رموز الماضي في لوحات الحاضر... الفن أداة لحفظ الهوية والتراث

تُبرز أعمال الفنانتين الجزائريتين سهام كباس وسيرين عجيمي، مدى ارتباط الفنون التشكيلية بالتراث الجزائري والأمازيغي، مسلطتين الضوء على الأزياء التقليدية، الوشوم، والزخارف من خلال لوحاتهما.

رابعة خريص

الجزائر ـ تلعبُ المرأة في الجزائر دوراً مُهماً في الحفاظ على التُراث بشقيه المادي واللامادي لا سيما في ظل التحولات الاجتماعية التي باتت تعصفُ بالمُجتمع الجزائري، إذ يُمكن وصفها بـ "الحارس الأمين للتراث" الذي يُعتبر مرجع للهوية والذاكرة.

يُعد الفن التشكيلي أحد أهم وسائل الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية، حيث يُعبر عن روح المجتمع ورموزه العميقة من خلال الألوان والخطوط والتقنيات المختلفة، وتسعى الفنانات لتوثيق الموروث الثقافي ونقله للأجيال القادمة بأسلوب يجمع بين الأصالة والتكنولوجيا، مما يؤكد دور الفن في تعزيز الهوية وحمايتها في ظل العولمة والتغيرات الاجتماعية المتسارعة.

 

رموز الهوية الأمازيغية في الأعمال الفنية

تجلس سهام كباس بهدوء في ورشة للفنون التشكيلية المختصة بالتراث الأمازيغي الجزائري بولاية باتنة التي تعد من أكبر المُدن الجزائرية، تقعُ في منطقة الشرق الجزائري وتشتهرُ بقُصورها العتيقة مثل قُصُور مدوكال، كانت أناملها تداعب ريشتها الذهبية وألوانها، لترسم على سطح لوحاتها المرأة الأمازيغية بلباسها التقليدي الذي يُعتبرُ عنوان قبيلتها وهُويتها.

ويعرف اللباس الأمازيغي التقليدي الخاص بالنساء بـ "الملحفة" وباللغة الأمازيغية يدعى "املحفت نتشاوين" أو "اللحاف" وهو يُغطي جسد المرأة ليُدفئها في فصل الشتاء ويقيها من الحر في فصل الصيف، وهو نوعان، الأول خاص بالأعراس والمناسبات ويصمم من قماش ورد بارز نابض بالحيوية وعنوان للجمال، أما النوع الثاني فه خاص بالأيام العادية أسود اللون بالإضافة إلى مجموعة من الألوان (الأخضر، الأحمر، الأصفر).

واللافت أن سهام كباس احتفظت في لوحاتها بالجمال الأنثوي الأصلي للمرأة الأمازيغية التي تُغطي الوُشُوم أجزاء من جسدها وهي عبارة عن رُسومات حاملة لدلالات مُتعددة.

تعد سهام كباس من بين الفنانين المهتمين بالفن التشكيلي الذي يعكس الثقافة الأمازيغية، خاصة في ظل التراجع الذي شهده هذا التراث مع مرور الزمن وعدم منحه الأهمية اللازمة في ظل التحولات الاجتماعية وسيطرة التكنولوجيا.

 

دور الفن في تعزيز الهوية ونقلها للأجيال القادمة

وانطلاقاً من حُبها لتُراث لازال يخفقُ بروح الأجداد الذين رحلوا وتركوا خلفهم عادات وتقاليد تُجسدُ حضارة شعب وأصالته ارتأت صقلهُ على لوحاتها حفاظاً على الهُوية الوطنية في ظل التكنولوجيا والرقمنة المُتسارعة.

وأوضحت أنه "طوال مسيرتي كُنتُ أجسد الموروث الثقافي على سطح لوحاتي، بمعالجة تعبيرية للمرأة الأمازيغية عبر تاريخها القديم من خلالها لباسها والحُلي التقليدية التي تتزين بها والأدوات التي تستعملها في حياتها اليومية كالأواني الفخارية ونذكر على سبيل المثال الجرة التي لا تفارق يداها والزربية التقليدية".

ولفتت إلى أنها تسلط الضوء على الرموز الشاوية والأمازيغية، حيث أن لكل وشم دلالة ودراسة خاصة ترتبط بالسكان الأمازيغ وثقافتهم "بصفتنا فنانين تشكيليين، نحاول إحياء هذا التراث عبر أعمالنا الفنية وإعطائه قيمة تجمع بين التقليدية والمعاصرة، ونطمح إلى نشره في كافة الأرجاء".

