فوزية مرعي... إرادتها أكبر من عمرها

خاضت فوزية مرعي معركة مع ظروف الحياة والحرب، لتعيد أغلى ما سرق منها وتكمل مسيرتها الأدبية والثقافية عبر انضمامها لاتحاد المثقفين، وتصنف بين قامة أبرز المثقفات في مدينتها.

يسرى الأحمد

الرقة  ـ رغم تقدمها في السن إلا أنها لم تفقد الأمل في النجاح بل أكملت مشوارها الثقافي والادبي، "فبالتحدي والإصرار تتحقق الأهداف"، هذه العبرة التي استخلصتها فوزية المرعي من خلال تجربتها الأدبية والثقافية في الحياة.

تشتهر مدينة الرقة منذُ القدم ببروز قامات من المثقفات والفنانات، ورغم الظروف الصعبة التي مرت عليها إبان سيطرة داعش وأعلناها عاصمة لهم وحاول النيل من ثقافة المنطقة وخاصة التي تحافظ عليها المرأة، إلا أنه بعد تحرير المدينة تمكنت النساء بإرادتهن القوية وبفضل مشروع الأمة الديمقراطية من المشاركة في كافة مجالات الحياة.

فالمرأة عرفت منذ القدم بارتباطها الوثيق بالجانب الثقافي وعلاقتها الوطيدة به كونه المتنفس الوحيد الذي يمكن أن يعبر عنها وعن أفكارها ومواهبها الثقافية والعلمية وعما تشعر به.

فوزية المرعي في العقد السابع من عمرها إحدى النساء البارزات في المجال الأدبي والثقافي، التي اضطرت إبان سيطرة داعش إلى الهجرة خارج سوريا وترك كل كتبها ومكتبتها خلفها لتصبح رماداً بعد أن أحرقها داعش بهدف القضاء على الثقافة وتخويف النساء من إتمام مسيرتهن الثقافية.

لم يطول الأمر كثيراً فداعش اندحر في المنطقة وبدأت ولادة جديدة لكافة الشعوب والنساء على وجه الخصوص اللواتي نهضنا بواقعهن المرير وتحررن مما كن تعشنهن وتقاسين منه، وعلى رأسها المجال الثقافي وحاولن التخلص من آفات الجهل والأمية والتخلف، وتصبحن من الرياديات في تغير واقع مجتمعهن، وحينها اختارت فوزية مرعي أن تعود إلى سوريا وتنخرط في الساحة الأدبية والثقافية كرد للممارسات داعش التي هدفت إلى القضاء على ثقافتها.

وحول ذلك قالت "حبي وشغفي للثقافة دفعني لأكون أول المنخرطين في صفوف اتحاد المثقفين، وأكرس حياتي ونفسي بأكملها تحت ظل هذا الفكر والعلم النير، أردت أن أكون نموذج مثالي وقدوة لغيري، ومصدر إلهام وأمل لنساء المنطقة والعالم، وحاولت مساندة النساء التوقين إلى تنوير عقلهن بالفكر الحر، وتنمية مواهبهن الفنية الدفينة وتطويرها في المجتمع، لأخرجهن من ظلمات الجهل إلى نور العلم". 

وعن التحديات التي واجهتها واعترضت طريقها ومسيرتها الأدبية أوضحت "واجهت الكثير من النقد والآراء السلبية من المجتمع اتجاه مسيرتي الفنية في اتحاد المثقفين، لكن لم أتونى لحظةً من تتمة مسيرتي والوصول لما أريد، فالثقة بالذات والمقاومة في وجه كافة التحديدات والنجاحات والإنجازات الأدبية كانت سلاحي، وإلى يومنا الراهن لا أرى ما وصلت له كافياً كامرأة فالعلم كالبحر لا ينتهي عند حد معين وأسعى جاهدة لبلوغ العلم بذروتهُ".

