الإعلام السوري بين الغياب والتواطؤ
كشفت الصحفية روناك شيخي، التي كانت صوتاً نسوياً بارزاً للنساء العلويات والدرزيات في إقليم شمال وشرق سوريا، عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها جهاديي هيئة تحرير الشام، مشيرةً إلى غياب الدور الحقيقي للإعلام السوري في فضح تلك الانتهاكات.

سوركل شيخو
قامشلو ـ على مدار الأشهر السبعة الماضية، خاصة بعد سقوط نظام البعث، تصاعدت انتهاكات الجماعات المسلحة التابعة لجهاديي هيئة تحرير الشام بحق العلويين والدروز، بما في ذلك مشاهد موثقة تُظهر اختطاف النساء والاعتداء عليهن، فهل كشف الإعلام تلك الانتهاكات وكان صوتاً للضحايا، أم أنه غاب عن أداء مهمته الأخلاقية والإنسانية؟
الصحفية روناك شيخي، التي تواكب عن كثب من إقليم شمال وشرق سوريا أوضاع العلويين والدروز في سوريا وتوثّق المجازر والانتهاكات بحقهم لحظة بلحظة، تحدثت لوكالتنا عن جملة من النقاط الجوهرية التي تستحق التوقف عندها.
"14 عاماً من العنف ضد المرأة السورية"
قالت الصحفية روناك شيخي أن المرأة السورية عانت خلال 14 عاماً من الثورة أشد أشكال العنف "واجهت النساء النزوح، الألم، العنف الجسدي والجنسي، إضافة إلى الذهنية المتخلفة التي تحكمت بمصيرهن، النساء الخارجات من سجون نظام البعث تعرضن لجرائم مروّعة، ومع سقوط نظام الأسد، راودهن الأمل في حياة أكثر أماناً، لكن الواقع اليوم يكشف عن مخاطر أكبر تهدد المرأة السورية".
وفي وصفها للوضع الراهن بعد وصول الحكومة السورية المؤقتة، بقيادة جهاديي هيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم "مع تغيير السلطة، تصاعد العنف ضد النساء بشكل غير مسبوق، خاصة مع وجود متطرفين داخل وزارة الدفاع، يحملون ثقافة دينية تشرعن أسر النساء والاتجار بهن، وأحداث السويداء كانت نموذجاً واضحاً يكشف أهداف هذه الإدارة، حيث واجهت النساء موجة جديدة من الانتهاكات الممنهجة".
"صمت المجتمع الدولي يشرعن الجرائم ويهدد المستقبل"
وألقت روناك شيخي باللوم على جهات محلية ودولية بسبب صمتها تجاه الجرائم التي وقعت في الساحل السوري، بما في ذلك اختطاف النساء العلويات والانتهاكات الأخرى، مشيرة إلى أن تقارير الوكالات حدّدت هوية الجناة، إلا أن الدول الكبرى تجاهلت تلك التقارير، بل دعمت التعتيم على التحقيقات التي تجريها اللجنة التابعة للحكومة السورية المؤقتة، ما ساهم في طمس الأدلة المتعلقة بالجرائم المرتكبة هناك.
وحذّرت من أن مرتكبي المجازر بحق الدروز سيظلون بلا محاسبة، تماماً كما حدث مع مرتكبي مجازر الساحل السوري، مشيرةً إلى أن هذا الصمت الدولي يشرعن انتهاكات جهاديي هيئة تحرير الشام ويمهّد الطريق لتكرارها على نطاق أوسع.
وأضافت "الجرائم التي ارتُكبت في الساحل السوري دون أي مساءلة ستتكرر في السويداء، مما يفتح الباب أمام موجة جديدة من الانتهاكات بحق الطوائف والمذاهب الأخرى، ورغم كشف الحقائق، يستمر الصمت، وقد تواجه النساء جرائم أشد فظاعة، فالدول التي تلتزم الصمت تساهم فعلياً في دعم إدارة متطرفة تنكر وجود المرأة وتهمّشها، وتتصرف بعقلية فردية تتجاهل حقوق الآخرين".
