للنساء الدور الأساسي في الحفاظ على التراث اللامادي

اتفقت عدد من نساء القصرين التونسية على أن علاقة المرأة بالتراث اللامادي قوية، كونها ناقل للتراث الشفوي خاصة الأغاني والقصص التي كانت بمثابة المتنفس الوحيد للتعبير عما يخالجها من أفكار وأحاسيس.

إخلاص حمروني

تونس ـ تلعب المرأة في المحافظات الداخلية خاصة ذات الطابع التاريخي دوراً هاماً في الحفاظ على "التراث الثقافي غير المادي" الشامل لجملة الممارسات والتقاليد والمعارف.

يندرج تحت مسمى "التراث الثقافي غير المادي" الآلات والقطع والمصنوعات والأماكن الثقافية، حيث يعتبرها أهالي منطقة القصرين التونسية جزءاً من تراثهم الثقافي. وهذا التراث غير المادي المتوارث جيلاً عن جيل، تبدعه وتطوره العديد من فئات المجتمع خاصة النساء لجعله يتماشى مع المستجدات الحضارية كونه ينمي لديهن الإحساس بهويتهن.

وفي محافظة القصرين الواقعة وسط تونس تعمد نساءها على المحافظة على موروثهن الثقافي أو ما يسمى بتراث المنطقة اللامادي بهدف ضمان استمراريته وحمايته من الاندثار، الأمر الذي أكدته عليه سنية حسني "أن الموروث اللامادي هو الموروث الذي ورثناه من أجدادنا والذي نتذكره ونستعمله عندما نجتمع نحن النساء في أعراسنا ومناسباتنا الأخرى كالمناسبات العائلية، وهو جملة من العادات والتقاليد تمثل تاريخنا" موضحةً أن "النساء تتمسك بها وتسعى للحفاظ عليها من الاندثار لتورثها بدورها إلى أبناءها وأحفادها الذين كلما سنحت الفرصة نجتمع بهم ونشرح لهم هذه العادات ولماذا نحافظ عليها".

وحول مكونات الموروث الثقافي أضافت "يشمل أدوات المنزل التي نستعملها في المطبخ ونعطيها قيمة لأنها ثمينة، على سبيل المثال موسم العولة وهي عبارة عن عادات قديمة بمثابة مناسبة سنوية تجتمع فيها حوالي 40 امرأة في أحد المنازل وتقمن بتحضير مستلزمات المطبخ لسنة كاملة من كسكسي وتوابل، وهن ترددن أغاني شعبية تعلمنها وورثنها عن جداتهن، كما يشمل التراث اللامادي الرقص والفلكلور وعادات صنع الصوف وكل ما يمكن صنعه منه مثل البرنوس "لباس للرجال مصنوع من الصوف" والعبانة "أغطية شتوية صوفية" المعروفة بها القصرين، وكل هذه المنتوجات تعد موروث مهم بالنسبة لنا تعمد المرأة للحفاظ عليها".

 

 

من جهتها قالت نسرين هلالي أن التراث اللامادي لمنطقة القصرين جملة من العادات والتقاليد التي يتوارثنها النساء من جيل الى جيل، يشمل أدوات الطبخ والغناء والشعر والثقافة وجميع أنشطة الحياة العادية التي نقوم بها في مواسم الزواج إضافة الى القصص والغناء النسوي"، مؤكدةً على أهمية الثقافة الشفهية والحكاية في التكوين والتربية، سواء القصص التي تروى في الساحات العمومية "الحلقة" أو خلال التجمعات العائلية من طرف الجدات والأمهات".

حيث طالبت نسرين هلالي النساء بضرورة حماية التراث اللامادي، وإحيائه وضمان نقله إلى الأجيال القادمة عبر تقوية قدرات النساء الممارسات لهذا التراث، إلى جانب تنظيم ورشات ودورات تكوينية ومعارض وأيضاً نقله عبر القنوات غير الرسمية كالتجمعات العائلية على سبيل المثال.

 

 

أما الشاعرة ومديرة مهرجان الأيام الرومانية بسبيطلة، ومديرة مكتب الاتحاد الدولي للكتاب العرب والناشطة في حقوق المرأة والأطفال في المدارس الريفية ضحى بوترعة قالت إنها تهتم بالتراث المادي بصفتها شاعرة مهتمة ودراستها كانت في مجال التاريخ، موضحةً أنه انطلاقاً من حبها للتاريخ تؤمن بضرورة استمرار الهوية وهذا يتطلب المحافظة على العادات المستمدة من التاريخ، وخصت بالذكر تراث محافظة القصرين حيث توجد نساء تبدعن في المحافظة عليه وتطويره.

وعرفت التراث اللامادي على أنه مجموعة العادات والتقاليد المخزونة مثل الرواية والغناء والشعر وهو أيضاً مجموعة من المكتسبات التاريخية التي تمثل عادات الأمهات والأجداد وتسعى النساء على تعليمها للأجيال القادمة مع العمل على تطويرها.

وأضافت "هي اللغة والطقوس والعادات والكلمات والأغاني وهي القصة والرواية والأساطير، وفي منطقة القصرين تلعب النساء دوراً هاماً في استمراره لأن المرأة الوحيدة القادرة  في المجتمع الذكوري المحافظة على هذا الإرث المهم" موضحةً "مثلا المرأة عندما تريد أن ينام أطفالها تغني لهم الأغاني القديمة أو تروي لهم القصص القديمة والخرافية، أيضاً في المطبخ المرأة تعتمد طبخ مأكولات ورثتها عن أجدادها مطبوخة في أواني نحاسية أو من الفخار وبهذه الطريقة تلعب دوراً حيوياً في إحياء التراث اللامادي للمنطقة"، مشيرةً إلى أن التراث المادي مربوط بالتراث اللامادي لأنهما عنصران متكاملان.

وأشارت إلى أن المرأة تحافظ على تراث منطقتها اللامادي خاصة الشفوي منه وخصت بالذكر الغناء "لأنه يجسد واقع المرأة في الحقبات التاريخية القديمة عندما كانت تعيش تحت السيطرة الذكورية لتصف كيف كانت مضطهدة ولتعبر في أغانيها عن مشاعرها المكبوتة من حزن وحب وأمل بعيداً عن سيطرة الوالدين والنساء إلى حد الآن مازالت تحفظ هذه الأغاني الشعبية لأنه تم نقلها من جيل إلى جيل".

وختمت بالقول "شخصياً استغليت الأيام الرومانية للتعريف بالتراث اللامادي وتثمين الحضارة التي تمثل التراث ونحن كنساء في القصرين نفتخر بالمحافظة على عاداتنا وتقاليدنا وهويتنا، ونعمل على تطويرها وأنا انصح كل امرأة بالمحافظة على تراثها عند تربيتها للأجيال".