تانيا صالح تنقل واقع المرأة المطلقة في ألبومها "10 م "

بقصصٍ ترجمتها من حياتها الشخصية وأخرى استوحتها من نساء حولها، وُلد ألبوم "10 م" عشر سنوات مطلقة للفنانة اللبنانية تانيا صالح

كارولين بزي
بيروت ـ .
كتبت تانيا صالح أغنيات ألبومها في عالم عربي يفتقر لفنانة تكتب كلمات أغنياتها، لأن أغلب الرجال يخافون من أن تحل المرأة مكانهم في هذا المجال، وتعتبر تانيا أن "المرأة هي أصدق شخص يمكن أن يترجم مشاعره وأحاسيسه".
"10 م" هو مزيج بين البكاء والضحك، بين الحب والبحث عنه وصولاً إلى الأمان، ولكن القسوة التي تواجهها المرأة في هذا المجال لا تغيب عن العمل.
 
"أنا امرأة مستقلة لا سعيدة ولا حزينة"
بصفاء صوتها الذي ظهر جلياً بين الموسيقى الإلكترونية الممزوجة بالكلاسيكية، تقول تانيا صالح لوكالتنا وكالة أنباء المرأة "أرغب منذ فترة طويلة أن أتحدث عن موضوع الطلاق، ولكن تطلب ذلك وقتاً طويلاً حتى استيقظت من الصدمة. الصعوبة كانت في أول سنتين من الطلاق وحاولت في تلك الفترة أن أتجنب إظهار صعوبة الأمر عليّ ولاسيما لأولادي. وبعدما تخلصت من تلك الحالة، حاولت حينها أن أستعيد قوتي ولم أفكر بتأليف أغنيات وإصدار ألبوم".
وتابعت "بدأت أشعر بالتعب بعدما كبر أولادي وبدأت أشعر أنهم سيرحلون عني وسأبقى لوحدي، ثم بدأت أتطلع إلى نفسي وما الذي تمنحني إياه الحياة من خيارات وماذا يحصل مع نساء عشن تجربتي، من قصة إلى قصة حاولت أن أجمع عشرات القصص التي تتناول وجهة نظري بالحياة. وهي وجهة نظر إنسانة مستقلة ولكنها ليست سعيدة ولا حزينة وتعيش مستقبل مجهول خاصة في بلد مثل لبنان، الذي يفتقر للضمان الاجتماعي وضمان الشيخوخة..". وتتابع "وجدت أنه من الضروري أن أعبّر عن هذا الموضوع بما أنني لست ممن يعبّر عنه من خلال التظاهرات أو الانتساب إلى الجمعيات النسوية".
في أغنية "بكره" عبّرت تانيا صالح عن مشاعر كل فرد منا وما يمكن أن يكرهه في الحياة، مثل روائح أدوات التنظيف أو مظاهر النفايات الموجودة في الشوارع، أو تحديد الألوان مثل الأزرق للفتيان والزهري للفتيات، ولم تنس الموسيقى التي تُذاع على الراديو، وتعلق على هذا تحديداً "لا تعجبني كل أنواع الموسيقى التي تُذاع على الراديوهات، وذلك لعدم تنوعها، فمنها من يذيع الموسيقى القديمة فقط وأخرى الموسيقى الجديدة حصراً، أو إذاعة أغنيات أجنبية فقط وأخرى عربية فقط. وبالتالي نحن المستمعون لا يوجد لدينا إذاعة نستطيع أن نستمع فيها إلى ما نريد".
وتتطرق تانيا صالح في حديثها إلى أمور أخرى تزعجها مثل أساليب الأغنياء في الآونة الأخيرة وعدم إظهارهم التعاطف مع أناس لا يستطيعون تأمين لقمة عيشهم، وغيرها من مواضيع شائعة في لبنان مثل تعبيد الطرقات المتكرر ولكن بالنتيجة ومن خلال أغنية "بكره" تؤكد أنها تحب الحياة.
 
