قصة نجاح... السيناريو والإخراج يوظفان الحقيقة
يُعد عالم الإخراج السينمائي مرآة تعكس أوجه الحقيقة وتوظف الخيال في خدمة الواقع، وهذا ما كرسته المخرجة السورية انتصار هزيم، لكن بنمط مختلف يعبر عن فكر وإبداع المرأة.
نور الأحمد
الرقة ـ في عالم يختلط فيه الخيال بالواقع، وتُنسج فيه القصص من معاناة الشعوب وأحلام الأفراد، تبرز أسماء صنعت من الفن رسالة ومن السينما صوتاً للحقيقة، من بين تلك الأسماء المخرجة السورية انتصار هزيم، التي استطاعت أن تعبر الحدود الفكرية والمجتمعية، وتثبت أن للمرأة مكاناً ريادياً في صناعة السينما.
تُجسد تجربة انتصار هزيم نموذجاً ملهماً لتمكين المرأة في مجال السينما، حيث استطاعت أن تكسر الصورة النمطية السائدة بانخراطها في إعداد السيناريوهات والإخراج، لتصبح مدربة سينمائية على مستوى سوريا، ومن خلال أعمالها وظّفت أدوات الفن لتكون صوتاً للحق ومرآة للواقع.
جسدت واقع بلدها
بأقلام الحبر وتوظيف الحركات والإيماءات من الوجه والجسد، تمكنت انتصار هزيم ابنة مدينة حمص السورية، من تجسيد واقع بلدها وتداعياته على المجتمع والمرأة، وتصوير معاناتها التي كانت جزءاً منها، لتكون بذلك مصدر إلهام للنساء نحو الإبداع والتقدم.
عن خطواتها الأولى في عالم الفن السينمائي تقول "منذ صغري لدي ميول وشغف بقراءة القصص والروايات، إذ كان لدي وجهة نظر مختلفة فيما أراه، واكتشفت أنني أقرأ ما بين السطور، وفي العشرينات من عمري اكتشفت موهبتي، وبدأت مسيرتي الفنية بكتابة قصص قصيرة وإعداد سيناريوهات، وقدمت بعضها للمؤسسة العامة للسيناريوهات، وشاركت في العديد من المهرجانات الأدبية في دمشق عام 2022"، مشيرةً إلى أنه لاحقاً أصبح لديها ميول نحو كتابة والإخراج، بعد أن شجعها والدها للاستمرار وصقل مهاراتها.
وعن أبرز التحديات التي اعترضت طريقها، بينت انتصار هزيم أنها اصطدمت بعوائق كثيرة ناجمة عن العادات والتقاليد المجتمعية التي تنظر بريبة إلى طبيعة عملها، خاصة في مجال يهيمن عليه الرجال، ورغم صعوبة إثبات حضورها في هذا الوسط، فإنها لم ترضخ لتلك القيود، بل واجهتها بعزيمة حتى حققت حلمها.
وعن أعمالها السينمائية، لفتت إلى أنها أخرجت فيلمين قصيرين من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في دمشق، وهما "نوافذ مغلقة" و"بطعم الماء"، المندرجان ضمن سلسلة أفلام الواقع الراهن، حيث سلطت من خلالهما الضوء على تداعيات الأزمة السورية ومعاناة الشعب "شاركت بهذه الأعمال في عدد من المهرجانات الفنية، منها مهرجان خطوات السينمائي، ودار الأوبرا، ومهرجان مبدعي العرب الأوسكار في مصر، ونلت عنهم جوائز مرموقة، أبرزها جائزة أفضل إخراج عن فيلم "نوافذ مغلقة"، وجائزة أفضل سيناريو عن فيلم "بطعم الماء"، مشيرةً إلى أن توجهها في الكتابة يميل إلى علم النفس، والدراسات الإنسانية، وقضايا المرأة بمختلف مراحلها العمرية.
