اختتام برنامج "حياة" لدعم النساء والأطفال في قطاع غزة
اختتمت فعاليات برنامج "حياة" للثقافة والفنون بعد رحلة عمل مكثف في سبيل النهوض بواقع النساء والأطفال، والتخفيف من وطأة الأزمة النفسية والاجتماعية التي يواجهونها خلال الحرب المستمرة على غزة.
نغم كراجة
غزة - شهد يوم أمس الخميس 2٦ سبتمبر/أيلول ختام فعاليات برنامج "حياة" للثقافة والفنون، الذي نُفّذ على مدار شهرين متواصلين وسط ظروف استثنائية، بهدف تطوير المهارات الثقافية والفنية لعشرات الأطفال، والنساء والفتيات.
سعى البرنامج إلى تعزيز قدراتهم في مجالات متعددة والتخفيف من الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعانون منها باستخدام وسائل غير تقليدية، محققاً نتائج مبهرة تعكس قيمة الفنون في مواجهة الأزمات الإنسانية.
تحدثت تسنيم أبو ستيتة، المسؤولة عن البرنامج ومؤسسته، عن انبثاق فكرة هذا المشروع من عمق تجربتها الشخصية ومعايشتها اليومية للواقع المؤلم الذي يعيشه النازحون، لا سيما النساء والأطفال، فقد رأت من خلال التعامل المباشر مع هذه الفئات، كيف أن النزوح القسري وفقدان المنازل والقصف المتواصل قد أثّر بشدة على حالتهم النفسية، مما دفعها للتفكير في تقديم مبادرة إنسانية وفنية غير تقليدية تسهم في انتشالهم من واقعهم الصعب وتحسين حالتهم النفسية والاجتماعية.
استند البرنامج على تقديم خمس زوايا ثقافية وفنية مختلفة، اشتملت على "فن الشطرنج"، "فن رسم الشخصيات"، "فن القراءة والاستماع"، "فن رواية الحكايات"، والفقرة الأكثر ابتكاراً "نحن الحالمون" وقد شكّلت الأخيرة أبرز محطات البرنامج حيث تم إعداد مجموعة من الأكواب الورقية وطلب من كل طفل وامرأة كتابة أمنياتهم عليها، واتّفقت معظم الأمنيات على إنهاء الحرب والعودة إلى الحياة الطبيعية، مما عكس رغبتهم الجامحة في استعادة الأمل وسط واقع مليء بالمآسي.
كما أوضحت أن هذا المشروع جاء استجابة لواقع شديد القسوة لا يمكن مواجهته بالوسائل التقليدية فقط، حيث اعتمد البرنامج على أنشطة فنية وثقافية عميقة الأثر تهدف إلى تعزيز قدرة النساء والأطفال على التعبير عن أنفسهم، وتجاوز الصدمات النفسية التي مروا بها، وأضافت "الفكرة جاءت تطوعية بالكامل من دون دعم مالي أو جهات راعية، مدفوعة بإيماني العميق بأن التغيير يبدأ من داخل الإنسان، وأن الفن يمكن أن يكون وسيلة قوية للشفاء".
وأضافت "من خلال البرنامج، شاهدت عن كثب كيف يمكن للفن أن يكون وسيلة للتعبير عن الألم، والبحث عن الأمل"، مشيرةً إلى أن معاناة النساء في هذه الظروف القاسية تتجاوز حدود الوصف، فكل امرأة تحمل في قلبها قصة موجعة تركت أثراً لا يمحى، والنساء بحاجة باستمرار إلى فعاليات تمكنهن من التفريغ والتعبير عن تلك الأوجاع المكبوتة، أحد هذه القصص المؤلمة التي استذكرتها كانت لامرأة تمكنت من جمع أشلاء طفلها بعد أن عجزت فرق الإنقاذ عن انتشاله، في مشهد يصور قوة المرأة الفلسطينية في مواجهة أسوأ الظروف.
