كاتبة تغوص في عوالم النساء وقضاياهن

لطالما شعرت الكاتبة المغربية لطيفة باقا، أن قضية المرأة هي قضيتها الأولى وأن الأدب من شأنه المساهمة في تسليط الضوء على الأوضاع التي تعيشها المرأة في المجتمع.

رجاء خيرات

المغرب ـ أكدت الكاتبة لطيفة باقا، أن كتاباتها صنفت منذ البداية ضمن الكتابة النسائية أو الكتابة التي تنطلق من عوالم النساء، لأن نصوصها لها علاقة وثيقة بعالم المرأة بخصوصياتها وتفاصيلها، ولتساهم في خلق نقاش حول الحيف الممارس ضد النساء.

ترى الكاتبة المغربية لطيفة باقا أن خدمة القضايا الإنسانية ومن ضمنها القضية النسائية من باب الكتابة هو أمر مسلم به وإن كان غير مفكر فيه بالضرورة، فالأدب والفن بشكل عام مصدران لتصريف المواقف من القضايا الكبرى، منها الانتماء إلى الإنسانية والقضايا المرتبطة بالإنسان عموماً، مضيفةً أن الكتابة هي ربما من بين المصادر الأساسية التي تشيع بالأفكار المرتبطة بالإنسان وبالإنسانية وتمجدها وترسخها لدى القراء، كما تساهم في صناعة وعي مرتبط بالقضايا الإنسانية الكبرى.

وأشارت إلى أن الحديث عن "غرفة فرجينيا وولف" وهو العنوان الذي اختارته لمجموعتها القصصية الأخيرة، عن الكاتبة فرجينيا وولف وعن المطلب الأساسي الذي جاء في مقال طويل لها تحدثت فيه عن ضرورة امتلاك المرأة لبعض المال وغرفة خاصة، مبينة أن الحديث عن هذا المطلب هو حديث عن الاستقلالية المادية المتمثلة في المال والاستقلالية المعنوية المتمثلة في الغرفة.

وحول الحركة النسائية العالمية وعلاقتها بمطالب الكاتبات قالت "هذه الأخيرة سلطت الضوء على مطالب كثيرة منها الثقافية والسياسية والاجتماعية وغيرها، لكنها في تقديري ربما أهملت مطالب ترتبط بالإبداع والكتابة، وبالتالي فالاختيار الذي ذهبت إليه والذي يجعلها في صميم المطالب المرتبطة بالكاتبات تأتي كتكملة لذلك الوعي الذي تشكل لديها والذي مضى في اتجاه اختيارها للكتابة كشكل من أشكال التعبير التي يمكن من خلالها أن تصرف غضباً تجاه مجتمع ذكوري يصنفها في المرتبة الثانية، كما ذهبت إلى ذلك الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار.

وخلصت إلى أن "غرفة فرجينيا وولف" عنوان كتابها الأخير هو عناق ما بين الوعي النسائي وما بين الأدب، وبالتالي فالأدب يمكن أن يساهم في خلق نقاش من خلال وضع الأصبع على مواقع الخلل والحيف الممارس ضد النساء. 

وعن تصنيفها في كونها تكتب من عوالم النساء وقضاياهن، قالت إن بعض النقاد يعانون من لوثة التصنيف، حيث أنهم يصنفون الكُتاب داخل خانات معينة، لافتةً إلى أن كتاباتها صنفت منذ البداية ضمن الكتابة النسائية أو الكتابة التي تنطلق من عوالم النساء، مؤكدةً أن نصوصها لها علاقة وثيقة، بعالم المرأة بخصوصياتها وتفاصيلها، وإن كانت كتاباتها منفتحة على عوالم أخرى.

واعتبرت أنه "يصعب أن نخندق الأدب في مجال ما، وأن الناقد الحقيقي هو الذي يبحث عن تلك الخصائص التي تصنع الأسلوب والتميز دون الذهاب في هذا الخيار التصنيفي الذي يسيء في نظرها للنص ولما يبدعه الكاتب بشكل عام.

