سعاد بلقزيز تجمع ما بين الماء والفن بمراكش

"معجزة الماء ـ مراكش مدينة البساتين المثالية" كتاب يسلط الضوء على التطور العمراني للمدينة الحمراء مراكش خلال القرون الماضية، ونظام تدبير الماء المتبع آنذاك.

رجاء خيرات

المغرب ـ جمعت المهندسة المعمارية المتخصصة في التراث سعاد بلقزيز، التي تعمل على وضع تصاميم لإعادة ترميم وتهيئة المدينة العتيقة بمراكش، حيث مكنها من الوقوف على تدبير المجال المائي في المدينة، في كتابها "معجزة الماء ـ مراكش مدينة البساتين المثالية"، ما بين الماء والفن.

عملها على إعادة تهيئة المدينة العتيقة وصيانتها منذ عام 2000، حفاظاً عليها من الاندثار، جعلها تقترب من مجال تدبير توزيع المياه وجلبها من جبال الأطلس الكبير للمدينة، وهي عملية معقدة تتطلب مهارات وخبرات عالية عملت عليها الدولة المرابطية قبل عشرة قرون، من خلال إنشاء "خطارات" وصهاريج ضخمة ووضع نظام "السقايات" التي كانت تتوسط الأحياء السكينة لتزويد سكان المدينة العتيقة بالماء.

تقول المهندسة المعمارية ورئيسة جمعية "تراث" سعاد بلقزيز "منذ أن أنشأ المرابطون مدينة مراكش قبل 1000 سنة تقريباً، كان نظام الماء وتدبيره حاضراً بقوة في المدينة، وهذا ما وقفت عليه وأنا أتابع وضع تصاميم ترميم وتهييئ المدينة العتيقة".

وأوضحت أن "تدبير الماء كان متطوراً وينم عن إنشاء حضارة كبيرة متعددة الأطراف والروافد، سواء في عهد السلطان يوسف بن تاشفين الذي استلهم كذلك طريقة تدبير المجال المائي من حضارة الشرق الإسلامي، أو بالنسبة لابنه علي بن يوسف الذي تأثر بالنموذج الأندلسي".

وأشارت إلى أن الدولة المرابطية وضعت في الاعتبار مجال تدبير المياه في كل الخطوات التي واكبت الإنشاء العمراني للمدينة، من خلال احترام العديد من التقنيات التي يتطلبها إنشاء المباني والعمران، مثل المنحدرات وإنشاء صهاريج ضخمة لتخزين المياه وتوزيعها بعد ذلك على الأحياء السكنية".

وعن كتابها "معجزة الماء ـ مراكش مدينة البساتين المثالية" تقول "كانت مراكش أرضاً قاحلة وتحولت بفضل هذا التدبير الهائل وجلب المياه من مسافات تبلغ حوالي الـ 40 كيلومتراً، إلى بساتين مزهرة ومناطق خضراء تنطق بالجمال، وهو ما يجعل الباحث في تاريخ المدينة يقف مدهوشاً أمام هذا التحول الذي لحقها، كما لو كانت بالفعل معجزة".

وأوضحت أنها أرادت تسلط الضوء من خلال كتابها على التطور العمراني للمدينة الحمراء خلال القرون الماضية وفي عهد الأسر الحاكمة المتعاقبة على المغرب، وسرد لمحة عن تطور المدينة فيما يتعلق بتدبير الماء الذي جعل من المدينة واحدة من منارات العالم.

ولفتت إلى أنه خلال تلك الحقبة من تاريخ المغرب، كان هناك ما يسمى بمحكمة "الماء"، كما أن المساجد هي التي كانت تعمل على توزيعه، منوهةً إلى أن الصهريج الضخم للماء لازال في مكانه إلى اليوم أسفل مسجد الكتبية، وكذلك في القبة المرابطية التي لازالت وسط المدينة العتيقة بحي بن يوسف.

وعن المدة التي استغرقها تأليف الكتاب الذي يتألف من 366 صفحة، توضح "لقد أخذ مني تأليف الكتاب حوالي الأربع سنوات من العمل والبحث، إن مدينة مراكش تعتبر واحدة من المدن الرائدة تاريخياً في مجال تدبير المياه ووضع نظام مائي بتقنيات متطورة، وهو ما جعلها اليوم تحتفي بهذه التجربة الغنية من خلال إنشاء متحف للماء عند مدخل المدينة".

وعن جمعية "تراث" تقول الباحثة إنها فكرت برفقة شخصين آخرين في إنشاء هذه الجمعية وذلك من أجل الحفاظ على التراث المادي واللامادي، من خلال التوعية بأهميته وضرورة الحفاظ عليه، مشيرةً إلى أن العديد من جوانب التراث الذي يتعلق بمدينة مراكش لازال مجهولاً بالنسبة لأهالي المدينة وغيرها من المدن، وهو ما دفعها للتفكير في التعريف به وبقيمته، مبرزة أهمية الماء وضرورة المحافظة عليه، خاصة في ظل هذا القلق المتزايد بشأن تقلص الموارد المائية وسوء تدبيرها.

ولفتت إلى أنه من أهداف الجمعية التي ترأسها إعادة الاعتبار للتراث المادي واللامادي والعمل على التوعية بقيمته التاريخية والثقافية، لكونه أحد أعمدة السياحة، مشيرةً إلى أنها بصدد التحضير لمعرض يبرز تصاميم المدينة العتيقة منذ القرن السادس عشر.