ولفتت تسنيم أبو ستيتة إلى أن كل زاوية من زوايا برنامج "حياة" استغرقت مدة زمنية محددة لتنفيذها واختتام فعالياتها، حيث استغرق العمل على كل زاوية 14 يوماً "هذه الفترة الزمنية كانت ضرورية لضمان تحقيق الأهداف المرجوة من كل نشاط بشكل كامل وفعال"، لافتةً إلى أنها أصدرت أمس كتاباً إلكترونياً بعنوان "تنهيدة حياة" يحمل سلسلة من قصص وحكايا النساء خلال الحرب، مؤكدةً أنها تخطط لفعاليات جديدة في أماكن متفرقة لتستهدف أكبر عدد ممكن من النساء والأطفال.
ومن بين الزوايا الأكثر تميزاً في البرنامج، كانت زاوية "فن الشطرنج"، التي أشرفت عليها رغد عدس، وهي مدربة معتمدة وعضو في الاتحاد المركزي للشطرنج، وركّزت هذه الزاوية على استخدام الشطرنج كوسيلة فريدة للتفريغ النفسي، موضحةً أن لعبة الشطرنج تساعد على تصفية الذهن وتعزيز التركيز، وهو أمر ضروري للخروج من دائرة الفوضى التي تعيشها المشاركات، "فوجئت بالإقبال الكبير للفتيات على تعلم اللعبة، مما يعكس حاجتهن الشديدة إلى أنشطة تخرجهن من دائرة الحرب والدمار".
كما أعربت عن أملها في أن تستمر المجموعة التي دربتها في التفوق في هذا الفن حتى بعد انتهاء الحرب، وأن يتمكنّ من المشاركة في دوريات الشطرنج العالمية.
في زاوية أخرى، أشرفت ندى عليوة على تدريب الفتيات والنساء على الفن المسرحي، حيث تم تعليمهن كيفية الوقوف الصحيح على خشبة المسرح، وتقديم الأدوار التمثيلية بطريقة تُمكّنهن من التعبير عن تجاربهن الشخصية "كل مشاركة قامت بتجسيد قصتها الحقيقية التي عايشتها خلال الحرب في إطار فني يسمح لها بتفريغ المشاعر المكبوتة، ورغم الصعوبة التي واجهتها بعض الفتيات في البداية بسبب الخجل من فكرة المسرح، إلا أنهن سرعان ما تألقن في تقديم أدوارهن"، وعبرت المشاركات عن سعادتهن بالتجربة التي ساعدتهن في التصالح مع بعض جوانب الألم النفسي.
وفي زاوية أخرى، أكدت فاطمة أبو ستيتة المسؤولة عن تطوير مهارات القراءة والاستماع لدى الأطفال والنساء أن تدهور النظام التعليمي بسبب الحرب والانقطاع المستمر في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والإنترنت، خلق فجوة تعليمية كبيرة لدى الأطفال، لا سيما الفتيات، اللواتي لم يحصلن على فرص كافية لتعلم القراءة والكتابة.
وأشارت إلى إن "هذه الفجوة تتطلب جهوداً كبيرة لسدّها، لذا اقترحت إنشاء نقطة تعليمية متنقلة تكون نواة لمشروع أكبر يهدف إلى النهوض بالمستوى التعليمي للأطفال والنساء في المنطقة".
وبينت أن بعض النساء يعانين من تعلثم في الكلام نتيجة الصدمات النفسية التي مررن بها، مما يجعل زاوية القراءة والاستماع فرصة لتعزيز مهارات التواصل واستعادة الثقة بالنفس، كما تطرقت إلى أن العديد من النساء يعشن حياة مليئة بالأعباء اليومية مثل جمع الحطب وتوفير المياه والبحث عن قوت يومهن في ظل الظروف القاسية، وأن البرنامج سعى إلى استثمار أوقاتهن بشكل مثمر وإيجابي.
وتأمل فاطمة أبو ستيتة في إنشاء مكتبة تعليمية متنقلة متكاملة تقدم خدماتها للأطفال والنساء، وتساهم في سدّ الفجوة التعليمية التي خلفتها الحرب.
ويظل برنامج "حياة" شاهداً على قدرة الإنسان على الابتكار في أحلك الظروف، حيث استخدم الفن والثقافة كوسيلة للتغيير وإعادة البناء النفسي في وجه الخراب.