وعن علاقتها بالوعي النسائي، أكدت أنه كان مؤسساً للرغبة في الكتابة، حيث أن الكتابة بالنسبة لها ليست بذخاً أبداً بقدر ما كانت حاجة ومصير وضرورة، كما أن اختيارها للقضايا الإنسانية هو ضرورة مرتبطة بالوعي وبرؤية العالم، والحديث عن القضايا الإنسانية يجر إلى الحديث عن مفهوم الحرية والمساواة ودحض ملامح الفكر الذكوري، لذلك فالارتباط الوثيق بين الوعي والكتابة هو أمر بديهي، لافتةً إلى أن أي كتابة لا تنطلق من وعي بعينه تبقى كتابة فارغة تسبح في الفضاء دون أساس ولا جذور في الفكر الإنساني.

وبشأن ما إذا كانت كتاباتها تخدم القضية النسائية، أوضحت أنها امرأة كاتبة وبالتالي فهي تنتمي لجنس بعينه وثقافة خاصة لها خصوصيتها، حيث أنها لم تختر أن تكون امرأة، وبالتالي فهي لم تختر أن تكون القضية النسائية في صميم ما تكتبه.

وعن خدمتها للقضية النسائية قالت "اتمنى ذلك وربما يكون التأثير غير مباشر، ذلك التأثير السري الذي يحدث بين النص والقارئ والذي يمكن أن يخلخل بعض البديهيات والقناعات الزائفة، كما أن عالم هؤلاء النسوة اللواتي انتمي إليهن وأعيش بينهن وأتأمل حياتهن ووجودهن يفعل في ككاتبة ما يفعله، والذي يتحول فيما بعد لنصوص وأفكار وصور، وفي النهاية يعطي صورة تفاعلية بين ما أكتبه وما يمكن أن يؤثر هذا في القراء سواءً كانوا إناثاً أو ذكوراً". 

أما عن ارتباطها بقضايا بلدها أكدت أن ذلك يحيل إلى فكرة المثقف والكاتب العضوي باعتبار أن الكاتب هو أيضا مثقف، لافتةً إلى أن هناك العديد من الكُتاب الذين تشعر أنهم لا رابط بينهم وبين ما يحدث حولهم على المستوى السياسي والاجتماعي والتحولات التي تعيشها أوطانهم أو عن التحولات الكبرى الجيوسياسية المرتبطة بالعالم والتغيرات التي تمس الفئات الهشة أو الطبقة المتوسطة.

وبينت أنه في تقديرها هي واحدة من الكُتاب المعنيين بقضايا البلد وأنها غالباً ما تعبر عن مواقفها حول ما يحدث داخل المجتمع من خلال مقالات تنشرها على المواقع وعبر منصات التواصل الاجتماعي "هذا الرأي أو الموقف يمكن أن يتسرب أيضاً للنص الأدبي الذي أكتبه، وبالتالي فهذا ليس اختيار لأنني انتمي لهذا البلد ومشغولة بما يحصل فيه ومعنية بما قد يؤثر في حياة الناس ومصيرهم، بالتالي يمكن اعتباري كاتبة من النوع المنخرط في الشأن العام".

وعن موقفها من الحركة النسائية في المغرب أضافت "لطالما انتميت للحركة النسائية المغربية منذ حداثة سني، لكن في السنوات الأخيرة أصبحت أقل حضوراً وارتباطاً بما يحدث على الساحة النسائية لكني أتابع ما يمكن أن تقدمه الحركة خاصة مع الجيل الحالي والتطورات التي عرفتها والتصورات المرتبطة بالقضية وخصوصيتها"، معتبرةً أن المجتمع المغربي من بين المجتمعات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط الأكثر ارتباطاً بقضاياها ووعيها وبفكرة المساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية.

وأرجعت هذا الانخراط إلى استمرارية الحركة التي بدأت منذ زمن بعيد عندما كانت فكرة جنينية ثم تبلورت وأصبحت واعية ثم تطورت وارتبطت بالعولمة "يمكننا أن نتأمل هذا الجيل ونرى إلى أي حد هناك نوع من التراكم والاستمرارية وهذا يشعرني إلى أي حد لم نكن مخطئات كنساء منخرطات في هذا المشروع المجتمعي عندما طالبنا بالعدالة والمساواة وبالحق في الوجود والتعبير عن الذات ودحض كل مظاهر الحيف الممارس ضد النساء، لا على المستوى الثقافي ولا القانوني ولا الاجتماعي، وبالتالي فالحركة بمطالبها ومكتسباتها مستمرة وهذا ما اعتبره أمراً إيجابياً".