من التصميم الداخلي إلى فن الرسم على الوجوه

الرسم على الوجه فن أعمق من أن يكون للترفيه، فقد وظفته المرأة لتوجيه رسائل عدة تهم الأطفال والنساء وتخدم أي قضية اجتماعية، كما تحاول الابتكار في هذا المجال وتطويره.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ وظفت حنين ضو فن الرسم على الوجه لإلقاء الضوء على قضايا المرأة ومساعدة الأطفال الذين يعانون من تشوهات، كما ساهمت في تطوير أدوات العمل فيه لرفع هذا الفن إلى مستوى أفضل.

فرضت نفسها في مجال الهندسة والرسم على الوجه ثم في فنون ماكياج المؤثرات الخاصة، تقول مهندسة الديكور حنين ضو "الرسم على الوجه يستخدمونه في لبنان للترفيه، إلا أنه أعمق من ذلك بكثير، ويمكن أن نوجه من خلال برسائل عدة تخص الطفل والمرأة وتخدم أي قضية اجتماعية، استخدم هذا الفن لمناصرة قضايا المرأة وإيصال رسائل توعوية لها، ومن ميزاته الجمع بين الرسم على الوجه وماكياج التأثيرات الخاصة، وهناك الكثير من المسابقات العالمية في هذا المجال ويشترك بها الناس ويحصلون على جوائز".

وأضافت "كان لا بد من تطوير موهبتي أكثر من خلال الدراسة وتطوير المهارات الخاصة بعمل المكياج كالجروح والحروق والتشوهات والشخصيات المرعبة التي نراها في الأفلام السينمائية، وقد ظهرت هذه الفنون في بداية القرن الماضي واستخدمت في أول فيلم سينمائي بالألوان، وتطورت لاحقاً مع ظهور أفلام الرعب والخيال العلمي وغيرها، وبالنسبة لي درست هذه الفن واتقنته لأعبر عن قضايا بعينها".

وتابعت "شغفي بهذا الفن منذ الصغر وعندما كبرت قررت دراسته، لكنني لم أتلقى أي دعم بل كان كل من حولي يقولون لي أن هذا المجال لن يشكل دخلاً مادياً كافياً، لذلك توجهت لدراسة التصميم الداخلي وتخرجت منه عام 2018، إلا أنني عدت لممارسة هوايتي المفضلة وهي الرسم، ولكن وجدت أن الورقة التي أرسم عليها تحد من تطلعاتي وأفكاري ومن التعبير أكثر عن موهبتي، لذلك قررت أن أرسم على وجهي، وكنت محتفظة بصور لحيوانات كوني أحب الحيوانات، ووضعت صورة نمر على المرآة وأزلت مساحيق التجميل عن وجهي وبدأت أرسم النمر عليه، وفوجئت بأنني أنجزت الرسمة وبإتقان، ووضعت الصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالفعل لاقت اهتماماً كبيراً ما شجعني على رسم شخصيات وأشكال أخرى تتلاءم مع المناسبات".

وأضافت حنين ضو "مع الإقبال والطلب على شخصيات معينة، وبدأت بتطوير قدراتي ومهاراتي في هذا المجال خاصة في مجال التجميل، وقد ساهم عملي في مجال تصميم الديكور بمتابعة الدورات الخاصة بهذا الفن على الرغم من أنها المكلفة للغاية من حيث التدريب والأدوات، ولكن هدفي أكبر من ذلك، خصوصاً في تسليط الضوء على القضايا والتوسع في التقنيات وإنجاز أعمال وتصورات جديدة لم يتطرق إليها أحد من قبل، ولدي الثقة بقدرتي على إنجاز ذلك".

ولفتت إلى أنه "بمقدورنا استخدام الوجه للرسم عليه وإضافة المؤثرات الخاصة ودمجهما مع بعضها للتعبير عن رسائل عميقة تخص المرأة، وإظهار المشاكل التي تتعرض لها في المجتمع وكيف يمكن أن تتخطاها، إضافة إلى حملات التوعية مثل البورتريه الخاص للمرأة المعنفة الذي أنجزته".

