حق الإضراب... تأثير مشروع القانون على النساء في القطاعات الهشة في المغرب
يعد مشروع القانون التنظيمي للإضراب في المغرب أحد أبرز القضايا التي تثير الجدل حالياً بين الحكومة والنقابات العمالية.
حنان حارت
المغرب ـ يهدف مشروع القانون التنظيمي للإضراب إلى تنظيم ممارسة حق الإضراب بما يضمن التوازن بين حقوق العمال وضمان استمرارية المرافق والخدمات الأساسية، في حين تراه النقابات بأنه مشروع يتضمن مقتضيات تقيد الحق الدستوري، مثل اشتراط التصويت على قرار الإضراب من قبل أغلبية العمال، وفرض عقوبات على المخالفين.
تعد النساء العاملات من أكثر الفئات تأثراً بهذا القانون، خاصة في القطاعات التي تعاني من هشاشة العمل، فالتقييدات المقترحة قد تضعف قدرة النساء على الدفاع عن حقوقهن، لا سيما في ظل ارتفاع نسب التمييز في الأجور وظروف العمل غير اللائقة التي تواجهها العديد منهن، كما أن الأعباء الاجتماعية والاقتصادية التي تتحملها النساء، إلى جانب العمل غير المأجور داخل البيت، تزيد من هشاشتهن وتجعل الإضراب وسيلة ضرورية للدفاع عن مصالحهن، مما يبرز خطورة تقييد هذا الحق.
واعتبرت عضوة الاتحاد التقدمي لنساء المغرب زهرة محسين، أن مشروع قانون الإضراب في صيغته الحالية يشكل خطوة في اتجاه تقييد حقوق العاملات والعمال وتكميم أفواههم.
وأكدت أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب يحد من حرية العمال في التعبير عن مطالبهم، كما يضع شروطاً صارمة لتنظيم الإضرابات، مما يجعل من الصعب على النقابات اتخاذ هذا الإجراء الذي يعد حقاً أساسياً في الدفاع عن حقوق العمال.
وأبرزت أن هذا المشروع يتناقض مع ما جاء به الدستور المغربي في الفصل 29، حيث ضمن الدستور حق الإضراب للمواطنين كحق أساسي في إطار احترام حقوق الإنسان.
وأشارت إلى أن المشروع في حالته الحالية يعتبر تكبيلاً لحق الإضراب، حيث يفرض تعريفاً ضيقاً يتعلق فقط بالعلاقة بين الأجير وصاحب العمل، مستثنياً بذلك جميع فئات المجتمع الأخرى "إنه يضرب حقاً أساسياً من حقوق الإنسان".
وأوضحت أن المشروع يجعل الإعلان عن الإضراب أمراً معقداً، حيث يتطلب إعلام رئيس الحكومة وصاحب العمل والعديد من الأطراف، مما يمثل تقييداً لهذا الحق.
وأكدت أن من يقوم بالإضراب هو العامل المهمش المتضرر الذي لا يملك أي وسيلة أخرى للدفاع عن حقوقه، مضيفة أن هذا القانون يضع شروطاً تعجيزية بحيث يصعب على النساء العاملات في قطاعات غير مهيكلة أو في المنازل المطالبة بحقوقهن، لافتة إلى أن الإجراءات التي يتطلبها القانون قد تؤدي إلى فرض غرامات مالية تصل إلى 50 ألف درهم "5 آلاف دولار".
وطرحت زهرة محسين تساؤلات حول منطق هذا القانون، معتبرة أن فرض غرامات مالية كبيرة على المضربين، خاصة في حال تعرضهم لظروف صعبة مثل الحريق أو أزمة صحية، يعيق قدرتهم على ممارسة حقهم في الإضراب لحماية حقوقهم وظروفهم.
وأوضحت أن الغرامات المرتفعة، التي تصل إلى 50 ألف درهم، تعني تجريد العامل من حقه في الإضراب وطرده من العمل، وبالتالي تدمير قدرته على تأمين قوت يومه، مبينة أن مشروع قانون الإضراب يتجاهل الواقع الصعب للعمال، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والتضخم الذي يواجهه الأفراد، وخاصة النساء العاملات اللواتي تعملن في ظروف قاسية ودون الحد الأدنى للأجور.
وبينت زهرة محسين أن حق الإضراب في المغرب يمتد إلى ما قبل تأسيس النقابات، حيث كان وسيلة نضال وطني لتحرير الوطن، واليوم يجب أن يحافظ على نفس الروح لضمان حقوق العمال وحماية مكتسبات الطبقة العاملة، مضيفة أن مشروع قانون الإضراب في صيغته الحالية سيؤثر بشكل خاص على العاملات، لا سيما في القطاعات التي تعاني من أوضاع صعبة وغير مهيكلة، حيث سيجعل من الصعب عليهن ممارسة حقهن المشروع في الإضراب.
وبينت أن المشروع يشبه وضع قيود على العامل ثم مطالبته بالدفاع عن نفسه، مشيرة إلى أن قانون الحريات لا يجب أن يتضمن غرامات مالية على من يمارس حقه في الإضراب "لدينا الآن قانون تنظيمي لحق الإضراب، لكنه يفرض غرامات تصل إلى مبالغ كبيرة، وهذا لا يستقيم مع مفهوم الحريات".
