كوخ آمنة الفقيه يعيد للتراث الفلسطيني مجده

أوضحت آمنة الفقيه أن لكل شيء في الكوخ من مقتنيات أثرية وتراثية، رسالة ودلالة تعبر عن الهدف من إنشائه ليربط الجيل الجديد من الشباب بتراثه، ويمنع سرقتها.

رفيف اسليم

غزة ـ تقضي آمنة الفقيه وهي في العقد الثامن من عمرها، غالبية وقتها في منزل من الطين بنته بمحاذاة بيتها، لتتخذ منه مسكن بديل بعيد عن صخب الحياة في الخارج التي باتت تجتاحها الأجهزة اللوحية والأصوات المزعجة الصادرة عنها، جامعة بداخله العديد من المقتنيات الأثرية التي تعود بها لذكريات العائلة والطفولة.

تحدثت آمنة الفقيه عن تعلقها بالبيوت الطينية التي لم تعد متواجدة في المدن "منذ أن تهدمت البيوت الطينة وأنا أحلم بالعودة للعيش بواحد منها، إلا أن قلبي بقي معلق بإرث الأجداد وأحلم بكوخ صغير، إلى أن اقترح ابن أخي أن أدله على آلية البناء ليشيد منزل صغير من الطين يعيد لي ليس الذكريات فحسب، بل المجد للتراث الفلسطيني الذي بات منسياً".

وأضافت أنه بعد عدة أشهر كان الكوخ جاهزاً، فلم تصدق أنها تراه أمام ناظرها وما تبقى منه ليكتمل السقف فقط، الذي وضع عليه ألواح تغطية فولاذية "الزينكو" وغطي بالطين والقش، لتبدأ بعدها بترتيب التفاصيل مقسمة المكان لغرفتان تحتوي على العديد من المقتنيات الأثرية والتراثية، بالإضافة إلى فناء خارجي مليء بأشجار الزيتون والحمضيات.

وتعدد آمنة الفقيه أن الطاحون، والمحراث، الأواني الفخارية، ولمبة الكاز، والسِراج، والمكنسة القديمة، وموقد الكاز، وجرن الكبة، والعديد العديد من الجرات الفخارية، وسلال القش التي كانت تستخدم قديماً لحمل الخضروات والفاكهة من السوق، هي ما تزين رفوف المكان وأرضيته وجدرانه، لافتةً إلى أن هناك بعض المقتنيات كانت تستخدم للزراعة.

وأشارت إلى أنه بالإضافة لما سبق يحتوي الكوخ على أدوات صيد وحرب، وأخرى للتجارة والترحال، وأوان نحاسية قديمة، بينما في مدخله توجد طاحونة القمح والشعير والعدس، وبالقرب منها فرن طينيي، ومحراث قديم.

وأضافت "هنا لي مع كل قطعة حكاية فموقد الكاز الذي كنت أطهي عليه الطعام، ولمبة الكاز التي درست عليها خاصة أن الكهرباء لم تكن قد دخلت البلاد بعد في زمننا، ومكنسة القش التي كانت جل ما تمتلكه المرأة لتنظيف بيتها على غرار اليوم وما أدخله التطور من أدوات مختلفة، عدا عن زير الماء الذي يحتفظ بالمياه الباردة للشرب خلال أيام الصيف الحارة".

ولفتت آمنة الفقيه إلى أن البناء نفسه ينقلها لأيام الطفولة والصبا، بدءاً من الغرفة الواحدة التي تعيش فيها كافة أفراد الأسرة، وحتى الميزات التي يمنحها المكان، ففي فصل الشتاء يحتفظ بالدفء اللازم، وفي فصل الصيف يمنح الجالس فيه البرودة، كما أن عزله الجيد يفصل الجالس داخله عن العالم الخارجي فلا يسمع الأصوات الصادرة من الشارع.

وأشارت إلى أرضية الكوخ، التي زينت ببلاط عمره أكثر من ستين عام، لتوضح أن كل شيء له دلالة ورسالة تعبر عن الهدف من إنشائه، ليربط الجيل الجديد من الشباب بتراثه، ويمنع سرقتها، خاصة أن كل قطة قد اتخذت مكانها في بيتها الصغير تزيد عن عمر بلدها بمئات السنين.

وأصبح عمر كوخ آمنة الفقيه اليوم ثمانية عشر عام وربما أكثر، فهي منذ أن وجدته امتنعت عن عد السنوات وكأنها وجدت ضالتها بعد شقاء، خاصة بعد عملية البحث الطويلة التي قضتها برفقة ابن شقيقها في البحث عن قطع التراث القديمة هنا وهناك، لتزين بها تلك الأيقونة التاريخية في منطقتها.

وأوضحت أن كوخها اليوم أصبح مزاراً سياحياً للراغبين في قضاء يوم بأحضان الطبيعة والتراث بعيداً عن صخب المدينة جاءوا إليه من شتى محافظات القطاع، لافتةً إلى أنها ترفض تأجيره مقابل المال، بل تتركه على حاله ليستضيف الزوار وتجرى داخله جلسات الصلح بين المتخاصمين، وأخرى للسمر خاصة في ليالي الصيف.

فتبدأ يومها منذ ساعات الفجر الأولى، وتتناول طعام الفطور، وتتوجه إلى الكوخ لتتفقده وتعتني به وبمقتنياته، حفاظاً على شكله الداخلي والخارجي، مختتمة أنها سعيدة بتلك النباتات التي باتت تغطي سطحه طوال فترة الشتاء مانحة إياه رونق خاص.