'اضطراب التعليم يهدد الاستقرار النفسي للأطفال في إقليم كردستان'

أكدت المعالجة النفسية لاوين كورده توفيق أن طلاب إقليم كردستان يعانون من اضطرابات نفسية متزايدة نتيجة الإضرابات التعليمية والأزمة الاقتصادية، داعيةً إلى دعم نفسي منهجي وتوعية مجتمعية لحماية الأطفال وتعزيز بيئة تعليمية مستقرة.

هيلين أحمد

السليمانية ـ تُعد المقاطعة شكلاً من أشكال النضال المدني السلمي، يتبناه المواطنون للضغط على السلطات من أجل استعادة حقوقهم المشروعة، خاصة عندما تتقاعس تلك السلطات عن أداء واجباتها أو تنتهك القوانين، في هذا السياق تُستخدم المقاطعة كوسيلة حضارية خالية من العنف، تعبّر عن وعي مجتمعي وتسهم في تطور الحراك المدني ومواجهة الظلم والانتهاكات.

في إقليم كردستان وعلى مدار أكثر من عقد من الزمن، لجأ المعلمون والموظفون وبعض أصحاب المهن إلى المقاطعة للمطالبة بحقوقهم الأساسية، وعلى رأسها صرف الرواتب، إلا أن هذه الخطوة رغم مشروعيتها خلّفت آثاراً سلبية عميقة على العملية التعليمية، حيث حُرم العديد من الطلاب من تلقي تعليمهم بشكل منتظم، مما أدى إلى تراجع مستواهم العلمي، وتلاشي طموحاتهم، وخلق حالة من الإحباط والاضطراب النفسي لديهم.

كما أن استمرار المقاطعات وغياب الدعم الحكومي أثّرا سلباً على جودة التعليم، وأضعفا دافعية الطلاب نحو الدراسة، بل إن بعضهم لم يعد يلتزم بالقوانين التعليمية، هذه الأزمة النفسية والتعليمية التي يعاني منها الطلاب تُعد نتيجة مباشرة لسياسات ممنهجة، تُهدد مستقبل الأجيال وتُضعف البنية التربوية في المجتمع، مما يستدعي حلولاً جذرية توازن بين حقوق الكوادر التعليمية وحق الطلاب في بيئة تعليمية مستقرة.

 

"الأزمة النفسية للطلاب في إقليم كردستان نتيجة اضطراب القطاع التربوي"

أوضحت المعالجة النفسية لاوين كورده توفيق أن السياسات المتبعة من قبل حكومة إقليم كردستان في قطاع التربية والتعليم خلقت حالة من عدم الاستقرار النفسي لدى الطلاب، نتيجة تراكمات استمرت لأكثر من 11 عاماً، فقد أدى التدهور الاقتصادي إلى إضرابات متكررة للمعلمين خاصة في التعليم العالي مما انعكس سلباً على الصحة النفسية للأطفال.

وأشارت إلى أن هذا الوضع غير المستقر جعل الطلاب يعيشون حالة من التردد والارتباك، بين استمرار الدراسة أو توقفها، مما أضعف من حماسهم للتعليم، وقلل من التزامهم بالقوانين المدرسية، كما أن الانقطاع المتكرر عن الدراسة جعل العملية التعليمية غير منتظمة، حيث لا يتلقى الطلاب سوى بضعة أشهر من التعليم سنوياً، ما أدى إلى خلل في التحصيل العلمي، وانعكاسات نفسية خطيرة.

وبيّنت أن هذه الأزمة النفسية دفعت الأطفال إلى الابتعاد عن النظام المدرسي، واتخاذ قرارات فردية خارجة عن الإطار التربوي، مثل رفض الالتزام بالقوانين أو اختيار مسارات مستقلة، كما أن وسائل الإعلام من خلال تغطيتها المستمرة للإضرابات، ساهمت في إضعاف رغبة الأطفال في التعليم، وخلقت صورة سلبية عن المدرسة، حتى بات بعض الطلاب ينظرون إليها كمكان خانق أو يشبه السجن.

وأضافت أن الطفل حين ينقطع عن الدراسة، يلجأ إلى الألعاب الإلكترونية، وعندما يعود فجأة إلى المدرسة، يتلقى ضغطاً من الأسرة للتركيز على الدراسة، مما يزيد من شعوره بالحرمان ويعزز النفور من التعليم، مؤكدةً أن هذه الحالة النفسية إلى جانب الإضرابات المتكررة، تُعد من الأسباب الرئيسية وراء ضعف قطاع التربية والتعليم في الإقليم، وتستدعي معالجة منهجية عاجلة للحفاظ على مستقبل الأجيال.

