مسرحيات شهيرة تُعرض بأسلوب جديد لتُحاكي الواقع وتُطور العمل المسرحي
صدى الصّمت والخادمات ومريض الوهم وغيرها من المسرحيات التي ألفها كتاب عظماء حاولوا محاكاة وقائع عصرهم وتجسيدها، تعرض اليوم بلغة مختلفة وأسلوب جديد تُحذف فيه بعض النّصوص والشَّخصيات، لتلائم الواقع
رهف يوسف
قامشلو ـ .
ليست أعمالاً جديدة أو مبتكرة ولكنها بالتأكيد مختلفة، فعرض المسرحيات في شمال وشرق سوريا اليوم يأخذ نمطاً ومنهجية جديدة، لتصوير الواقع بطرق إبداعية تمثيلية جذابة، ومعالجة القضايا المُنتشرة والمُستعصيّة، والهدف من هذا إيجاد نمط مسرحي يختلف عن المألوف، وتطوير هذا المجال في مناطقنا.
قالت الإدارية في فرقة المسرح همالين فرمان، أنَّ فرقة المسرح تأسست في الأول من شباط/فبراير 2014، ومضى عليها ثماني أعوام "بدأنا من شخصين، حتى انطلقت دورات إعداد المُمثل وأقبل الطَّلاب على الانتساب، وانضموا للفرقة فيما بعد". وبينت أن هذه الفرقة خَرجت حوالي مئة ممثل/ة، منهم من بقي وآخرون هاجروا نتيجة تردي أوضاع البلاد، وتضُم الفرقة اليوم أكثر من 40 عضو/ة بينهم أطفال وشباب.
وقدمت الفرقة ما يقارب 21 مسرحية خلال سبع سنوات من العمل، تنوعت بين مختلف أنواع المسرح كالفقير، والتَّجريبي، والأوبريت، والغنائي والصَّامت، والتَّراجيدي، والشَّارع وغيرها، "لم نخصص اسم للفرقة، لنعطي لأنفسنا الأحقية في عرض جميع أنواع المسرح ضمن المنطقة، لأننا بحاجة للتعريف بها".
"صدى الصّمت" تروي الواقع بأسلوب تراجيدي
وتصف همالين فرمان إحدى المسرحيات المُتميزة التي شاركت فيها، لمدة 70 دقيقة، باسم "صدى الصَّمت" أو فدنك وهي ثنائية من تأليف الكاتب العراقي قاسم مطرود "اخترناها لأنها تحاكي مأساة الحرب في المنطقة بتجربة أدائية فريدة من نوعها من المسرح التّجريبي، وبطلتا المسرحية شخصيتان ابناهما شهيدان، هما من دولتين متجاورتين، اجتمعتا في بلاد الغربة، ولكنهما لا تفهمان لغة بعضيهما، وتنتهي بأمنية الشّخصيتين الرئّيسيتين، التي تلخصانها بجملة (لن أموت في الغربة سأموت في وطني)".
وخلال تأدية المسرحيَّة كان هناك ثلاث شخصيات وهي البطلتان والمُقعد الذي كان له حوار تم إلغائه، "تطلب ذلك إعداد دقيق للمسرحية، ومثلناها في مركز محمد شيخو للثقافة والفن ومهرجان الشّهيد يكتا بمدينة رأس العين/سري كانيه، ومكتب حزب الوحدة".
وعن الرَّسالة التي تسعى المسرحية لإيصالها "صعوبات الهجرة والغربة ولا سيما إن لم تكن تعرف لغة البَّلد الذي تذهب إليه، وضرورة إصلاح الآثار التي تخلفها الحرب".
أما دلالة شخصية المُقعد التي تبقى ثابتة طوال فترة المسرحيَّة "إنها رمزية، حتى الكاتب لم يُعرفها، فكل مُشاهد عليه أنَّ ينظر إليها ويفهمها بطريقته الخاصة".
وتعتبر همالين فرمان أن كل كاتب مسرحي يمر بحالة معينة ويكتب عنها، لذا لا تعتقد أن المسرحيات الأجنبية قادرة على تطوير المسرح الكردي خاصة وشمال وشرق سوريا عامة "مهما حاولنا اسقاطها على الواقع وتجريدها وحذف شخصياتها، لن نستطيع أن نخفي روح كاتبها الذي عبر بها عن حالة بلاده ومشكلاتها".