"المروحة" تروي قصة نساء تجاوزن الخمسين
أما أقسى أغنيات الألبوم فهي "المروحة" والتي تتناول قصة المرأة بسن الخمسين، وهو السن الذي يجب فيه تقدير المرأة، يتم استبعادها من حياة الرجل الذي من سنها لأنه يبحث عن فتاة عشرينية، أو يمكن أن تكون من نصيب رجل كبير في السن لتعيش معه كممرضة.
تنقل أغنية "حالتنا حالة" الواقع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه في لبنان، وتقول تانيا صالح "كتبت المقطع الأساسي من "حالتنا حالة" عندما تزوجت، إذ كنا نعيش ضائقة مادية وبدأت تتدهور العلاقة بيننا بسبب الحالة الاقتصادية لأن أحدنا لم يكن يعمل بمهنة ثابتة، ولدينا أولاد وكان الوضع صعباً جداً. ولكن بعد انتشار وباء كورونا أكملت الأغنية ووجدت أنه الوقت المناسب لإصدارها لأنها تعكس الوضع الذي نعيشه في لبنان".
في أغنية "ما عم فكر إلا فيك" تصور تانيا صالح خروج المرأة من علاقة مدمرة، تحتاج وقتاً للتفكير إن كان بإمكانها أن تقع في الحب ثانيةً، وعندما تجد ذلك الحب تتمسك به خوفاً من فقدانه لأنها لا تملك المزيد من الطاقة لاستهلاكها على حب جديد، وتشير إلى أن "الأمر لا يتعلق بالسن ولكنني كتبت تجربتي". 
فضّلت في "أحلى قصة غرام" أن تعتمد الحب الصامت الذي يبقى في مخيلتنا ولا نفصح عنه، ويبقى قصة نصورها وفق إرادتنا وأهوائنا.
 
"المرأة تهتم بالأبراج ونحن بحاجة للعودة إلى الطبيعة"
اعتاد اللبنانيون أن يتابعوا علماء الفلك و"البصارات" ولاسيما في ظل تردي الأوضاع، ولكن لدى تانيا صالح في أغنية "بصّارة برّاجة" وجهة نظر إضافية، تشير من خلالها إلى أن الأغنية تترجم واقعاً حقيقياً، إذ نحن كنساء نركز كثيراً على برج الشخص الذي نتواصل معه حتى لو لم نكن نؤمن بالأبراج. أعتقد أن أغلب النساء عندما يجلسن معاً يسألن عن الأبراج والأغنية، "بالنسبة إلي أسأل كل شخص ألتقي به عن برجه وأضعه ضمن قائمة الأبراج وإن كانت صفات برجه تناسبه، علم الفلك موجود وأعتقد أنه يؤثر على شخصية كل فرد منا".
تصور أغنية "المغارة" عالمين مختلفين يترجمهما شخصان، شخص يعيش حياة الطبيعة والبرية وشخص آخر يحب حياة التكنولوجيا، وتلفت إلى أننا "بحاجة مع انتشار وباء كورونا لأن نلجأ إلى الطبيعة لأننا أصبحنا مدمنون على الانترنت والتلفون". 
وفي سياق آخر، تقول الأغنية "بتتخبى بمغارة كلما هب الهوا" أي يأتي معنى الأغنية أنه هروب من المواجهة، وتعتبر تانيا صالح بأن "الرجل يهرب دائماً من الاعتراف بمشاعره".
 
"الرجل لا يتقبل رأي المرأة حتى لو كان صائباً"
يتضمن الألبوم المؤلف من عشر أغنيات، أغنية واحدة باللهجة المصرية علماً أن باقي الأغنيات باللهجة اللبنانية. "انت رايح فين" هي الأغنية المصرية التي تركز على رفض الرجل لوجهة نظر المرأة حتى لو كانت تملك خبرةً أكثر منه. وتروي في الأغنية قصة عازف موسيقي رفض تعليمات الفنانة التي كتبت أغنيتها ولحنتها وقرر اعتماد وجهة نظره بغض النظر عن صواب الأمر، لأنه لا يتقبل رأيها. ومن نقطة أخرى الأغنية يمكن أن تنقل صورة الشخص المتشبث برأيه، وحتى يمكن أن يكون السؤال موجه "أنت رايح فين" لرئيس الجمهورية بمعنى إلى أين تأخذ البلاد؟ أو سياسي أو زوج أو أي شخص آخر، فالأغنية تحمل أكثر من معنى. 
فيما يتعلق بأغنية "قرنة بقلبك" أي زاوية بقلبك، فهي تتحدث عن محاولة المرأة إيجاد تبريرات للحبيب الذي تتنازل من أجله لتبقى معه وتحصل حتى ولو على زاوية صغيرة من قلبه أو إطلالة على البحر، ولكن في هذه الأغنية "تضحك فيها المرأة على نفسها وتبكي في الوقت نفسه. وأعتقد أن الألبوم بأكمله يصوّر المرأة تضحك وتبكي على نفسها". 
على الرغم من أن الموسيقى الكلاسيكية تطغى على الألبوم ولكن استعانت تانيا صالح بالموسيقى الإلكترونية ونسقتها مع أربع آلات شرقية حقيقية أخرى وابتكرت موسيقى مميزة يسيطر عليها الهدوء ولكن أيضاً هي موسيقى معاصرة. 
كتبت تانيا صالح الأغنيات ولحنت الألبوم وتعاونت مع الدكتور ادوارد توريكياني في التوزيع وهي المرة الأولى التي تفكر فيها بالتوزيع خلال تأليف الأغنيات، وفيما يتعلق بتوزيع الموسيقى الإلكترونية فتعاونت مع موزع نرويجي.
 
