تجمع بين الحداثة والتراث في صناعة الملابس التقليدية

نجحت مريم بربيري في صناعة وتصميم الملابس العصرية التي تعبر عن الهوية التونسية والموروث الثقافي من خلال تحويلها من ملابس تقليدية يتم ارتدائها في المناسبات إلى ملابس يومية.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ تشتهر تونس التي تعاقبت عليها حضارات مختلفة مثل الأمازيغية والقرطاجية والاندلسية بموروث متنوع من الأزياء التقليدية يختلف من مدينة إلى أخرى، ولاقت هذه الأزياء قبولاً لدى السكان لأنها تجمع بين الأصالة والحداثة.

نشأت مريم بريبري في قرية بمدينة صفاقس وسط عائلة تمارس حرفة صنع الملابس التقليدية، وتأثرت بشخصية والدها الذي كان يعمل في الخياطة والتطريز، ووالدتها التي كانت تعمل في صناعة البرنوس وهو لباس تقليدي تونسي، إلى أن تشكلت بداخلها شخصية قوية رافضة للمسلمات.

وكان لكنيتها "بريبري" عاملاً إضافياً يربطها بالأصل والجذور التاريخية فجاءت فكرة تحويل اللباس التقليدي من لباس مناسباتي إلى لباس يومي يرتديه الشباب والشابات في الجامعات والرحلات والسهرات وأصبحت ملابس "بريبري" معروفة داخل تونس وخارجها. 

وحول هذا الموضوع قالت مريم بريبري أنها بدأت منذ عام 2015 في العمل على الموروث الثقافي التونسي الأمازيغي والأفريقي، وحاولت من خلال ذلك أن تثمن في تصاميمها الرموز والأشكال التي يتم نسجها في المرقوم والزربية والكليم والحلي للتعبير عن هذا الموروث.

وأشارت إلى أنها كانت في صراع دائم ضد الماركات الأجنبية ودخول ملابس لا تشبه ثقافة البلاد "لم أكن راضية عن هذه الملابس وعما يتم إنتاجه، لذلك عملت على تصاميم خاصة بالموروث التونسي في سبيل الدفاع عن الهوية الأمازيغية والأفريقية وليست فقط التونسية".

وأوضحت أنها انطلقت في إعداد ملابس "بريبري" بأبسط الأشياء كالقشابية المستوحاة من ملابس الرعاة في تونس وفي الشمال الأفريقي ولباس الفلاحين، فكان بالنسبة لها تحد كبير بأن تصبح تصاميمها جزءاً من هوية البلاد "في الحقيقة نجحت الفكرة وأنا في طور المغامرة بمعنى أني لم أكن أتصور أنه بعد تسع سنوات سيكون هذا هو مكان عملي".

وعن السبب وراء اختيارها هذا المجال والرسالة التي تريد إيصالها قالت مريم بريبري "بعد أن أصبح ارتداء الملابس التقليدية في المناسبات فقط حاولت العمل على تحويله إلى ملابس عصرية يتم ارتداؤه كل يوم في الدراسة والعمل وأن يكون لباساً يومياً ومستوحى من الموروث الثقافي التقليدي ويساهم في تغيير فكرة الناس عن الموضة"، مضيفةً أن الملابس التي تقوم بتصميمها لاقى إقبال "في الحقيقة وصلنا إلى إقبال جيد نوعاً ما وعلى الرغم من مرور تسعة سنوات على دخولي هذا المجال، إلا أنني أعتبر نفسي لازلت في الخطوات الأولى".

وأشارت إلى أنه ليس من السهل في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد المجازفة والعمل في على تصاميم تجمع بين الأناقة والحفاظ على التراث الشعبي "هناك بعض الصعوبات المرتبطة بالوضع العام الذي تعيشه البلاد وقد تكون مرتبطة بسياسات الدولة أو مرتبطة بالسياق التاريخي للبلاد".

وأكدت أنه لو "تأملنا في الوضع الاقتصادي اليوم في تونس فإننا سنجد أشكالاً في قطاع النسيج وهذا الأشكال مرتبطة بسياسات البلاد التي لم تقم بتثمين طرق التطريز والأشكال والرموز حيث أصبحت الحرفيات اليوم غير قادرات على العمل وتطوير عملهن وكذلك نساجات المرقوم والكليم والزربية ونساجي النول والمنسج وهو جزء من هوية البلاد يتم من خلاله نسج القماش القطني أو الحريري، لكن للأسف سياسات البلاد الثقافية ذهبت في أتجاه طمس الموروث الثقافي".

وحول الصعوبات التي تتمثل في غزو الماركات الأجنبية والملابس الأجنبية للسوق التونسي خاصة المنتوجات التركية والصينية، قالت إن الاتفاقيات الدولية التي امضتها تونس منذ التسعينات ساهمت في شد الخناق على الحرفيات والحرفيين بينما من الأجدر أن تضع السياسات الثقافية والسياحية في تونس في اعتبارها أن الموروث الثقافي يجب أن يكون أولوية اليوم والدولة يجب أن تساهم في تطويرها.

وفي ختام حديثها أكدت أن الرموز والوشم كلها أشكال تروي حكايات جاءت من القبيلة أو القرية وهي تعبير عن الهوية والوضع الاجتماعي إذ من خلال الملية والحزام مثلا تستطيع أن تعرف المرأة من أي جهة؟ وهل المرأة متزوجة أو مطلقة أو أرملة؟