وتابعت "في حال كان الكاتب ابن المنطقة ويكتب بلغتها، فلا شك في أنَّ هذا سيطور من المسرح هنا، دون الحاجة لاستقطاب أفكار وثقافة مغايرة، وبالتالي ستصل الرَّسالة إلى الجّمهور المُتلقي بشكل أوضح".
وأشارت إلى أنه تم عرض مسرحية كردية باسم "كلها كوباني" في المهرجان الأول للشهيد يكتا، من إعداد الاستاذ عبد الرحمن علي الذي كتبها باللغة الكردية "في وقتها حاكت هذه المسرحية آلام ومعاناة أهالي مدينة كوباني ومقاومتهم، وصورت هجوم داعش عليها، ولاقت المسرحية صدى واسع وإقبال وتقبل جيد".
وعن السَّبب في أن معظم المسرحيات التي يمثلونها مأخوذة من كتاب أجانب تقول "هناك قلة قليلة من الكتاب المسرحيين الذين يكتبون باللغة الكرديَّة والمحليَّة، إضافة لأنه لا يوجد نقاد مسرحيين أكاديميين يعطون نقد بناء غير لاذع، ولكن يوجد من يعطون أفكاراً أو يساعدون في التَّغييرات التي تطرأ على النَّص".
ويلعب الاختيار المُوفق لنص المسرحية دوراً أساسياً في نجاحها، بحيث يتلاءم مع الحالة المجتمعيَّة، ومع القدرات الانتاجية لفريق العمل، ويحاكي مأساة المجتمع، كما بينت.
أما صفات الممثل المسرحي التي ذكرتها حسب تجربتها فهي "الجرأة بالدرجة الأولى، حب وشغف المهنة، القدرة على القيام بالعمل المسرحي وليس بالضرورة أن يكون أكاديمياً وإنما لديه تجربة مسبقة أو يمتلك الموهبة".
ومن أهم نشاطات فرقة المسرح في عام 2015، تقول "قمنا بحملة تواقيع، لترجمة رسالة يوم المسرح العالمي التي تصدر سنوياً من اليونسكو للغة الكرديَّة، تكللت بالنجاح، فبعد أن كانت الرَّسالة تصدر بعدة لغات، انضمت الكردية لتكون جزءاً منها، وتؤرشف هذه الرسالة في الهيئة الدّولية للمسرح".
وتؤكد همالين فرمان أن هذا انجاز عظيم لتطور اللغة الكردية ولجميع محبي المسرح والمسرحيين في المنطقة "لا يمكننا إيصال رسالتنا الهادفة التي تحاكي واقع كل شعب، إلا عبر الأدب والفن".
"الخادمات" عمل يُصور الصّراع الطّبقي المُستمر
ميديا بيكندي (18) عاماً، عضوة في فرقة المسرح منذ عام 2014، تبين أن أهم الأعمال المسرحية التي قدمتها هي بعنوان "الخادمات"، للكاتب والرَّوائي الفرنسي جان جينييه، وتروي الصَّراع الطّبقي بين الكادحين والرَّأسماليين "لطالما حاول الكادحون التَّخلص من الرَّأسماليَّة، وتجسد المسرحيَّة قصة خادمتان هما كلير وسولانج، تعملان لدى امرأة غنية".
وقالت "ساهمت هاتان الخادمتان بإدخال زوج السَّيدة للسجن، عبر رسالة أو تقرير، ولأنهما غير قادرتين على مجابهتها مباشرة، تقومان بتمثيل دورها عند خروجها من المنزل وتقلد إحداهما حركاتها ومشيتها وضحكتها، حتى تحولت هذه اللعبة لإدمان وعادة تمارسانها للهروب من الواقع".
وتُعرض المسرحية على قسمين، وفي نهايتها تموت الخادمة التي تمثل دور السّيدة "خاتون"، فتقول ميديا بيكندي "حبكة المسرحية عندما تنوي الخادمتان قتل السّيدة بجدية وتضعان لها السّم في كأسها، إلا أنها تتلقى مكالمة بأن زوجها خرج من السّجن، لذا تخرج على عجل من المنزل، وتعود الخادمتان للعبتهما، فتشرب إحداهما الكأس المسمومة".
