حنان حارت

المغرب ـ ، لكن في مقابل ذلك هناك من الفنانات والمخرجات اللواتي يحملن هم الدفاع عن حقوق المرأة لا يأبهن لكل الأصوات التي تعارض أفكارهن.

عندما تؤمن الفنانات والمخرجات المدافعات عن حقوق المرأة بالعمل يطرحنه بكل جرأة ويشخصنه فوق خشبة المسرح، للدفاع عن حقوق النساء وطرح القضايا المسكوت عنها، فكيف إذاً تناولت خشبة المسرح قضايا المرأة المغربية المثيرة للجدل؟ 

 

إزاحة الأقنعة

قبل حوالي أسبوع كان الجمهور المغربي مع العرض الأول من مسرحية "القناع"، وخلال ساعة ونصف كان الحضور مع تجسيد لواقع المرأة؛ تم خلاله التعبير عن مكنونات الخبايا من عنف وضرب وألم تتعرض له النساء، وكانت هناك دعوة لكل النساء إلى التعبير عن مواقفهن وسلوكياتهن داخل المجتمع بكل جرأة.

المسرحية أخرجتها نعيمة زيطان، وهي مخرجة نسوية؛ تحمل هموم المرأة المغربية، إذ تناضل من أجل قضايا النساء فوق خشبة المسرح، وجل أعمالها تصنف في خانة التابوهات. 

 

 

تقول المخرجة نعيمة زيطان لوكالتنا أن "مسرحية "القناع" هي دعوة لإزاحة الأقنعة عن المرأة، أقنعة فرضت علينا كنساء، فرضتها بعض العادات البالية التي لم تعد تساير العصر؛ فرضتها التربية المبنية على الاحتشام، وعدم التعبير، والسكوت، والخنوع... أقنعة تتغير من حيث الشكل واللون، لتكبل في النهاية هذا الكائن الذي هو المرأة".

وتضيف "إن العرض المسرحي عمل شارك في كتابة نصوصه مجموعة من الكاتبات والكتاب، ويتطرق للظروف القاسية التي تعيشها المرأة، بدءاً من الطفولة، إلى المراهقة ثم الفترات العمرية الأخرى؛ انقطاعها عن الدراسة، زواجها المبكر، طلاقها، تحمل مسؤولية الأطفال وحدها، مفهوم العذرية، التحرش، العنف... إنه واقع لم نعد نتحمله، وعلينا أن نعلن عن مواقفنا من كل ذلك، وأن نساهم في التغيير".  

 

واقع وليس تابوهات

برؤيتها الفنية التحررية، تمكنت نعيمة زيطان من أن تصبح المدافعة عن حقوق المرأة المغربية، وهذا ما جعل أبرز المواضيع التي تتناولها أعمالها توصف بـ "الجريئة"، "أحاول أن أتحدث في أعمالي المسرحية والسينمائية عن واقعنا كنساء، ولا أعتقد أن ذلك يدخل في إطار "التابوهات"، إذا اعتبرها المشاهد كذلك، فثمة خلل ما يجب أن نكتشفه، ونتعامل معه، لأن كل مواضيع مسرح الأكواريوم نابعة من الواقع المغربي، من مدنه وقراه، من موسيقاه، من ثقافته، ولا يمكن ألا نتعامل مع مشاكلنا، وتساؤلاتنا، وقضايانا... وعلى الفنون أن تتفاعل مع حياتنا". 

وحول ما إذا كانت تسعى من خلال أعمالها إلى تغيير العقليات تقول "العمل على تغيير العقليات هي مسألة صعبة تحتاج عملاً مستمراً، مثلما تحتاج تظافر كل الجهود من مختلف القطاعات، لأننا نتعامل مع تاريخ ثقافي متجذر، مع عقليات مؤمنة بأفكارها وامتيازاتها الذكورية".

 

حينما يتكلم الجسد

في عام 2012 قدمت المخرجة نعيمة زيطان مسرحية أثارت لغطاً كبيراً في المغرب آنذاك، بعنوان "ديالي"؛ بمعنى ملكي وفي اللهجة المغربية تشير الكلمة للعضو التناسلي للمرأة؛ كان الاقتباس من المسرحية الأمريكية "مونولوغ المهبل". 

