فنانة فاقدة للسمع والنطق تبدع بالريشة والألوان
جعلت لمى العبادي من الفن نافذة تطل بها إلى العالم، فوجهت رسالة لكل شخص لديه مشكلة في جسده أو حواسه ألا يستسلم لها، وألا يجعلها سبباً لعدم تحقيق ما يريد، بل بالإرادة والإصرار يستطيع أن يصنع المستحيل.
لينا الخطيب
إدلب ـ لم تمنعها الإعاقة من الإبداع في موهبتها واكتساب مهارات مميزة، فأثبتت أن الإعاقة لا يمكن أن تشكل حجر عثرة في طريق تحقيق الأحلام والأهداف، فالإرادة تصنع المستحيل، فأبدعت ولفتت الأنظار إلى فنها ورسوماتها.
الفنانة لمى العبادي (32) عاماً تنحدر من مدينة جسر الشغور، ورغم فقدانها للسمع والنطق، إلا أنها تتواصل مع الآخرين من خلال فن الرسم الذي برعت به منذ صغرها، وعن ذلك تقول والدتها حياة العبادي "ابنتي لمى لا تنطق ولا تسمع، ولكننا نؤمن أن النقص في حواس الإنسان يجعل لدى الشخص روح إيجابية ليستمر ويصل إلى مبتغاه، فهي تخاطب العالم بالرسم وتحكي رؤاها للناس عبر ريشتها التي رافقتها منذ صغرها حتى اليوم".
وأشارت إلى أنها لاحظت تعلق ابنتها بالرسم والألوان منذ الطفولة، فكانت تقضي وقتاً طويلاً في إنجاز رسومات عن الطبيعة والواقع، وتلونها بألوان جميلة ومنسقة، وبعد ذلك شكل فن الرسم شغفها الأول، وبدأت العمل على تطوير هذه الموهبة من خلال الالتحاق بدورات للرسم في المركز الثقافي بإدلب، الأمر الذي ساعدها أيضاً في صقل إمكاناتها، وتسعى باستمرار لتطوير نفسها في مجال الرسم.
ولفتت حياة العبادي إلى أن ذوي الاحتياجات الخاصة يمكنهم الاندماج في المجتمع بقليل من الاهتمام وإتاحة الفرصة أمامهم ورفع معنوياتهم، مبينةً أن ابنتها شاركت بعدة معارض محلية، وحظيت موهبتها بإعجاب الكثيرين ممن يهتمون بالفن وأصحاب الذوق الرفيع، أما لوحاتها ورسوماتها فتوثق حياة السوريين، وترسم صورة الواقع المرير، وتجسد الآلام والمآسي التي يمر بها الشعب السوري من قصف ودمار ونزوح واعتقال، في محاولة لنقل معاناتهم إلى العالم والرأي العام، كما تهتم برسم الشخصيات.
وأوضحت أن ابنتها تعيش حياتها بشكل طبيعي، وستكمل مسيرتها في الفن حتى الوصول لمستويات عالية، لأن الإعاقة لا يجب أن تقف عائقاً في طريق النجاح والتميز، لأن الإنسان يتجاوز إعاقته بالعزيمة والتحدي بعيداً عن اليأس والاستسلام.
علياء العمري (32) عاماً من مدينة جسر الشغور تعمل معلمة للأطفال حضرت معرضاً لرسومات لمى العبادي، وعن إعجابها بموهبتها تقول "لمى العبادي شخصية مثابرة ونشيطة، تعبت على نفسها فأبدعت وتغلبت على واقعها وقهرت الإعاقة فهي لم تتحدث بلسانها، لكن لوحاتها نطقت عنها ولم تمنعها إعاقتها من الإبداع في الرسم، ولفت الأنظار إلى لوحاتها التي تنقل المحتوى بسلاسة، وتفيض بالمشاعر والأحاسيس وتؤثر في المتلقي".
وأوضحت "رسوماتها مفعمة بالعاطفة والشفافية، ركزت فيها على معاناة الشعب السوري، وصورت تلك المعاناة بطريقة فنية أقرب للنفس وأكثر تأثير في النفس البشرية، فالصورة قد تساوي ألف كلمة وهي أكثر وقعاً في النفس، لأنها إدراك بصري مباشر يستطيع قراءتها من لم يكتسب مهارة القراءة التي يحتاجها الكلام لفهم معناه، كما أن للصورة طبيعة رمزية تجعل المتلقي يفكر فيها كثيراً وتأخذه إلى أفكار كثيرة، في محاولة منها لنقل مأساة السوريين إلى العالم وإيصال صوت المنكوبين، ومساندة قضايا المجتمع".