مناجي بن حليم: المرأة في الثقافة ينقصها الإيمان بكينونتها والقناعة بما تقدم
تلك السيدة التي كلما دخلت لمكان انبتته حقولاً من كتب، ولوحات تشكيلية، وأمسيات شعرية، تتماهى مع شتلات الحبق والاكليل والورد الجوري التي تزين الحديقة المحيطة بالمكان، إنها الشاعرة مناجي بن حليم
ابتسام اغفير
بنغازي ـ .
تخرجت مناجي بن حليم من كلية الآداب قسم اللغة العربية، وحصلت على الماجستير في ذات التخصص، تكتب الشعر، وتدير المكاتب والمراكز الثقافية بكل براعة، يلتف حولها الجميع حتى أنهم لقبوها بـ "سيدة القصر" حين ذهبت إلى قصر المنارة بمدينة بنغازي، وحولته إلى معلم ثقافي يضم كل ألوان الأدب والفن.
عملت في عدة صحف ليبية وعربية، ونشرت فيها شعرها وكتاباتها، وتنقلت بين عدة إدارات ومراكز ثقافية في وزارة الإعلام والثقافة ببنغازي، كان آخرها تأسيسها لمركز وهبي البوري الثقافي بالمدينة، واستمرت في إدارته على فترات متقطعة قبل أن تقدم استقالتها.
وكالتنا التقت بالشاعرة مناجي بن حليم فانسابت كلماتها بسلاسة مجيبة عن سؤالنا كيف تعرف الشاعرة عن نفسها، قائلة "أنا امرأة مسكونة بالحب، أعشق الحياة، متورطة حد التماهي مع الأدب والموسيقا تسكنني حالة من الوجد يصعب شفاؤها للحلم الذي لا يأتي، وللزمن الذي طال انتظاره حيث عوالم السحر معزوفة كمان، وتجلي قصيدة، وحديث لوحة يكفي لأن تغازل بهم كل العوالم المغلقة فتُفتح".
"ستصبحين ظلالاً وارفة تمنحين بلا مقابل"
وعن تحويلها للأمكنة التي تتولى إدارتها إلى حقول من كتب ولوحات تشكيلية، وأمسيات شعرية تقول "أقوم بذلك بالإيمان بما أحب فحين تعيشين ثنائية علاقة وتكونين مؤمنة بقدرتك على التغيير بشيء من تماهي مع الآخر فأنك حتماً لن تنتظري أن يقدم بل ستصبحين ظلالاً وارفة تمنحين بلا مقابل وتبحثين عن رفاق لطريق لن يتوه عنك، لأن في جعبتك وعلى ضفافك زاد المشوار، الإيمان والرفاق وهذا ما حدث معي".
وحين سألناها عما تحدثه من فروقات حين تتولى منصب في الثقافة، الأمر الذي يجعل الثقافة أنثوية؟ أم أن هذه التغييرات خاصة بمناجي بن حليم فقط، تقول "لا ليس شرطاً لأية وظيفة أنه إذا كانت في حضور النساء ستنتج أكثر، التجربة علمتني أن اليقين بما تعمل والتورط في محبة ما تقوم به هما أساس النجاح، ولا تختص به النساء، القضية هي أن تحب ما تعمل وتخلص له، وتلك رسالة يحملها الجنسان دون تمييز، صحيح أن المرأة قد تكون أقل فساداً من الرجل في تولي المناصب، ولعلها تبذل جهداً أكثر كونها في مجتمعنا الشرقي مازالت تحتاج أن تقول أنا أعمل، لذا إذا ما كُلفت بوظيفة عليا تجدينها تضاعف من مجهودها وتتعامل مع مكانها كأنه بيتها الذي يأويها ولك ميزة تستحق أن يشار إليها".
"لا مكان فيها لصوت المثقف"
وتقول عن الأسباب والعوائق التي تواجهها أثناء توليها إدارة المراكز الثقافية أو المكاتب في بنغازي الأمر الذي يجعلها تقدم إعفاء من العمل فيها بعد مسيرة طويلة فيه، "لعل أكثر العوائق التي واجهتني أثناء تولي المناصب غياب الميزانية، والفوضى الإدارية التي وجدت عليها العمل، إذا أضفنا لذلك النظرة الدونية من المسؤول والشارع معاً لماهية الثقافة ففي بلاد تنهب فيها المليارات وتتقاسم فيها الثروات بلا رقابة ويوغل فيها التشظي، ويكشر فيها الفقر عن أنيابه، لا مكان فيها لصوت المثقف الذي هو أيضاً عزل نفسه عن الشارع إلا على استحياء ممقوت".
وتضيف عن الإعفاء الذي تقدمه من أي منصب تولته "الإعفاء أعده جبناً مني أو هو حالة من الشعور بعدم الجدوى تتملكني حينما أكل من الطرق على الأبواب استجدي مشروعاً ثقافياً من هنا وحدثاً أدبياً من هناك، أكون معبأة بحلم طازج سرعان ما تفسده حالة من انعدام الوعي المجتمعي بما أفعل فتحل الخيبة ضيفاً ثقيلاً علي يحملني مؤونة الطريق، وينخر جمجمتي اليأس فأعود أدراجي آثره السلامة لروحي المتعبة".
"روح ثائرة تبتزني طيلة عزلتي"
وتوضح أهم الأشياء التي تدعوها للعودة مرة أخرى للعمل في الثقافة، "العودة هي روح ثائرة تبتزني طيلة عزلتي تنقر دفاتري المغلقة على طموحاتي تمسك يدي وتقودني قائلة لا بأس لنخوض غمار حرب جديدة فأعود امتشق الأمل طريقاً آخر وأجرب وأعمل وأتعثر لكني أنهض من جديد".
"مالم تدمره الحرب، دمره الجهل"
وحول وضع الثقافة في بنغازي، وكيف ترى المرأة في المجال الثقافي وماذا ينقصها تقول "إن وضع الثقافة في ليبيا برمتها وليس بنغازي فقط يحتاج لمنظومة كاملة من العمل، وكذلك لتكاثف الجهود ولآلية جديدة غير ما هو موجود، فالثقافة في ليبيا أشبه بمجموعة مهرجانات وأنشطة مدرسية ومجاملات اجتماعية لا تسمن ولا تغني من جوع، كذلك البنية التحتية للثقافة هي بحالة مزرية فلا مسارح ولا دور عرض ولا مكتبات ولا مراكز ثقافية يعول عليها فمالم تدمره الحرب، دمره الجهل وغياب الوعي والنظرة الدونية للثقافة وشح الميزانيات، والمرأة ليست في الثقافة فقط ولكن في أغلب القطاعات ينقصها الإيمان بكينونتها والقناعة بما تقدم".
تجيب ختاماً عن السبب الذي دعاها للتخلي عن مركز وهبي البوري وتقديم استقالتها "الاستقالة حالة من التصالح مع الذات في هذه المرحلة، وانتصار للنفس بعد رحلات العناء التي عرفت، كذلك هي ميل للعزلة والتأمل فيما يحدث حولنا من تقنين لإنساننا وتقويض لأرواحنا".