وأضافت أن المشروع يتجاهل دور مفتشي العمل والوزارة الوصية، حيث تغيب الآليات اللازمة للتفتيش أو البت القضائي السريع في نزاعات العمل، مؤكدة أن القانون يميل لصالح أصحاب العمل، إذ يمنحهم حق اللجوء إلى القضاء بسهولة بينما لا يضمن ذلك للعاملين، مما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص.
واعتبرت أن الإضراب هو وسيلة العامل لحماية حقوقه، وعند تقييده يصبح العامل والعاملة بلا حماية قانونية، وهو وضع يزيد من معاناة العاملات على وجه الخصوص "النساء العاملات غالباً ما يتم استغلالهن كجيش احتياطي للعمل بسبب حاجتهن الماسة للوظائف وإعالتهن لأسرهن".
وتابعت أن مشروع القانون يضعف قوة العمل ويمنح الأفضلية لرأس المال، مؤكدة أن الحكومة ووزارة الشغل لم تظهرا حسن النية في إعداد قانون يضمن حقوق العمال والعاملات، بل عمدتا إلى تمريره بعيداً عن الحوار الاجتماعي، ما يعد خروجاً عن السياق الدستوري والحقوقي الذي أرساه المغرب منذ 2011.
وقالت إن الاتحاد المغربي للعمل قد وجه مذكرة واضحة وشاملة إلى وزير الشغل بخصوص مشروع قانون الإضراب، تضمنت ديباجة تسلط الضوء على ضرورة انسجام هذا القانون مع مبادئ الدستور المغربي، والمواثيق الدولية، واتفاقيات منظمات العمل الدولية، كما استعرضت المذكرة تاريخ الحركة النقابية المغربية وما حققته من إنجازات في مجال الإضرابات الناجحة التي أسهمت في تحقيق الصالح العام، عبر التوفيق بين مصالح العمال، أرباب العمل، والبلاد بشكل عام.
وأوضحت زهرة محسين أن من بين المطالب الأساسية للنقابات هو تقديم تعريف شامل للإضراب يضمن الحق لجميع الأفراد والجماعات في ممارسته، دون تقييده أو تخصيصه لنقابات معينة.
وشددت على أهمية إرساء مقترحات واضحة لتجنب "البلوكاج" في الحوار بين النقابات وأرباب العمل، مؤكدة على ضرورة إنشاء آليات فعالة للوساطة تساهم في حل النزاعات بين الطرفين قبل تفاقمها، مشيرة إلى أن إطالة مدة الإضراب ليست في مصلحة العامل ولا صاحب العمل "بدلاً من فرض العقوبات أو استبدال العمال بآخرين، يجب التركيز على الوساطة كحل عملي ومنصف".
وانتقدت استمرار العمل بالفصل 288 من القانون الجنائي، الذي وصفته بـ "الفصل المشؤوم"، لما له من تأثير سلبي على العمال والعاملات، حيث يعاقبهم عند ممارسة حقهم في الإضراب، مطالبة بضرورة إلغاء هذا الفصل باعتباره أداة قمعية لا تتماشى مع التطورات الحقوقية التي عرفها المغرب.
ودعت زهرة محسين إلى الحفاظ على جميع أشكال الإضراب، بما في ذلك الإضرابات التضامنية والفجائية والسياسية والتناوبية "كل نوع من الإضرابات له دوره وأهميته في الدفاع عن حقوق العمال"، مضيفةً "نحن بحاجة إلى قانون ينظم الإضراب بشكل عادل ومنصف، دون أن يكون أداة لتكبيل هذا الحق الدستوري".
وفي ختام حديثها وجهت زهرة محسين رسالة للنساء العاملات، داعية إياهن إلى مواصلة النضال من أجل حقوقهن "على النساء أن تكن أكثر وعياً بالقوانين التي تؤثر عليهن، وأن تعملن على تعزيز التضامن بينهن، لأن قوتنا تكمن في وحدتنا، وحقوقنا لا يمكن المساس بها، ويجب أن نظل متحدات لمواجهة التحديات القانونية والاجتماعية التي تعترض طريقنا".
ويذكر أن مشروع قانون تنظيم الإضراب في المغرب أثار جدلاً واسعاً منذ بداياته، حيث يعود إلى ما يقارب عشر سنوات حين قدمته الحكومة لأول مرة إلى البرلمان في أوائل عام 2015، ومنذ ذلك الحين، بقى المشروع حبيس الرفوف، وسط تباين الآراء حول مضمونه وتأثيره على الحقوق النقابية، وفي تموز/يوليو 2024، عادت الحكومة لإدراجه على جدول أعمال البرلمان، ما جدد النقاش حوله وأشعل التوتر بين النقابات والحكومة، وإذا ما تمت المصادقة على هذا المشروع، سيتم نشره في الجريدة الرسمية، ليخرج حيز التنفيذ، مما سيشكل منعطفاً حاسماً في العلاقة بين الحكومة والنقابات.