عفاف عبد المحسن: إن المكان الذي لا يُؤنث لا يُعول عليه
بعد غياب دام لأكثر من 14 عاماً يعود بهو الأدب والفن لممارسة نشاطاته الأدبية والفنية بمدينة بنغازي، على الرغم من أنه في الآونة الأخيرة تم مصادرة هذه الأنشطة في المدينة بحجة الاختلاط والاستماع للموسيقى، وعلقت بعض المنظمات نشاطاتها نتيجة لهذه المصادرة، إلا إن ذلك لم يمنع الحركة الفنية والأدبية في بنغازي من التوقف
ابتسام اغفير
بنغازي ـ ، فهناك منظمات مختصة لازالت تقيم النشاطات، ويجتمع خلالها الشباب والفتيات.
بهو الأدب والفن كان من ضمن هذه المنظمات التي أصرت على الانطلاق لدعم الثقافة في بنغازي، وعدم الركون لمثل هذه الإجراءات الصارمة التي تطال بعض الأنشطة بين الحين والآخر، إذا إنه أول مؤسسة فنية وأدبية تنطلق بعيداً عن مظلة الدولة، تحدثت عن ذلك لوكالتنا مؤسسة بهو الأدب والفن الثقافي الإعلامية والإذاعية عفاف عبد المحسن قائلة "إنه صوت الأدباء والكتاب والمبدعين الذين مازالت أصواتهم في بدايتها، والذين لم تتح لهم الفرصة بأن تملأ أصداء أصواتهم أروقة البلاد سواء أكان على مستوى ليبيا أو خارجها".
وتضيف "أنطلق هذا البهو من أجل إثراء المكتبة الليبية، وخلق مصادر إعلامية سواء أكانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية أو إلكترونية، وذلك من خلال وجود مثقفين جدد على الساحة يحملوا الراية بعد المثقفين القدامى الذين أثروا الساحة الأدبية عن طريق برامجهم وأعمالهم وأمسياتهم الأدبية المختلفة".
إيجاد مساحة للالتقاء الإبداعي
وعن تأسيس بهو الأدب والفن تقول "تأسس البهو في العام 1996، كنت وقتها مديرة لمركز النهر الثقافي، الذي يزخر بالمراجع المهمة، والكتب، وقاعات للقراء، رأيت أن نجتمع مع مجموعة من الأصدقاء الذين تنصب اهتماماتهم بالثقافة والأدب، من أجل أن نثري الساحة الثقافية، وذلك عن طريق إيجاد مساحة للالتقاء الإبداعي كل يوم أربعاء، نقوم فيها بقراءة كتب ومن ثم نجتمع ونتبادل الآراء ووجهات النظر حولها، كنا نسهب في الحديث، ونصب أفكارنا في أفكار بعض، وأذهاننا، ووجداننا، وذلك في إطار الصعود بإبداعنا، وبدأت القاعة الصغيرة تضج بالمبدعين الصغار، وشعرنا أنه من واجبنا أن نتوسع ونمنح مساحة للقادمين الجدد، ساعدتنا في نشاطاتنا صحيفة أخبار بنغازي، وإذاعة بنغازي المحلية، ومجلة الثقافة العربية من ناحية إعلامية".
وتضيف "اتسعت الدائرة وازدحم المكان بنا فرأينا أن ننتقل لمكان يتسع للجميع فتم استضافتنا بدار اكاكوس التي كانت تقع في قلب المدينة القديمة بمدنية بنغازي وتضم عدة أروقة، اتخذنا رواق الفن والأدب مقراً لنا، وأصبح ملتقانا نصف شهري، وأصبح الرواق مكاناً يجتمع فيه الأدباء والكتاب والفنانين والصحافيين وأعضاء هيئة التدريس ليس من بنغازي فقط وإنما على مستوى ليبيا".
