ولاء شبلاق توثق بالرسم ما تبقى من ملامح البلدة القديمة بغزة
"مسار" مشروع عمارة محكية توثق المهندسة ولاء شبلاق من خلال الرسم المباني الأثرية في البلدة القديمة بمدينة غزة للتوعية بقيمة تلك المباني كشاهد تاريخي.
رفيف اسليم
غزة ـ تتجول ولاء شبلاق في أحياء البلدة القديمة التي باتت تحفظ تفاصيلها عن ظهر قلب، لتقرر خلال مسارها أي الأماكن التي ستقوم بتوثيقها عبر الرسم على الورق، كي تكون ضمن مجموعة المباني المحفوظة في كتيب يمثل خلاصة مشروعها البحثي الهادف إلى ربط الإنسان بمدينته والبحث عما تبقى من الآثار في المعالم القديمة.
لترعرعها في أحد البيوت القديمة حيث البحرة والليوان والساحة الواسعة التي يجتمع بها أفراد العائلة حتى اليوم في مناسباتهم بالرغم من التطور المعماري الحديث، بقيت ولاء شبلاق البالغة من العمر 27 عاماً، مرتبطة بتلك التفاصيل والأماكن الأثرية القديمة، شاعرةً بالمسؤولية تجاه ما يحدث لها من تعديات.
تقول ولاء شبلاق أنه ينتابها شعور بالأمان وهي تتجول في زقاق البلدة القديم وكأنه يحتضنها ويحميها من المخاطر، ذلك الشعور الذي لم تجده يوماً في الشوارع الفارهة والمباني المعمارية الحديثة، وهذا ما دفعها أن تجمع بين الشغف والفضول والحب لتبدأ مشروعها الفني "مسار".
وإذا ما رجعنا للسبب الأساسي الذي دفع ولاء شبلاق للعمل على مشروع مسار، توضح أن التناقض الذي باتت تشهده تلك المنطقة مؤخراً هو ما استفزها كي توصل رسالة للناس أن البلدة لم تعد تحمل شيء من اسمها، فأصبح الهدم أمر عادي وتحولت مبانيها إلى مبان عصرية غيرت من طابع المكان وهويته شيئاً فشيء، الأمر الذي يدفع الجهات المسؤولة والشباب/ات وكل من له القدرة على التحرك للحفاظ على ما تبقى.
فعلى صعيدها قامت بالتجول في أحياء البلدة القديمة مقررة أن ترسم غالبية الأماكن الأثرية وتصورعبر الهاتف عدد آخر منها لتجمعها في ألبوم خاص، فبدأت من المسجد العمري متنقلة للبيوت القديمة والحمامات والأسبطة والقصور والكنائس وكل ما له علاقة بالحقب الزمنية المختلفة التي توالت على قطاع غزة تاركةً ورائها أثر.
وقد ساعدتها دراستها للهندسة المعمارية بحسب ما أفادت ولاء شبلاق، إلى الربط ما بين المحاضرات التي تتلقاها في الجامعة وما هو متاح على أرض الواقع، لتستطيع فهم أن ما يقع أمام ناظرها هو نتاج عمل عفوي بين المدينة والإنسان، الذي يعبر عن الأصالة التي تعيد بناء الشخص مجدداً من خلال البساطة والشعور بالمسؤولية تجاه المدينة.
ولفتت إلى أن المشروع عبارة عن نتاج منحة عملت عليها خلال الأشهر الماضية مقدمة من محترف شبابيك ودائرة الفنون البصرية المعاصرة في الاتحاد العام للمراكز الثقافية، وتم عرض 4 من مخرجاته في معرض محلي، فيما تخطط خلال الأيام المقبلة بعمل عرض خاص يجمع بعض اللوحات التي قامت برسمها مؤخراً.
فيبلغ مجموع ما قامت ولاء شبلاق برسمه حتى اليوم 30 مشهد لعدة مباني أثرية، بحسب ما أفادت مستثنية المعالم المعروفة التي يرتادها الناس بشكل يومي، ومركزة على بعض التفاصيل التي من الممكن أن تصبح طي النسيان إن لم يلتفت إليها أحد خلال الأيام المقبلة، تحديداً البيوت الأثرية القديمة التي تعتبر ذات ملكية خاصة.
وتنوي ولاء شبلاق خلال الأيام القادمة إنشاء محتوى مرئي عبر مواقع التواصل الاجتماعي إضافة لتنظيم مسار شبابي يستهدف خلاله طلبة الجامعات والخريجين للقيام بجولة والتعريف بتلك المباني وقصة كل منها على حدي، للعمل على اختراق الوعي وبناء جيل يستطيع الحفاظ على تراثه المعماري بحب وقوة من التغيرات سواء البيئة أو السطوة البشرية التي تعصف بها.
وأشارت إلى أن أكثر ما شكل عائق لها خلال عملها هو رفض بعض سكان المنطقة تواجد الباحثين، فتارة يرمقوا المارة بنظرات غريبة، وتارة أخرى يخترعون القصص والأقاويل العارية عن الصحة، بهدف إخافة كل من يقترب، كالترويج لأحد المنازل بأنه بيت الجن بالرغم من وجود آثار لحياة داخله كالسجاد المنشور على الحائط والكراسي البلاستيكية.
وأوضحت أن جميع تلك الممارسات تتم لأن أهل المنطقة يعرفون بعضهم البعض ولا يريدون الغرباء أن يشاركوهم في تلك البيوت، بعد مرور جميع تلك السنين التي اعتادوا خلالها أن يكونوا وحدهم بالمكان.
وعلى الصعيد الفني كان لعدم توافر المواد الخام آثار سلبية على عملها بسبب اضطرارها لشراء الحبر الموجود في الأسواق، والذي قد لا يبقى ثابتاً لفترة زمنية طويلة بالتالي تضطر لإعادة رسم المشهد الواحد عدة مرات مستهلكة الكثير من الوقت والجهد.
وتبين ولاء شبلاق أنه من المهم عمل النساء خاصةً على المشاريع المتعلقة بحفظ التراث كونهن لديهن المساحة الكافية لاستيعاب عفوية الأشياء والتدقيق بجمالها، على عكس الرجل الذي قد يراها مجرد حجارة عاف عليها الزمان، ولهذا غالبية ساكني البيوت القديمة من النساء اللواتي رفضن الخروج منها والسكن بالمدينة حيث الراحة التقنية والمعمارية.
وأشارت إلى أن بعض المنازل المهجورة من الممكن أن يتم الاستفادة منها بدلاً من إغلاقها كاستخدامها لتعليم النساء حرفة ما، أو ممارسة بعض الهوايات، أو إنتاج المشغولات اليدوية، وإقامة المعارض التي ستشكل مصدر دخل لتلك النساء ولصاحب البيت، إضافة لإحياء التراث المادي والشعبي المتمثل بالأهازيج والدبكة والطعام وغيرها.