الـ "كريديف" يحيي إرث طاهر الحداد ويثمّن الفكر الإصلاحي في مسار حقوق المرأة
من تونس إلى مصر، ومن المشرق إلى المغرب، شكل طاهر الحداد، حبيب بورقيبة، قاسم أمين، عبد الله أوجلان، وسعد زغلول نماذج بارزة لرجال آمنوا بأن تحرر المرأة هو شرط لتحرر المجتمع، وأن العدالة الاجتماعية لا تكتمل إلا بالمساواة بين الجنسين.
تونس ـ دعت ناشطات تونسيات إلى الاستفادة من الرؤية الإصلاحية التنويرية للمفكر الداعم المناصر لقضايا النساء في تونس منذ الثلاثينات الراحل طاهر الحداد الذي كان سابقاً لعصره من جانب الحقوق التي طالب بها لتحرير المجتمع لاعتبار مقاربته كانت تقوم على أنه بتحرير المجتمع تتحرر المرأة.
في مجتمعات يغلب عليها الطابع الذكوري، برز رجال حملوا على عاتقهم مهمة الدفاع عن النساء وحقوقهن، متحدين الأعراف السائدة ومواجهين مقاومة شرسة من القوى المحافظة، هؤلاء الرجال لم ينظروا إلى قضية المرأة باعتبارها شأناً ثانوياً، بل رأوا فيها مدخلاً أساسياً لإصلاح المجتمع بأسره، من بينهم الطاهر الحداد.
وقد أحيا مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "كريديف"، أمس الجمعة 5 كانون الأول/ديسمبر، الذكرى التسعين لرحيل المفكر والمصلح الاجتماعي الطاهر الحداد، الذي يعد من أبرز المدافعين عن حقوق المرأة في تونس منذ ثلاثينات القرن الماضي.
الندوة التي حضرها عدد من الناشطات والكاتبات ووزيرة الأسرة والمرأة أسماء الجابري، أكدت أن الحداد يمثل مرجعية فكرية في مسار التحرر الاجتماعي، حيث دعا إلى منع تعدد الزوجات، دعم تعليم النساء، والمساواة بين الجنسين، رغم الهجوم الذي تعرض له آنذاك.
وأفادت المشاركات أن طاهر الحداد الذي اعتبر أن تحرير المجتمع لا يتحقق إلا بتحرير المرأة، سعى إلى إرساء أسس مجتمع حداثي قائم على التعليم والصحة والحقوق القانونية للنساء.
وشددت مديرة "كريديف" سنية بن جميع على أهمية تثمين الرصيد الفكري للحداد وإعادة قراءته في سياق ديناميكية سوسيو- تاريخية وطنية، مؤكدة أن الندوة تهدف إلى إبراز العمق التاريخي لمناصرة الرجال لقضايا النساء وربط فكر الطاهر الحداد بمسار العدالة الاجتماعية والنضال الوطني.
ولفتت إلى أن الندوة تهدف إلى إبراز العمق التاريخي لمناصرة الرجال لحقوق النساء في تونس وتثمين الرصيد الفكري للطاهر الحداد كجزء من فلسفة الإصلاح الاجتماعي الوطني علاوة على تحديد العلاقة بين مناصرة الحداد لحقوق المرأة والرؤية الشاملة للعدالة الاجتماعية وللنضال الوطني ولبناء المجتمع.
ووصفت الكاتبة جليلة طريطري، طاهر الحداد بأنه أيقونة للحركة النسوية التونسية والعربية، مشيرة إلى أن كتابه "المرأة في الشريعة والمجتمع" أثار جدلاً واسعاً في الثلاثينات بسبب تأويله الجديد للشريعة وربطه بمقاصدها، ما جعله عرضة لهجوم النخبة المحافظة التي كانت تحتكر سلطة المعرفة والتأويل.
وأكدت أن مطالب الحداد كانت معقولة، إذ دعا إلى تعليم النساء ومنحهن حقوقهن لحمايتهن من الفقر والفساد، معتبرة أن استبداد الرجل بالمرأة ليس من الشرع ولا من العقل "نفتخر بكل أعلامنا المفكرين ولا نبخسهم لكن من الواجب علينا إعادة التفكير في جهودهم وأفكارهم والكشف عن وثائق جديدة".
وأشارت إلى أن فهم الحداد يرتبط بالحركة الإصلاحية التنويرية، وقد سبقه إلى هذا الفكر التنويري عبد العزيز الثعالبي وأيضا الصحفي محمد بلخوجة في القرن التاسع عشر الذي سلط الضوء على قضايا النساء وآمن بها ودافع عن تحررهن، وطالب بإعادة النظر في تربية الفتيات وخروج المرأة للتعليم والعمل وإسهامها في بناء المجتمع التونسي ودعوته الموجهة للمستعمر "من المهم إعادة النظر في رؤية الطاهر الحداد لربطه بالحركة الإصلاحية التي في الأصل بدأت في مصر مع عائشة التيمورية في كتابها "مرآة التأمل" لا مع قاسم امين كما يروج".
من جانبها، أوضحت الأستاذة الجامعية ابتسام بن حفصية أن الحداد لم يكن أول نصير للمرأة في تونس، إذ سبقه ابن أبي ضياف وخير الدين باشا وسالم بوحاجب، إلا أنه كان الأكثر جرأة بطرحه مشروعاً واضح المعالم رفضته النخب الدستورية آنذاك. وأضافت أن الدولة الحديثة تبنت مشروعه دون أن تنسبه إليه في مجلة الأحوال الشخصية، لكنه ظل مؤسساً للتجديد الذي جعل المرأة التونسية استثناءً في العالم العربي.
وشددت على ضرورة إعادة قراءة مشروع طاهر الحداد وتحيينه وفق متغيرات العصر، خاصة في ظل التوترات التي تشهدها تونس حالياً، معتبرة أن أفكاره حول المساواة والإرث والقضاء المدني ما تزال قابلة للتطبيق وتشكل أساساً للحفاظ على المكاسب وتطويرها.