احتفالات "يلدا" في شرق كردستان مرآة للتاريخ العريق والتقاليد الكردية
تُعد ليلة "يلدا" واحدة من أقدم الطقوس في شرق كردستان، إذ ترمز إلى انتصار النور على الظلام، ورغم اندثارها بعد دخول الإسلام إلى المنطقة، أعيد إحياؤها عبر الزمن لتبقى جزءاً من الهوية الثقافية الكردية.
وینا سبهري
مهاباد ـ ليلة يلدا هي أطول ليلة في العام وتعرف بليلة الانقلاب الشتوي وترمز إلى بدء فصل الشتاء، يحتفل بها السكان في إيران في 21-22 من كانون الأول/ديسمبر من كل عام، تعود جذورها إلى الحضارة الزرادشتية وما قبل الإسلام، وتُعرف أيضاً باسم ليلة "يلدا".
على مرّ العصور، تعرضت الكثير من الطقوس القديمة في شرق كردستان للتغيير بفعل الغزوات الأجنبية، كما نُهبت بعضها أو اندثرت تماماً، ومع ذلك ما زالت بعض العادات والتقاليد حاضرة حتى اليوم، إذ تُحيا وتُحتفل بها بفضل جذورها المقدسة ومكانتها البارزة، ومن أبرزها ليلة "يلدا"، التي ترمز إلى انتصار النور على الظلام.
وتشير المصادر التاريخية إلى أنه بعد دخول الإسلام إلى إيران ومنطقة شرق كردستان، تلاشت العديد من الطقوس، وتلاشت ليلة "يلدا" أيضاً بين الكرد، حتى أنها لم تعد موجودة لدى بعض العائلات، مع ذلك أُعيد إحياء هذا الطقس القديم عبر الزمن.
ليلة "يلدا"، هي إحدى الاحتفالات التي تُقام في أول ليلة من فصل الشتاء، وهي أطول ليلة في العام، ولها تاريخ يمتد لآلاف السنين، ففي الماضي البعيد كانت أطول ليلة في العام تُعتبر نقطة حاسمة في دورة الطبيعة.
ويعتقد الكثيرون أن "يلدا" هي ميلاد ميثرا، إلهة النور، ليلة يبلغ فيها الظلام ذروته، ثم يُهزم، وينبعث النور من جديد، على موائد "يلدا" القديمة كانت العديد من الأطعمة، كالرمان والبطيخ الأحمر، ترمز إلى الحياة والخصوبة في هذه الليلة، ولم تكن مرتبطة بالشمس والنور فحسب، بل كانت تُعتبر أيضاً رمزاً للقوة الأنثوية واستمرار الحياة.
وتشير الباحثة الأثرية لاله أحمدي إلى أن الثقافة الكردية تحتفي بـ"يلدا" عبر شكلين من الطقوس، تعبيراً عن تجدد صلة الإنسان بالطبيعة وإيمانه بانتصار النور على الظلام، وتُعتبر ليلة "يلدا" بداية لعيد الأربعين، أي الأربعين يوماً الأولى من الشتاء، حيث كان الأجداد يعدّونها آخر الليالي الطويلة في السنة، ويجتمعون للاحتفال بها بوصفها رمزاً لانقضاء العتمة وبدء أيام أكثر إشراقاً.
وفي الماضي القريب، كان يُحتفل بليلة الأربعين، بطريقة مختلفة عما هي عليه اليوم، تقول زارا منصوري، البالغة من العمر 70 عاماً، عن طفولتها وذكرياتها عن يلدا "لم تكن هناك احتفالات كما هي الآن، كان الأصدقاء والعائلة يجتمعون في المساء، وعادةً ما كانوا يُعدّون الدولمة أو كرات اللحم على العشاء، كانوا يقدمون التوت الأسود والجوز والزبيب واللوز، بالإضافة إلى حلوى الفواكه، لكن البطيخ لم يُقدم على مائدة يلدا إلا لاحقاً، كنا نجتمع ونتبادل القصص والحكايات القديمة، أو نعزف على آلات موسيقية كالقصب والطبول والدفوف، ونغني، ونقضي أوقاتاً ممتعة حقاً".
ورغم هذه الاختلافات، لا يزال جزء من مائدة "يلدا" في شرق كردستان مزيناً بالحلويات واللوز والجوز والفواكه كالرمان والبطيخ، إلى جانب الأطباق التقليدية كالدولما وكفتة اللحم، وغيرها.
وفي بعض مناطق شرق كردستان، مثل سنه وكرماشان، تُقام احتفالات تُعرف بـ"خوانجه بورون"، وهي من العادات التقليدية المرتبطة بالزفاف والتمهيد له في إيران، خلال هذه المناسبة، تقوم العائلات بتحضير "خوانجه" التي تضم أطباق خاصة بليلة يلدا، إلى جانب المقبلات والفواكه والحلويات والهدايا المميزة، وتُقدَّم هذه الخوانجه عادةً للبنات حديثات الزواج أو للفتاة المخطوبة التي ما زالت تقيم في بيت والدها.
رغم أن التضخم وارتفاع الأسعار في إيران خلال السنوات الأخيرة قد تركا أثراً عميقاً على السياحة والحياة الليلية وحتى على طقوس ليلة السبت، فإن عدداً متزايداً من العائلات باتت تحتفل بليلة "يلدا" بشكل منفرد وتحت ضغوط مالية خانقة، وهكذا تتحول هذه المناسبات، التي يفترض أن تعزز روح التضامن والانتماء الاجتماعي، إلى مرآة تكشف في كل عام حجم العتمة التي خيّمت على الاقتصاد.