"لم يلعب الإعلام دوراً في فضح وكشف الانتهاكات"
وأكدت روناك شيخي أن الإعلام السوري لم يقم بدوره في فضح وكشف الانتهاكات، مشددةً على أهمية الرسالة الإعلامية وحرية التعبير "في عهد نظام البعث كانت حرية الصحافة مقيدة، ومنعت تغطية العديد من الأحداث، واليوم تُقيّد حرية الإعلام مجدداً تحت سلطة الحكومة السورية المؤقتة".
وقالت "كصحفية، لا أجد في سوريا بيئة إعلامية حرة تتيح لي تغطية الوقائع دون التعرض للمساءلة أو التهديد، فالإعلام لا يؤدي واجبه الأخلاقي والمهني في كشف انتهاكات جهاديي هيئة تحرير الشام، ورغم وجود تقارير وتحقيقات توثق جرائم إبادة بحق العلويين، فإن الحكومة السورية المؤقتة تتجاهلها تماماً، وتُهمّش دور الإعلام في نقل الحقيقة".
وأكدت روناك شيخي أنها لا تشعر بالقلق من الانتهاكات بصفتها صحفية فحسب، بل كامرأة تعيش في ظل واقع مهدد، مشيرةً إلى أن الخوف من امتداد هذه الانتهاكات إلى مناطق أخرى بات حقيقياً "ما يثير الرعب هو أن المتطرفين يعتقلون النساء وتحتجزهن دون تمييز، ويتعاملون معهن كغنائم حرب لمجرد اختلاف دينهن أو قومياتهن".
"يجب تجاوز الانقسامات ومواجهة خطاب الكراهية"
ودعت روناك شيخي المجتمع الدولي إلى التحرك الجاد إزاء المجازر والانتهاكات المتواصلة في سوريا، لا سيما تلك التي تستهدف النساء، محذّرةً من أن استمرار هذا الوضع قد يعيد البلاد إلى عصور الظلام والجاهلية، ويحوّل سوريا إلى نسخة أخرى من أفغانستان.
وقالت "نحن نعيش بأمان واستقرار في إقليم شمال وشرق سوريا، وسنواصل الدفاع عن مكتسباتنا رغم كافة التهديدات"، مشيرةً إلى أن القلق من الوضع في سوريا لا يقتصر عليها، بل يطال أيضاً الصحفيين العرب والأجانب "من خلال علاقاتي مع صحفيات من دول عربية وأجنبية، ألاحظ أنهن يشعرن بالقلق ذاته تجاه ما يحدث في سوريا، ويتفاعلن مع التقارير التي نعدّها هنا ويُظهرن دعماً حقيقياً في محاولة لكشف الجرائم ومحاسبة الجناة".
وأشارت إلى وجود بعض الصحفيات اللواتي يروّجن لصورة إيجابية للحكومة السورية المؤقتة، متجاهلات الانتهاكات، بل ويسعين لتشويه أصوات النساء المنتقدات "في الوقت الذي تتعرض فيه الصحفية زينة شهلا لخطاب عنيف وبذيء في دمشق، يبرز سؤال جوهري لماذا لا تتدخل الحكومة لوقف هذه الانتهاكات وفتح تحقيق؟ الصحافة في سوريا باتت مهددة، والصمت الرسمي يزيد من خطورة المشهد".
في ختام حديثها، دعت روناك شيخي إلى تعزيز التضامن في مواجهة المرحلة الحرجة التي تمر بها سوريا، مؤكدةً أن الوضع الراهن يتطلب تجاوز الانقسامات الطائفية والقومية والقبلية "نعيش لحظة بالغة الخطورة، وقد نصبح جميعاً أهدافاً محتملة للانتهاكات، خاصة مع تصاعد نزعة الانتقام التي حولت سوريا إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات"، مشددةً على أهمية التصدي لخطاب الكراهية والحقد "علينا أن نتحرك بوعي ومسؤولية، وأن نخطو خطوة للأمام نحو بناء مجتمع أكثر عدالة وإنسانية، بعيداً عن الانقسام والتحريض".