"المرأة أكثر صدقاً بترجمة مشاعرها في أغنية"
كما أنها من القلائل الذين يكتبون أغنياتهم وتعلق على ذلك بالقول "أنا مصّرة على كتابة أغنياتي لأن هذا الذي يعطيني شخصيةً لا تشبه الآخرين، وفي الوقت نفسه يكون الكلام أكثر صدقاً، عندما تكتب المرأة عن مشاعرها من أن يكتب رجل. قلة من الرجال الذين كتبوا للمرأة وكانوا مقنعين".
وتعتبر تانيا صالح بأن المجتمع لا يتقبل أن تؤلف المرأة أغنياتها، لأن الرجل يخاف من وجود المرأة في هذا المجال خوفاً من أن تحلّ محله.
خصّت تانيا صالح ألبومها الجديد برسومات قامت برسمها لتترجم فيها كل أغنية، أما غلاف الألبوم فرسمت نفسها وأمامها عشرة شمعات لم تشعلها بل تقوم بتعدادها، وتقول "هذه الشمعات دليل على الفترة الزمنية التي مرت على طلاقي ولكنها ليست احتفالاً وليست تعبيراً عن الحزن. كما لا أريد لأحد أن يعتبرني ضعيفة ولا يعتبرني قوية جداً أنا إنسانة عادية هناك لحظات ضعف وقوة". 
يمنح الألبوم المرأة الأمل بأن تحب دائماً حتى لو كانت مطلقة، وتضيف "الحب هو الذي جعلني أؤلف هذا الألبوم، كما أنني حوّلت الطاقة السلبية إلى إيجابية من خلاله، ويمكنني أن أعبّر عن الحب وعن عمقه لأنني مررت بهذه الحالة شخصياً". 
 
"لا أعتمد الموضة"
عندما نتحدث عن الموسيقى الإلكترونية يتبادر إلى أذهاننا الموسيقى الصاخبة ولكن مع ألبوم "10 م" نشعر بالصفاء، تقول تانيا صالح "هناك أنواع للموسيقا الكترونية وعلى الفنان أن يعرف ما الذي يريده، لأن أغلب ما يتجه إليه جيل الشباب من الفنانين هو من نوع الموسيقى الصاخبة، لذلك بحثت كثيراً عن فنان أتعاون معه لتأليف موسيقى إلكترونية بعيدة عن الصخب والضجيج. تغلب على أغنيات الألبوم الموسيقى الإلكترونية ولكنها ليست ضجيجاً، بل الموسيقى الإلكترونية هنا تتعايش مع الآلات الشرقية وتبرزها لا تدمرها، مواكبة التطور لا تعني أن نقدم موسيقى مزعجة، أنا موسيقية وهذا النوع من الموسيقى ترفضه أذني".
تانيا صالح الفنانة المستقلة التي تقدم كل فن مقتنعة به، تعتبر أن الموضة في الوقت الحالي إن كان على صعيد الموسيقى أو حتى موضة الملابس تتجه من الجمال إلى القبح، وتؤكد بأنها تختار دائماً ما يليق بها في كل شيء ولا تأبه لما تفرضه الموضة.