وما يُميزُ لوحاتها وفائها للوُشوم الأمازيغية التي تُعتبرُ كوثيقة ثقافية وهوياتية وحتى الألوان التي تستعملها لها رمزية ومدلول خاص وأكثر ما تستخدمه اللون الأحمر والأسود والأصفر، مشيرةً إلى تمسكها بتوظيف "رمزية الألوان الأمازيغية للحفاظ على الموروث الثقافي الأمازيغي ورمزيته الحضارية الأمازيغية".

وعما ينبغي أن تقوم به المرأة خاصة لتعزيز فهم الأجيال القادمة للتراث الثقافي تقول "يجب على الفنانات الناشطات في فضاءات الفنون التشكيلية الترويج للموروث الجزائري في المعارض الدولية إلى جانب تنظيم ورشات وأنشطة ثقافية، وإعادة إحياء العادات والتقاليد عبر ورشات فنية للأطفال تساعدهم على التعرف على خصائص المنطقة وثقافتها وتقاليدها".

 

الموروث الثقافي بين الألوان والخطوط

سيرين عجيمي هي أيضاً واحدة من النساء الجزائريات الحافظات للثقافة والتراث الجزائري التقليدي، تُقدم لوحات تتميز بتجانس فن المنمنمات الإسلامية والفانتازيا الجزائرية والمعروفة أيضاً بـ "العلفة" و"التبوريدة" و"صحاب البارود" وهي أشبه بعروض عسكرية تُمارس في مختلف المناطق في جو بهيج تملأه أهازيج الاحتفالات.

وترى سيرين عجيمي وهي من مدينة سطيف، وخريجة مدرسة الفنون الجميلة، أن "الموروث الثقافي يشكّل النسيج الذي يربط الماضي بالحاضر، وهو أساس هويتنا الفنية والجمالية، إنه مزيج من الرموز والتقاليد والحكايات التي تعكس روح المجتمع الجزائري، وتندمج في الألوان والخطوط لتصبح أعمالاً تُحاكي الروح وتعبّر عن العواطف".

ولفتت إلى أن "المرأة الجزائرية تلعبُ دوراً مُزدوجاً في الحفاظ على الموروث الثقافي الذي هو عبارة عن نسيج يربطً بين الماضي والحاضر، لا سيما في ظل العولمة المُتسارعة والتأثيرات الثقافية العالمية المتزايدة".

وأوضحت سيرين عجيمي أن هناك عدة طرق للحفاظ على التُراث المادي واللامادي "الفن بالنسبة لي لا يعتبر وسيلة للتعبير فقط وإنما هي عبارة عن أداة للحفاظ على الهُوية الثقافية وإحيائها".

 

الفن التشكيلي جسر لنقل الثقافة في عصر الحداثة

وحول كيفية مساهمتها في الحفاظ على التراث تقول "أتبع عدة أساليب من أجل إعادة إحياء الرُموز التقليدية بأساليب عصرية، كما اعتمد على تقنية التوثيق البصري عبر اللوحات الفنية التي تخلد المشاهد والعادات والتقاليد وتحولها إلى قصص مرئية تستفيد منها الأجيال القادمة، كذلك، كانت الزخرفة تُستخدم لتأطير المنمنمات وهي فنون تطورت عبر الزمن وتكيفت مع التحولات الاجتماعية والتكنولوجية".

وبينت أنه لإحياء المنمنمات والزخرفة في العصر الحديث "يمكن اعتماد العديد من الأساليب التي تجمع بين الأصالة والتكنولوجيا، مثل دمج الزخارف التقليدية في التصميم المعاصر، سواء في الديكور الداخلي أو المنتجات الحديثة كالأزياء والأثاث، مما يساعد في الحفاظ على الهوية الثقافية".

كما يُعتبر التعليم الفني والتدريب وسيلة ضرورية لاستدامة هذه الفنون، وذلك عبر تنظيم ورشات عمل لتدريب الجيل الجديد على التقنيات التقليدية.

ولأن سيرين عجيمي ترى في الرسم طريقاً للحفاظ على التراث الثقافي في هذا البلد الضارب في عمق الحضارة والتاريخ، فهي تقترحُ "تنظيم ورشات لتدريب الجيل الجديد على التقنيات التقليدية مما يُساعد في استدامة هذه الفنون والمُشاركة في المعارض الفنية الفردية والجماعية".