هذا الاختيار كان كافياً ليجر عليها انتقادات لاذعة، وعن هذه التجربة تقول نعيمة زيطان "ديالي مسرحية استقت مادتها من محترفات وورشات أنصتنا فيها لأكثر من مائة امرأة لمدة سنة تقريباً، كان ذلك في مسرح الأكواريوم، لذلك فإن ،"ديالي" كغيره من الأعمال يتطرق للمرأة، غير أن الفرق هو أن "ديالي" بنيت على قصص واقعية، تطرقت بالخصوص للقضايا المرتبطة بالجسد، لذلك كانت عملية التلقي صعبة بالنسبة للبعض من الجمهور".

 

ميراث المرأة

يعتبر ميراث المرأة من القضايا التي يثار حولها الجدل بين حين وآخر خاصة خلال السنوات الأخيرة، حيث يدخل هذا الموضوع ضمن التابوهات في المغرب، كما يصعب طرحه مسرحياً لأن إبلاغه للمتفرج ليس بالأمر السهل.

المخرجة نعيمة زيطان عملت على طرح هذا الموضوع أيضاً من خلال مسرحيتها "طرز الحساب"، وقدمت أسلوباً ساخراً للتعبير عن الظلم الذي يلحق المرأة في الميراث، وهيمنة الفكر التقليدي والعقلية الذكورية.

وعن الرسالة التي ترغب المخرجة إيصالها من خلال أعمالها تقول "أريد من خلال كل أعمالي أن أصر على مبدأ المساواة والمناصفة، أن أكسر التابوهات، أن نتجاوز الخطابات المبنية على النمطية والأحكام المسبقة، أريد أن أقول إن مجتمع حداثي سوي منفتح متطور لا يمكن أن يكون دون المرأة والرجل، دون علاقات حب واحترام وأخوة، واجتهاد وتقبل الآخر". 

هناك عدة مسرحيات أخرى أيضاً طرحت حق المرأة في الميراث كمسرحية "القسمة" التي أشرف على كتابة نصها الكاتب المسرحي عصام اليوسفي وأخرجها مسعود بوحسين وأعد سينوغرافيتها رشيد الخطابي.

المسرحية تم عرضها أول مرة عام 2017، ولا زالت تعرض لحد الساعة، حيث قررت الفرقة المسرحية إعادة عرضها في مقرات الأحزاب السياسية بهدف التوعية بالحيف الاجتماعي الذي يطال المرأة في موضوع الإرث.

المسرحية تطرح تساؤلات جوهرية شائكة طالما أثير حولها جدل كبير واجتهادات كثيرة، تدور أحداثها حول عدة قصص لعائلات مختلفة تعيش مجموعة من الصراعات ذات الصلة بالميراث، حيث تتحدد العلاقات الإنسانية عبر الوضع الاجتماعي والعائلي لكل فرد.

 

 

تقول الفنانة المغربية فضيلة بنموسى وهي واحدة من بين الشخصيات الرئيسية في مسرحية "القسمة"، "المسرحية صالحة للعرض في أي زمان، لأنها تحمل قضية مهمة تتعلق بالظلم الذي يلحق المرأة في الميراث، لقد اخترت العمل في هذه المسرحية لأنها توعوية وجادة، وتتطرق لموضوع حساس، خاصةً فيما يتعلق بهضم حقها بشكل أو بآخر، لاسيما ما يتعلق بحقها في الإرث في الأراضي السلالية".

وأوضحت "نحاول أن نقرب بين الأفكار المختلفة والمجتمع لحل بعض المشاكل، استشرنا العديد من الفاعلين ومنهم مختصون في الدين وآخرون في القانون وغيرهم، لتقديم عمل فني متزن ومتوازن يحترم ذكاء وخصوصية المتفرج المغربي".

وأشارت إلى أن طاقم عمل المسرحية حاول معالجة المشاكل والقضايا المجتمعية فنياً، وعن ردود فعل متابعي المسرحية خاصةً وأن قضايا الإرث تثير جدلاً تقول "كان هناك تخوفات خلال العروض الأولى بالمدن الكبرى، لكن لكون المسرحية معالجة بطريقة فنية كوميدية؛ سمح للمشاهد بالاستمتاع، كما أننا لا نعطي رأينا بشكل مباشر في الموضوع، فقط نقدم المشاكل ونسلط الضوء على الحيف والظلم الذي يقع للمرأة، ونترك للمتابع الحق في الاختيار"، وأكدت في ختام حديثها أنها فخورة لمشاركتها في مسرحية "القسمة" العمل الذي تطرق لأكثر القضايا أهمية في المجتمع.