وكان العرض الأول لهذه المسرحيَّة في اتحاد مثقفي غربي كردستان، ومن ثم في مهرجان المرأة بمركز محمد شيخو للثقافة والفن "نجحت المسرحيَّة نوعاَ ما، لأنها واقعية، فنحن اليوم نعيش واقعاً صعباً ولكننا لا نستطيع أنَّ نتوجه للجهات العليا، فندمر أنفسنا".
ويعانون خلال عملهم من قلة التَّقنيات كالإضاءة، وانعدام وجود خشبة مسرح للتمثيل عليها سوى التي في المركز وهي صغيرة جداً، والعديد من المُشكلات الاقتصادية الاخرى، إضافة للفترة الطَّويلة التي يأخذها اعداد واخراج الممثل، إلا أنه لا يستمر بالعمل، كما توضح.
وقالت أنَّ التّدريب على المسرحيَّة الواحدة يستغرق ما يقارب خمس أشهر، "لدينا مجموعات على مواقع التَّواصل الاجتماعي، نتواصل عبرها ويتم اخبارنا عن موعد للقاء، وبعد أن نطلع على النَّص، يتم اختيار الممثلين حسب رغبة المُدرب أو المُمثلين، ومناسبتهم للدور".
وتعتبر ميديا بيكندي أن افتتاح جامعات أو معاهد للمسرح سيكون خطوة جيدة نحو تغيير الواقع المسرحي في المنطقة.
"مريض الوهم" تعالج قضايا اجتماعية أسرية بلمسة كوميدية
أما روان عبد الجليل محمد (24) عاماً، عضوة في الفرقة منذ 2017، قالت أن أهم ما قدمته مسرحية "مريض الوهم" للكاتب الفرنسي موليير، التي عرضت في مركز محمد شيخو، وعامودا، والدرباسية، وهذه المسرحية تتميز بطابعها الأسري الاجتماعي.
وشارك في المسرحية سبع شخصيات "الرَّجل الكبير في السَّن يدعي المرض ليحصل على الاهتمام، وزوجة الأب الصَّغيرة والجّميلة التي تسعى للحصول على الثّروة، والخادمة التي تعرف كل شيء وتقف مع الحق، والابنة التي تكتشف ألاعيب زوجة الأب وتريد الزّواج بمن تحب ولكنهم يريدون تزويجها بطبيب غني عقله غير سوي، والعم الذي يساعد عائلته".
وأوضحت أن المسرحية تنتهي بكشف اللثام عن حقيقة زوجة الأب بمساعدة الخادمة والعم، ويجد الأب استقراره النَّفسي، وتتزوج الفتاة بمن تحب بعد اكتشاف عائلتها خطئهم بحرمانها حق الاختيار، ويغلب على المسرحية طابع الصَّراعات والصَّدامات، وحل العقد دفعة واحدة كما كان يحدث في القرن الـ 17.
وتعالج المسرحية العديد من القضايا الواقعية المُنتشرة، والحديث لروان عبد الجليل محمد "حاولنا إبراز الخيانة والطّمع، وعدم الحكم على النّاس بأموالهم وأشكالهم بل بالتركيز على جوهرهم، والأخذ برأي الفتيات بالزواج".
وأضافت "هنالك العديد من الأشخاص اليوم يدعون المرض أو يوهمون أنفسهم بأشياء ليست فيهم، ليحصلوا فقط على الاهتمام، كالكبار في السّن، وذوي الشّخصيات الضَّعيفة، وقليلي الثّقة بالنفس".
وتبين أن هذه التّجربة الاجتماعية التي تحتوي على جرعة كوميدية، هي أول عمل لها، وشعرت بسعادة غامرة لأنه لاقى تقبل الجمهور، "عملنا يسعى لتصحيح أخطاء مجتمعاتنا وملء الثّغرات، عبر تسليط الضّوء عليها وبيانها للناس، لذا ترك هذا العمل أثراً كبيراً في نفسي".
وأكدت على دور التّكنولوجيا في تطوير العمل المسرحي عبر الاستفادة من الأعمال المسرحية الكبرى التي أصبحت مشاهدتها متاحة في أي وقت، ونقل المسرح المحلي ليصبح مسرحاً عالمياً يمكن لمن هم في دول أخرى مشاهدته، ولكن للمسرح روح خاصة لا يمكن للجمهور الشّعور بها إلا إن حضروا بأنفسهم.
وتخطط للاستمرار بالعمل المسرحي، وقالت روان عبد الجَّليل "سأستفيد من آراء المشاهد السّلبيّة والإيجابيَّة لأطور نفسي".