وعن التحديات التي واجهتها في هذا المجال قالت "المواد التي نستخدمها في الرسم على الوجه وماكياج التأثيرات الخاصة أسعارها مرتفعة جداً، لكونها آمنة للاستخدام البشري، وكانت تستخدم في البداية لتغطية التشوهات والحروق وغيرها، لذلك بدأت بتحضيرها من مواد طبيعية كالنشا وبذور الكتان والجيلاتين ومواد أخرى، وتواصلت مع أشخاص من ذوي الخبرة لإنتاج مستحضرات لا تضر بالوجه ومحلي المنشأ بأسعار مناسبة".

وقالت حنين ضو "على الرغم من أنني في بداية عملي، إلا أنني شاركت في أعمال مع مخرجين/ات وطلاب في مجال الإخراج، منها عمل وثائقي حول راقصة باليه خضعت لعملية في العمود الفقري، كانت مهمتي رسم جرح هذه العملية، وعلى الرغم من أن درجات الحرارة كانت مرتفعة والوقت الطويل الذي استغرقه التصوير، إلا الرسمة حافظت على شكلها الطبيعي طوال فترة التصوير، ما يدل على جودة المواد المستعملة".

وأضافت "هذه المواد معدة لمقاومة درجات الحرارة المختلفة وعامل الوقت، نعمل على قوالب خاصة لنشكل فيها المواد المطلوبة في العمل الفني، لتبقى رسمة التشوه مثلاً محافظة على شكلها من البداية حتى النهاية، حيث نستخدم تقنيات النحت لصنع القوالب التي يصب فيها الشكل المطلوب، هذه العملية تتطلب الكثير من العمل والخيال والمنظور الفني بصورة ثلاثية الأبعاد، وكوني أميل إلى الكمال في أعمالي أنتقد ما أحاول إنجازه وأعيد العمل مرات عدة حتى أشعر بأنه قريب لما أتخيله، وأقضي على الشك الذي يمكن أن يراود المشاهد".

وعن المواقف التي تعرضت لها قالت حنين ضو "ذات مرة تواصل معي أحد المحامين بعد أن شاهد عملي، وطلب مني القيام ببروفة لإصابات في الوجه، لتقديمها في قضية يعمل عليها، ومقابل مبالغ طائلة، ولكني رفضت ذلك، وفي موقف أخر كنت أعد بورتريه عن امرأة مسنة وكنت أضع منديلاً على رأسي وصدفة انقطعت الكهرباء، والتقيت بوالدي في ممر المنزل، وصرخ أمي، أمي، ظناً منه أنه يرى شبح جدتي".

 

 

وتابعت: "بالنسبة إلى نوعي الفنون هذه، بغض النظر عن فن الابتكار، فهي لا تقتصر على الرسم على الوجه وتشكيل الحروق والجروح فحسب، يمكن استخدامها في العلاج النفسي من خلال تغطية التشوهات والحروق، ما يدفع الإنسان للتفكير بطريقة إيجابية، وفي هذا السياق تواصلت معي جمعية عالمية وطلبت مني أن أعالج أطفالاً تعرضوا في الحرب لتشوهات من خلال تغطية الحروق باستخدام تقنيات هذه الفنون، لذا فهذين العلمين متشعبان، ويمكننا المساهمة بنشر رسائل ملهمة والوصول إلى السلام النفسي والمجتمعي، من خلال حماية من تعرضوا لتشويه من التنمر والاضطهاد".

وفي ختام حديثها قالت حنين ضو "من خلال تجربتي الشخصية والعملية، تأكدت أن المرأة قادرة على الوصول إلى أي مكان تختاره، على عكس ما نسمعه في مجتمعاتنا، وقادرة أن تكون ذاتها بذاتها من خلال تطوير مهاراتها وإصرارها".

 

.