مخرجة سودانية تجسد معاناة شعبها في فيلم وثائقي
تساهم السينما والأفلام في السودان في إحداث تغيير اجتماعي من خلال الأعمال التي تعكس معاناة الشعب خلال فترات الحرب والنزوح، حيث تنقل الأفلام السينمائية أصوات الناس إلى العالم عبر المهرجانات العالمية، ومن بين هذه الأعمال تبرز أفلام المخرجة راوية الحاج.

ميساء القاضي
السودان ـ تمكنت المخرجة السينمائية راوية الحاج من تحقيق العديد من النجاحات والإنجازات الفنية من خلال أعمالها السينمائية، وقد نالت مكانة بارزة بين الشعب السوداني بفضل جهودها في أن تكون صوتاً لمن يعانون من الظلم. ومن أبرز أفلامها فيلم "الخرطوم"، الذي تم عرضه في مهرجانات عالمية.
راوية الحاج هي المرأة الوحيدة في فريق العمل الذي يضم مخرجين آخرين، وهي صاحبة الفيلم الوثائقي "الخرطوم" الذي تم عرضه في مهرجان "صندانس" السينمائي بالولايات المتحدة الأمريكية. يُعتبر هذا الفيلم أول فيلم سوداني يُعرض في أكبر المهرجانات السينمائية بالعالم، حيث يروي قصصاً مؤثرة عن السودان والنزاع المستمر فيه منذ حوالي عامين.
يتناول الفيلم، الذي استغرق تصويره ثلاث سنوات، قصة خمسة سودانيين يعيشون في الخرطوم، عانوا من ويلات النزاع، من بينهم طفلان كانا يجمعان الزجاجات البلاستيكية من القمامة لبيعها وشراء الملابس، بالإضافة إلى امرأة تعمل كبائعة شاي في العاصمة.
بدأت راوية الحاج وفريق العمل تصوير الفيلم قبل عام من اندلاع النزاع، ولكن مع بداية النزاع في العاصمة، اضطروا للانتقال إلى كينيا. هناك، بدأوا المرحلة الثانية من المشروع من خلال تتبع قصص أبطال الفيلم وكيف تمكنوا من النجاة من ويلات النزاع، واستمروا في التصوير في كينيا، كما أن فيلم "الخرطوم" ليس العمل الوحيد لراوية الحاج، حيث حصل فيلمها "خارج نطاق التغطية" على جائزة أفضل فيلم في مهرجان جوبا السينمائي الذي أقيم في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وتحدثت المخرجة راوية الحاج عن بداية عملها في هذا المجال "بدأت تجربتي في مجال السينما والأفلام وسرد القصص في مرحلة مبكرة من حياتي، فخلال سنوات دراستي الأولى في المدرسة، كنت شغوفة بقراءة القصص وسردها. كتبت أول قصة لي عندما كنت في السنة الأولى بالجامعة، وحصلت على جائزة في مهرجان الطلاب الإبداعي".
وتابعت "في البداية، قمت بتعليم نفسي من خلال الاستفادة من مواقع الإنترنت ومقاطع الفيديو على يوتيوب، مما أتاح لي الفرصة للمشاركة في ورش عمل أونلاين. كما التحقت بدورة تدريبية مع معهد الدوحة عبر الإنترنت، وتبعتها بدورات تدريبية مع برنامج شاشة الذي يقدمه المركز الثقافي البريطاني، ومن هنا بدأت مسيرتي في هذا المجال".
وعن التحديات التي واجهتها خلال عملها في مجال السينما والأفلام، أشارت إلى أنه "واجهت صعوبة في كيفية دخول هذا المجال، وكان أحد أبرز التحديات التي واجهتني أثناء إنتاج فيلم "خارج التغطية" هو تمويل الفيلم. لقد كان مسعى شخصي وجميع الأشخاص الذين عملوا معي في الفيلم كانوا متطوعين. أما بالنسبة لفيلم "الخرطوم" كانت التحديات فيه كبيرة باعتباره فيلم وثائقي وفيه أطفال وكان ذلك تحدياً كبيراً بالنسبة لي من حيث كيفية التعامل مع الأطفال في الفيلم حتى يسردوا قصصهم، وكيف أجعلهم على طبيعتهم أمام الكاميرا؟، وكان أحد التحديات الكبيرة جداً هو التصوير في الخرطوم نفسها لأن الفترة التي صورت فيها الفيلم كانت غير مستقرة أمنياً".
النزاع والنزوح يؤثران بشكل عميق على الفنانين، وبما أن راوية الحاج عاشت مرارة النزوح وحملت داخلها آلام معاناتها، استطاعت أن تعكس الواقع في السودان وتسلط الضوء على معاناة السكان من خلال فيلمها.
وعن ذلك تقول "عندما اندلع النزاع في السودان تأثر العديد من السودانيين وأنا منهم، فقدنا كل ما نملك الأهل والأصدقاء، واضطررنا إلى البحث عن ملاذ آمن في بلدان أخرى، وغير النزاع في مسار الفيلم الوثائقي "الخرطوم" فقد بدأ كفيلم وثائقي عن المدينة والأهالي، ولكن مع اندلاع النزاع غيرنا القصة".
ولفتت إلى أن "السينما والأفلام تغير حياة الأشخاص ومصيرهم، فالسينما أصبحت لغة عالمية ويجب أن نستفاد من هذا كسودانيين لإيصال صوتنا للعالم عبر أعمالنا السينمائية، على سبيل المثال فيلم "الخرطوم" سيجوب العالم ويكون باب وامتداد لأفلام أخرى، فالمهرجانات التي سيشارك فيها الفيلم ستفتح أعين العالم على ما يحدث في السودان".
وعن قصة الفيلم والنجاح الذي حققته راوية الحاج، بينت أن "فيلم الخرطوم يحكي عن قصة خمسة شخصيات في مدينة واحدة تأثروا بالنزاع وخرجوا من المدينة ويعكس الجوانب الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للعاصمة الخرطوم. يغوص الفيلم عن طريق الشخصيات في أعماق المدينة، وبرأيي الفيلم يوثق اللحظات الأخيرة للمدينة، ويوثق حياتنا".
وفي ختام حديثها، تمنت المخرجة راوية الحاج أن يعم السلام من جديد في السودان وتعود إلى منزلها والعيش في فناءه مع العائلة "أريد أن أعود إلى مدينتي وأقوم بإخراج أفلام سينمائية"، مشددة على ضرورة تفعيل دور العرض السينمائي الموجودة في السودان.