 

"هدفنا تحقيق نهضة ثقافية وأدبية في المنطقة"

وحول طبيعة عملها ضمن اتحاد المثقفين أكدت "نسعى من خلال أنشطتنا المختلفة ومحاضراتنا الثقافية لنشر الوعي الثقافي والتثقيف للمجتمع، ونركز بشكل أساسي على إشراك دور المرأة في هذ الجانب ومنحها الأفكار الثقافية، ونعمل بروح الجماعة والتكاتف بحكم جميعاً لدينا هدف وغاية واحدة ألا وهي تحقيق نهضة ثقافية وأدبية في المنطقة وخاصة لدى النساء، بعد أن ساد الجهل لسنوات عديدة بعد الحقبة السوداء التي مرت بها الرقة، فأصبحت الثقافة شبه معدومة وافتقر المجتمع لهذا الجانب بالتحديد، وغابت النساء المثقفات وذات المعرفة عن الساحات الثقافية مما أدى إلى سيطرة حالة من الجهل والتي له تأثير على تقدم المرأة والمجتمع".

وعن ارتباط المرأة بالثقافة قالت "عرفت المرأة بالفطرة بمدى ذكائها وبداهة عقلها، ونهج الأمة الديمقراطية فتح المجال أمامها واتاح لها الفرصة لتستعيد جوهرها الحقيقي، وتثبت ذاتها وتظهر ثقافتها وتتحرر من التهميش المجتمعي الذي قمع دورها الثقافي وسلب هويتها".

وأكدت أن "تهيئة الأرضية الثقافية للمرأة ستساهم في بناء شخصية حرة ذات معرفة وفكر حر عبر طرح المفاهيم والأبحاث التي تمكن المرأة من كسر القيود التي تحيطها، وذلك من خلال المحاضرات والندوات والحوارات التي تتناول قضايا المرأة والمجتمع، وأهمية إشراكها في الجانب الثقافي والتوعوي في سبيل بناء مجتمع ديمقراطي حر".

وعن الفئة التي يتم تركيز عليها خلال المحاضرات والندوات أوضحت "نسلط الضوء على المرأة الريفية في محاضراتنا كونها تعتبر الفئة الأكثر تهميشاً من ظل الأحكام العشائرية السائدة والمجتمع الريفي، فنسعى إلى نشر الوعي والثقافة لتشجيعها ولدفعها لأحياء وتنمية مواهبها، فهي التي منذ الازل وخاصة في المجتمع الطبيعي عرفت بمكانتها وثقافتها في المجتمع، كما نعمل على تزويدهن بتجارب وخبرات متنوعة تزيد من المستوى الثقافي والإبداعي لديهن، للقضاء على كل أشكال الجهل وللوصول إلى بناء أسرة متحررة ومجتمع حر ديمقراطي يسوده العدل والمساواة بين الجنسين".

وحول جهود النساء في مدينة الرقة وخاصة على الساحة الأدبية والثقافية أكدت "تسعى المرأة لصنع التغيير والتطوير في شخصيتها بالإمكانات البسيطة التي تمتلكها، رغم كل القيود والانتقادات التي تحيط بها من قبل المجتمع والتي هدفها الحط من معنوياتها لكنها لم تستلم عن المضي لتحقيق أهدافها".

وحول تنظيمها لوقتها بين كتاباتها ومطالعتها وعملها ضمن اتحاد المثقفين نوهت "أنظم وقتي بين مطالعتي وكتابتي وعملي ضمن الاتحاد وأكرس جهدي للمشاركة في كل النشاطات الثقافية لإظهار الجانب الثقافي سواء عبر المحاضرات أو غيرها، ليسطر التاريخ بأبداع النساء وثقافتهن ويثبت قوتهن في محاربة ومواجهة وتحدي ظروف القمع والتهميش التي مررن به على مر العصور ويخلد التاريخ اسمائهن بعناوين الكتب ولتتأرجح كل التضحيات التي قدمنها في ذاكرة الاجيال، فبعد كل معاناة وتحدي يكون هنالك نجاح ونصر، ولهذا يجب على المرء التحلي بالمقاومة والنضال وعدم التراجع أو التواني لتحقيق طموحها".

واختتمت حديثها بالتأكيد على أنه "المرأة تمكنت من القضاء على العوائق التي كانت تواجهها وتعرقل تقدمها في المجتمع، وأصبحت من النساء الرياديات وحققت الاستقلال الاقتصادي، فهي نواة المجتمع وعماد بنائه وكل امرأة تستطيع أن تأثر بالنساء من خلال نضالها الدؤوب والمستمر وتشجعهن للانخراط وتنمية مواهبهن الفنية".