'نكتب من أجل أن نعيش... نكتب لنحيا'

أكدت الشاعرة التونسية نائلة عبيد بأن الأدب يولد من رحم الأوجاع، وأن الكتابة متنفسها حين تتألم وتفرح. قائلةً "نكتب من أجل أن نعيش... نكتب لنحيا".

زهور المشرقي 
تونس ـ
هي من مدينة المكنين، بولاية المنستير بالساحل التونسي، ولدت الشاعرة نائلة عبيد في 18أيلول/سبتمبر 1965، هي أم لأربعة أبناء وجدة، كانت كاتبة عامة لاتحاد الكتاب سابقاً، وهي عضو حالياً فيه، بدأت حياتها المهنية كمعلمة ثم مساعدة بيداغوجية للغة الفرنسية، والآن تدير مدرسة ابتدائية بقلعة الكب، تحدثت لنا في حوار عن الشعر والكتابة والمرأة والتحرر.
كيف بدأتِ بكتابة الشعر، وماذا تعني لك الكتابة؟
لم يكن لدي هدف محدد من كتابة الشعر، كان في البدء هواية، ثم تحول إلى حب، ثم إلى طموح. كان لديّ منذ الصغر توق إلى التعبير، ولم أكن أعرف ماذا أريد تحديداً، لكن كانت هناك اشياء تعتمل في داخلي، وبعد مسيرة طويلة، اكتشفت أنني اكتب الشعر من أجل الحياة، من أجل أن يكون لحياتي معنى.
لدي ثلاث اصدارات "للفرح مناسكه للحزن طقوسه، حافية على ناصية الرحيل، من قاع الجرح أمد يدي، مخطوط: رنين الصمت". 
ساهمت بالعديد من القراءات لأدباء عرب في جريدة "أخبار تونس"، وفزت بالعديد من الألقاب والجوائز، كما كان لي حضور مكثف بالإذاعات والتلفزيونات التونسية والعربية، لذلك أنا مدينة للكتابة التي حلّقت بي عالياً وجعلتني اسماً مكتسحا للساحة الثقافية محلياً وعربياً، فالكتابة بالنسبة لي لم تكن سعياً وراء الشهرة لكنها كانت المتنفس والانعتاق نحو حياة أكثر انطلاقة وبهاء. 
أين ترَين موقع الشعر في العالم اليوم، وماذا يعني لكِ أنكِ شاعرة؟
للشعر مكانة محترمة، وبرغم العراقيل فإن الساحة الثقافية في العالم تعج بالشعراء، كل يدلي بلونه، والفضاء شاسع ويحتمل كل الألوان والأنماط، فمن النثر إلى الحر إلى التفعيلة إلى الموزون. وعلى غرار الزمن الجميل وزمن فطاحلة الشعر أرى أني فخورة بالمكانة التي وصلت إليها، فالشعر أعطاني الكثير كالشهرة، السفر والاطلاع على أنماط أخرى من الحياة والكتابة أيضا، كما أنه والأهم أعطاني الثقة بنفسي وخول لي التعبير بكل ما يسكنني ومن دون  قيد .
قالوا ولا زالوا يقولون إنَّ الإبداع الفكري والفنَّ بكل أطيافه وأشكاله وليدُ المعاناة، التي تؤثر كثيرا بالمبدع، وتصقل موهبتهِ، وتساعد في تفجير طاقاتهِ الإبداعيَّة الفكرية والفنية، ووصولهِ إلى مرحلة التألّق.. ماذا تقولينَ في هذا؟
الأدب سيدتي "مأساة أو لا يكون"، ومن رحم الأوجاع يولد الإبداع، لذلك فإن لحظات المكاشفة تحصل غالباً عند تمزق الذات البشرية التي تحاول الهروب إلى عالم أنقى وأرقى. فالشاعر يولد شاعراً وتبقى المواقف الصادمة والمشاعر المجروحة هي الوقود التي تؤجج الحرف عنده فيعانق الإبداع والتميز في رحلة البحث والتنقيب عن الصور الشعرية المستحدثة والإيقاع الداخلي الجميل .
لمَ يلجأُ الشاعر إلى ترجمة نصوص غيره، هل تعتقدين أنَّ الترجمة نوع من القناع؟
النص هو جرح وإحساس صاحبه وهو لحظات مخاض عسيرة لا يشعر بها إلا صاحبها، لذلك فإن كل محاولة لترجمة نصوص غيرنا أو ترجمة غيري لنصوصي هو في الحقيقة قتل للنص لأنه يفقده لذة الإحساس ولذة الأنا التي فيه، كما أنها تفقده صدقه ومتانته.
