الاختفاء القسري قضية عالمية في ظل انعدام الأمن

تم إعلان 30 آب/أغسطس من كل عام اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، الغرض منه زيادة الوعي حول حالات الاختفاء القسري حول العالم والحلول والأسباب.

مركز الأخبار ـ ربما يختفي عدد كبير من الناس في العالم كل يوم خاصة في ظل الأنظمة الدكتاتورية أو الحروب أو الصراعات السياسية أو مسار الهجرة أو لأسباب غير معروفة، لذلك جاء اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري ليسلط الضوء على ذلك وتداعياته.

"كل ليلة، في الساعة الثانية والنصف صباحاً، في نفس الوقت الذي خرج فيه ابني ولم يعد، أذهب لأتفقد المنزل، على أمل أن تكون هناك قطعة من ملابسه قد بقيت هناك"، هذه هي الرغبة الأكثر تداولاً لدى شهلا. ح في الحصول على أخبار عن ابنها المفقود.

لا تزال امرأة فقدت ابنها منذ عدة سنوات، دون أن يكون لها أي اسم أو عنوان، تتمنى أن يعود ذات يوم، إنها شهلا. ح التي فقدت ابنها الذي كان يبلغ من العمر 28 عاماً، حيث قالت إن نجلها خرج من المنزل بعد مكالمة مفاجئة ولم يعد بعد ذلك، ورغم المتابعات التي قامت بها الأسرة إلا أنها لم تتلق أي إجابة.

كما أكدت شهلا. ح مرات عديدة أنه على الرغم من طلبات الأسرة المتكررة إلى النظام القضائي وجهاز المخابرات الإيرانية لتتبع آخر اتصال أجراه ابنها، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء من قبل المؤسسات المعنية.

وكثيراً ما يُستخدم الاختفاء القسري كاستراتيجية لنشر الرعب في المجتمعات، ولا يقتصر الشعور بعدم الأمان الناجم عن هذا الفعل على أقارب المختفين فحسب، بل يؤثر أيضاً على مجتمعاتهم.

فقد أصبح الاختفاء القسري مشكلة عالمية ولا يقتصر على منطقة معينة من العالم، لقد كانت هذه السياسة في السابق نتاجاً للديكتاتوريات العسكرية، أما اليوم من الممكن ممارستها في حالات الصراع الداخلي المعقدة كأداة للقمع السياسي للمعارضة، ومما يثير القلق بشكل خاص المضايقات المستمرة التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان وأقارب الضحايا والشهود والمستشارين القانونيين الذين يتعاملون مع حالات الاختفاء القسري.

كما أن الحكومات تستخدم أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لانتهاك التزاماتها، فقد اختفى مئات الآلاف من الأشخاص خلال الصراعات أو فترات القمع فيما لا يقل عن 85 دولة حول العالم، ففي نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في 1 تموز/يوليو 2002، وكذلك الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 كانون الأول/ديسمبر 2006، التي تنص على أنه في حالة الالتزام باعتبار "الاختفاء القسري" جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، يعتبر جريمة ضد الإنسانية وبالتالي لا يخضع لقانون التقادم، فهو يمنح عائلات الأشخاص المختفين الحق في طلب التعويضات والمطالبة بالحقيقة بشأن اختفاء ذويهم.

وعلى الرغم من هذه الحالات، يختفي العديد من الأشخاص حول العالم لأسباب مختلفة، فوفقاً لتقرير المنظمة الدولية للهجرة، بين عامي 2014 و2023، مات أو اختفى أكثر من 63 ألف شخص على طرق الهجرة حول العالم، وقد هاجر معظم هؤلاء الأشخاص على أمل الحصول على حياة أفضل بسبب الظروف الداخلية غير المواتية لبلادهم أو الحروب.

وأيضاً، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، فإن آلاف الأشخاص في العالم مسجونون في ظروف غير مواتية وفي أماكن لا يعلم عنها ممثلون قانونيون وحتى عائلاتهم.

ولا تهدف عمليات الاختفاء القسري من قبل الحكومات دائماً إلى منع أنشطة الأفراد، ولكن يكون ذلك بسبب الضغط على الأسرة أو المحيطين بالشخص، في حين أن العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وغيرها، تعتبر اختفاء الأشخاص على يد الحكومات أو الجماعات العسكرية وسيلة لحل النزاعات أو الاضطرابات.

حيث أدانت العديد من المنظمات الحقوقية وحاولت مساءلة الحكومات عن اختفاء النشطاء السياسيين والمعارضين، إلا أن العديد منها تجاهل هذه القضية دون النظر إلى القوانين الدولية، وقد اعتبرت الأمم المتحدة اختفاء المواطنين أسلوباً إجرامياً من قبل الحكومات أو بعض المنظمات لنشر الخوف والرعب في المجتمع، ويعتبر هذا الإجراء انتهاكاً خطيراً لمفاهيم حقوق الإنسان والقوانين الدولية.

فالحكومات الديكتاتورية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في أمريكا اللاتينية، وخاصة في دول مثل تشيلي والأرجنتين، اختطفت وقتلت عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين اليساريين خصوصاً، بعد الانقلابات والإطاحة بالأنظمة السياسية.

وفي أوروبا، لا يزال عشرات الآلاف من مواطني البلقان يجهلون مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال الحروب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة، كما أن مصير الآلاف من مواطني كرواتيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك لا يزال مجهولاً.

وفي القارة الأفريقية، هناك 44 ألف شخص هم ضحايا الاختفاء القسري منهم 45% أطفال والذين من المحتمل أن تستخدمهم العصابات في العمليات المسلحة، ففي نيجيريا معقل ومنشأ حركة بوكو حرام وواحدة من أهم ميادين نشاط مرتزقة داعش في أفريقيا، اختفى نصف العدد المذكور، وبعد ذلك، سجلت إثيوبيا وجنوب السودان وليبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والكاميرون أكبر عدد من المختفين في هذه القارة.

كما اختفى أكثر من 8000 شخص في باكستان خلال العمليات التي شنتها الحكومة لمحاربة الجماعات الأصولية، وفي أفغانستان، اختفى عدد كبير من الجنود السابقين والناشطين المدنيين في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان والصحفيين بعد حكم طالبان في أفغانستان، من بينهم علياء عزيزي، رئيسة سجن هيرات للنساء في النظام الجمهوري السابق.

وعلى الرغم من أنه في دول مثل إيران، حيث تطبق عقوبة الإعدام على المعارضين والمجرمين، فإن قضية الاختفاء القسري لا تزال قائمة، فإحدى حالات الاختفاء في إيران كانت لفرشتي علي زاده، الناشطة الطلابية في جامعة الزهراء ورئيسة رابطة هذه الجامعة، والتي اختفت وسط اشتباكات بين الطلاب والشرطة في كوي بجامعة طهران في أحداث عام 2021، كما اختفى العديد من المتظاهرين خلال انتفاضة Jin Jiyan Azadî""، ولا يُعرف مصيرهم.