"السينما جزء مني وتمثلني"
وقالت "أحرص على انتقاء مواضيع متنوعة ومختلفة تلامس الواقع الحقيقي الذي نعيشه، لذلك، ركزت في معظم أعمالي على الأزمة السورية، والتي أطلقت عليها اسم (الواقع الراهن)، بهدف تسليط الضوء على التحديات التي تواجه المجتمع، رجالاً ونساءً، ومحاولة إيصال هذه القضايا إلى العالم بأسره".
وتعتبر انتصار هزيم أن المجال السينمائي جزء منها ويمثلها "علاقتي بالفن السينمائي وطيدة جداً، فكلانا نكمل بعضنا، لا يمكنني الابتعاد عنه، إلى جانب قراءة القصص والروايات، فإذا لم أفعل ذلك أشعر بنقص داخلي، فهي بالنسبة لي متعة وحياة تأخذني إلى عالمي الخاص".
وأوضحت أن مدة كتابة أي نص سيناريو تتراوح ما بين العام وأكثر "يحتاج إلى وقت طويل من التأني والتركيز، فكل فيلم سينمائي يحتاج إلى مدة معينة، وذلك بحسب عدد حلقاته"، لافتةً إلى أن للمجال السينمائي أهمية كبيرة في نقل الواقع والحقيقة، فهو ليس انعكاساً لما يعاش فقط، بل يضفي للحياة طابعاً فكرياً وثقافياً وروحاً وصورة جميلة "في أي نص سواء كان عملاً سينمائياً أو قصة، بحاجة أولاً إلى سيناريو خاص به، يشكل العمود الفقري له، ثم يأتي دور الإخراج الذي يضفي عليه أفكاراً وبالتالي منحه طابعاً ورونقاً مميزاً لتجسيده بشكل دقيق" لذا تقوم انتصار هزيم بتثقيف ذاتها أكثر بقراءة أكبر عدد من السيناريوهات ومشاهدة الأفلام السينمائية.
"محفز فكري نحو التغيير والتأثير الإيجابي"
وعن تجربتها في المجال السينمائي وكتابة السيناريو تقول "السينما ليست فقط وقتاً للاستمتاع، بل هي عامل محفز فكري نحو التغيير والتأثير الإيجابي على فكر وحياة الأفراد وتغيير المفاهيم الاجتماعية البالية، فكل فيلم يتحدث ويتناول قصة ما يمكن الاستفادة من عبرته".
تمكنت انتصار هزيم من تغيير نظرة المجتمع تجاه طبيعة مجالها وهوايتها في كتابة وإعداد السيناريو السينمائي "من خلال تجربتي في عالم الفن السينمائي استطعت تغيير هذه النظرة، كما أثرت وألهمت النساء من حولي، فعالم الفن السينمائي له تأثير عميق مهما كان نوع الفيلم أو فكرته، خاصة أن العديد من الأفلام تلامس واقع المرأة السورية التي نالت النصيب الأكبر من المعاناة التي خلفتها الأزمة السورية، سواء كانت أماً أو ابنة أو شابة، فتمكنت هذه الأفلام من أن تنطق بلسان كل امرأة لديها ما تقوله عن تجربتها".
وتطمح انتصار هزيم بالنهوض بالمجال السينمائي وكتابة السيناريو في سوريا عبر عملها كمدربة في هذا المجال "لاحظت الأهمية التي توليها الإدارة الذاتية للمجال الفني والمنصة الثقافية التي تمتلكها المنطقة، وهذا ما شجعني للقدوم إلى إقليم شمال وشرق سوريا وإعطاء تدريبات في المجال السينمائي".
واختتمت حديثها بالقول "أشجع كل من يمتلك موهبة في الكتابة والإعداد على اكتشافها لكيلا تبقى دفينة، بل يكتشفها وينميها ويعرف حقيقتها للنهوض بالمجال السينمائي، خاصة المرأة، فهي يمكنها التعبير عما بداخلها، فأينما وجد الفن وجدت المرأة".