ما هي المدرسة الشعرية التي تأثرتِ بها؟ 
في الحقيقة لم أتأثر بمدرسة معينة إذ حرصت على الاطلاع على كل المدارس "مدرسة الإحياء، مدرسة التجديد التي كان من روادها عباس العقاد، مدرسة الشعر الحر، المدرسة الرومانسية التي كان من أبرز روادها أبو القاسم الشابي". وقرأت للعديد من الشعراء أمثال المتنبي، ابن زيدون، الجواهري، ميخائيل نعيمة، نزار قباني، فدوى طوقان، نازك الملائكة، كما أني قرأت الشعر المدبلج الإيراني والفرنسي والروسي. 
هذا التنويع لم يكن اعتباطيتاً لكنه مدروس، فقد كنت أسعى إلى التفرد وإلى ترك بصمة خاصة، بصمة تكون عصارة كل تلك المدارس الرائدة سواءً أكانت كلاسيكية أو حديثة .
يقال إن الواقع المر والمعاناة اليومية والضغوط الحياتية هي من تفرض على الشاعر الكتابة.. فما تأثير ذلك على مسيرتكِ الأدبية وكتاباتكِ الشعرية؟
كتابة الشعر هي عملية ولادة، تشبه مخاض الأم بوليدها، وهو كذاك فعلا، وكما أسلفت الذكر، فالأم تمرّ بعملية طبيعية داخل الزمن، تأخذ 9 أشهر، وتنتهي بالولادة التي تعبر عن الحياة، وكتابة القصيدة شيء مشابه، فهي سلوك يتحرك داخل الزمن، وولادة القصيدة تعبر عن حياة جديدة للّغة والفن، والألم هو القادح، والمعاناة هي الشرارة، والضغوط هي الوقود، فمن يكتب هو ليس إنساناً عادياً وإنما هو إنسان حساس، عميق يحمل أقل التفاصيل الحياتية التي قد لا يهتم بها غيره ولا يتذكرها أصلاً .
أينَ تجدينَ نفسَكِ أكثر في النثر والشعر الحر أم الشِّعر الموزون والمقفى.. ولماذا؟ وما هيَ المواضيعُ والقضايا التي تعالجينهَا في كتاباتِكَ؟
لأنني ولدت أنثى حرة فأنا أكره كل أشكال القيود بما في ذلك قيود الوزن وإن كانت لي بعض الكتابات في الشعر الموزون إلا أنها تبقى كتابات محتشمة. أنا أفضل النثر والشعر الحر، فهو يعطيني حرية أكثر وانطلاقة ولا يشدني إلى بحر معين كما أنه يسهل عليّ طرق كل المواضيع سواءً أكانت وجودية أو وجدانية .
ماهي الحرية التي تتوقين إليها وأنتِ ابنة إحدى ثورات المنطقة ضد الاستبداد؟
مثل كل امرأة حرة أتوق إلى حرية الرأي وإلى حرية التفرد، أحب أن يصدح صوت المرأة عالياً فتعبر عن كل ما يخالجها دون خوف وتواجه بالتالي كل من يحاول شدها إلى الوراء أو يحاول كتم صوتها أو تقييد حركتها.
كيف ترين مساهمة المثقفة التونسية في إثراء الحياة الأدبية في تونس بعد الاستقلال؟ 
لا أحد ينكر مدى إشعاع المرأة التونسية المثقفة ومكانتها المتميزة في الحياة الثقافية، وتزخر الساحة بعدة قامات في العديد من المواقع، أذكر من ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر "زبيدة بشير، نافلة ذهب، فضيلة الشابي، جميلة الماجري، نجاة الورغي، وغيرهن الكثير". إذ استطعن نقش أسمائهن بخيوط من ذهب ونجحن في إضفاء مناخ خاص على الحقل الأدبي داخل تونس وخارجه  .
 في ظل الظروف الصعبة والقلقة التي تمر بها المنطقة وخاصة في سوريا كيف تابعتِ دور المرأة السورية في ظل الأزمات المتتالية؟
أتابع وبقلق شديد ما يحصل في الشقيقة السورية من تنكيل واغتصاب وتركيع، فالمرأة هناك فقدت كل مقومات الإنسانية، إذ صارت تباع وتشترى، كما تمارس عليها كل أشكال التعذيب فأضحت مسلوبة الإرادة فاقدة لكل رغبة في العيش،  نأمل أن يتغير الوضع هناك وأن تعاد الحياة  للمرأة  فتنهض من جديد وتساهم في كل المواقع.