم وجود فهم كردي للديمقراطية، ولا يمكن التغلب على هذا الموقف الضيق الذي لا أفق له والذي يضع القبيلة والعشيرة والمنطقة في مركز كردستان إلا بعقل ديمقراطي ونظام ديمقراطي، ومن هذا المنطلق، فإن العمل من أجل الوحدة الوطنية يعني تطوير الديمقراطية الكردية في كل جانب من جوانبها، لذلك من الضروري بناء الديمقراطية والوحدة الوطنية، وإلا فلا يمكن تجنب تحولها إلى ائتلاف أحزاب، وبالتالي لا يمكن للوحدة أن تتجنب التفكك بأقل سبب خارجي، وإن الوحدة الوطنية تعني الوعي بالحقوق الأساسية لكل فرد كردي وقدرته على البناء والبحث عنها.

إن عدم وجود مركز للسلطة، يجعل المرأة أكثر مرونة في التغلب على مشاكل الوحدة الوطنية، ونحن بحاجة إلى التغلب على الجمود الناجم عن عدم إحراز تقدم في عمل الوحدة الوطنية لفترة طويلة وتطوير علاقة تنظيم شامل وفعال، ومن الضروري حماية العمل من موقف المماطلة والتسويف من الأطراف، وعدم حصر عمل الوحدة الوطنية في المؤتمر، واعتبار الوحدة الوطنية عملاً بنائياً، والأخذ بمنظور توسيعها كوحدة المجتمع الديمقراطي، وليس وحدة الأحزاب فقط.

مشكلتنا الأساسية أننا تجاوزنا الفهم والنهج العقائدي الضيق أو الليبرالي في سياسة الوحدة الوطنية، والسبب في ذلك أننا ننظر إلى الوحدة الوطنية في سياق سياسي ضيق وليس في سياق اجتماعي، فالوحدة الوطنية مشكلة سياسية واجتماعية في آن واحد، فهي ذات جوانب تكتيكية متنوعة ومتعددة وهي الهدف الاستراتيجي الرئيسي، ومن هذا المنطلق، نحن بحاجة إلى تحويل الوحدة الوطنية إلى أسلوب عمل على أساس تنمية الوحدة والتكامل الاجتماعي.

للمرة الأولى في تاريخ المرأة الكردية، شكّل 24 حزباً ومنظمة نسائية وممثلين عن الأحزاب السياسية من الأجزاء الأربعة لكردستان والشتات تنظيماً مشتركاً، باتت وحدة تاريخية وذات مغزى، وقد كان لها تأثير إيجابي للغاية على السياسة الكردية بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص، وكان الإقبال على كبيراً، ولهذا السبب، فإن أهداف توسيع المنبر بمشاركة الهياكل والشخصيات المنظمة المستبعدة، والتنظيم على أساس نقابي، وتبني المشاكل الاجتماعية للمرأة الكردية من خلال النضال المشترك، وعقد مؤتمر، سيكشف عن نتائج مهمة بالتأكيد.