 

الضغوط النفسية بين اضطراب التعليم وتأثير الإعلام

وأكدت لاوين كورده توفيق على أن طلاب المرحلة الابتدائية في إقليم كردستان يواجهون تحديات نفسية متزايدة، خاصة في بداية مشوارهم الدراسي، فالتجربة التعليمية الأولى غالباً ما تكون مصحوبة بقلق وضغط نفسي، يتفاقم بسبب الانقطاعات المتكررة في الدراسة نتيجة الإضرابات، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار النفسي لدى الأطفال.

وأوضحت أن هذا الاضطراب ينعكس على شعور الأطفال بالحرية داخل المدرسة، حيث يبدأ بعضهم في النظر إلى المدرسة كأنها مكان مغلق أو حتى سجن، مما يحدّ من قدرتهم على التفاعل والانخراط في العملية التعليمية. كما أن هذا الشعور قد يدفعهم إلى البحث عن بدائل خارج الإطار المدرسي، ويؤسس لنمط من السلوكيات الفردية غير المنضبطة.

وبيّنت أن وسائل التواصل الافتراضي تلعب دوراً سلبياً في هذا السياق، إذ يقوم بعض أولياء الأمور بنشر صور ومقاطع من أول يوم دراسي لأطفالهم، وغالباً ما تكون هذه المنشورات مصحوبة بتعليقات ساخرة أو مبالغ فيها، مما يضعف من ثقة الطفل بنفسه، ويجعله عرضة للتنمر أو السخرية من قبل أقرانه.

ولفتت إلى أن هذه الممارسات قد تترك آثاراً نفسية طويلة الأمد، خاصة إذا تم أرشفتها وتداولها لاحقاً، مما يعمّق شعور الطفل بالرفض أو الإحراج، كما أن الطفل الذي يُصوَّر وهو يبكي أو يُعامل بطريقة غير لائقة في أول يوم دراسي، قد يربط تجربته التعليمية الأولى بمشاعر سلبية، تؤثر على علاقته بالمدرسة مستقبلاً.

وشددت على أهمية الوعي الأسري والمجتمعي في حماية الصحة النفسية للأطفال، خاصة في المراحل الدراسية الأولى، داعيةً إلى التعامل مع تجربة الطفل التعليمية الأولى بحساسية واحترام، بعيداً عن الاستهزاء أو التهويل الإعلامي.

 

ضرورة حماية الصحة النفسية للأطفال

وسلطت لاوين كورده توفيق الضوء على الأزمة الاقتصادية المستمرة، إلى جانب الإضرابات المتكررة في قطاع التعليم التي باتت تؤثر بشكل مباشر على الحالة النفسية للطلاب، وتغلق أمامهم آفاق مستقبلية واضحة، وأن هذه الظروف خلقت قناعة سلبية لدى بعض الأطفال، حيث نسمعهم يقولون "حتى لو درست جيداً، لا مستقبل ينتظرني في هذا البلد"، وهي عبارات مستمدة من البيئة الاجتماعية والعائلية المحبطة.

وأكدت أن الأطفال يتمتعون بنفسية نقية وسريعة التأثر، لذا من الضروري ألا تُحمّل الطفولة تبعات الواقع القاسي، بل يجب العمل على معالجة التراكمات النفسية التي تنشأ لديهم، وتوعيتهم بأن المدرسة ليست سجناً، بل فضاءً للتعلم والنمو، كما يجب تطبيق القوانين المدرسية بأسلوب تربوي، وتقديم المعلومات حول أهمية التعليم، إلى جانب دعمهم نفسياً وتهدئة مخاوفهم.

وأشارت إلى أن استمرار الأزمات الاقتصادية وتأثير الإضرابات قد يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية للأطفال، ويخلق لديهم نفوراً من المدرسة، مما يدفعهم إلى عدم الالتزام بالأنشطة والواجبات التعليمية، رغم اقتراب نهاية العام الدراسي.

ولتجاوز هذه التحديات، دعت لاوين كورده توفيق إلى استخدام وسائل فعالة مثل إنتاج مقاطع فيديو تعليمية قصيرة تُحفّز الأطفال على حب المدرسة والدروس، وتُعيد بناء علاقتهم الإيجابية مع التعليم. فهذه الأساليب تساهم في حماية الصحة النفسية للأطفال وتعزيز ارتباطهم بالمدرسة بشكل صحي وبنّاء، وتُمهّد الطريق نحو بيئة تعليمية أكثر استقراراً وإنسانية.