وقالت بأنها سعيدة جداً بأن معظم الأدباء على الساحة الليبية الآن، كانوا من ضمن أعضاء البهو وانطلاقتهم كانت منه "الشعر المحكي انطلق وعُرف على مستوى ليبيا من خلال البهو، كانت أيام جميلة أثرينا البهو بوجود شخصيات أدبية من مختلف المدن الليبية، حتى أن اللجنة الشعبية للإعلام والثقافة في ذلك قامت بدعمنا".
"تم استدعائي في طرابلس من أجل التحقيق معي"
وعن تعرضها لمداهمة جلسات البهو من قبل الأمن الداخلي آنذاك تقول "لم أتعرض لمثل هذه المواقف، إلا أنه تم استدعائي لمدينة طرابلس من أجل التحقيق معي في موضوع معين وعندما أتضحت لديهم الرؤية، وعرفوا أن الفكرة ناضجة وليست جديدة، وأن الفكرة لم تنطلق من بيتي وإنما هي تقام داخل أروقة الدولة، وكان سبب هذا الاستدعاء، بعد أن حضر أحد الدبلوماسيين التابعين للقنصلية الفرنسية آنذاك هو وزوجته وكانت فنانة تشكيلية، إحدى جلسات البهو بصفة غير رسمية، ولم تكن لدي خلفية عن الإجراءات المتبعة آنذاك عن استقبال دبلوماسي، دون إجراءات مسبقة، فعندما دخل علي هو وزوجته لم استطع منعه من الدخول وأخبره أن يقوم بإجراءاته أولاً ولكن استقبلته فقط".
وعن توقف نشاط البهو تقول "كانت الجلسات الخمسة المكثفة التي أقيمت في 2007، آخر الجلسات لبهو الأدب في بنغازي، لأنني انتقلت للعمل في طرابلس رسمياً واستلمت مهمة مدير عام إذاعة الجماهيرية المسموعة آنذاك على مستوى ليبيا، فلم أستطع من ضغط العمل أن استمر في جلسات البهو، وأقيمت عام 2013 جلسة تم استضافتي فيها بحكم أنني المؤسسة، ولكنه لم يستمر لأن الصديقة التي تكفلت بالاهتمام بالبهو توفيت".
"المصداقية التي أتعامل بها هي ما جعلت البهو يستمر"
وعن سؤالنا لها بأنه في الأوساط الأدبية والفنية يشاع أن البهو استمر لأن مؤسسته امرأة، فلو كان المؤسس رجلاً لما استمر البهو بهذا العطاء ما رأيك في هذا القول؟ فهل فعلاً الأنثى هي الأم التي تجمع حولها الناس في صفا وود؟ تجيب "الجانب الأمومي موجود لدي بشكل كبيرة، لدرجة أنني تبينت كثيراً من الشباب الصغار أدبياً، وثقافياً، كان من ضمن المواقف الطريفة بخصوص ذلك أنني اتصلت بأم أحد الشباب الصغار الذين يكتبون الشعر بشكل جميل ويحتاج إلى دعم أخبرتها أنني تبنيت ابنك فقالت بشيء من الحزن كيف تقومين بتبنيه وهو لديه أم فأخبرتها بأنني تبنيته أدبياً وثقافياً، التعامل بود هو أساس صحة العلاقات الإنسانية، أنا أقوم باحتواء الجميع، الاحتواء شيء جميل، بالإضافة إلى أنني لست إنسانة مادية فأنا لم أطرق أبواب مؤسسة من أجل طلب الدعم، وإنما كان همنا هو نشر الثقافة والأدب ويكون لدينا كم هائل من المبدعين، لتصل أصواتنا إلى خارج ليبيا، إلى مصر وتونس والمغرب، إن المصداقية التي أتعامل بها هي ما جعلت البهو يستمر، فالمرأة هي المجتمع بالكامل، والأنثى هي الحياة، وسوف استعير قول لأبن عربي أنا بلورته بشكل مختلف: إن المكان الذي لا يُؤنث لا يُعول عليه".
"حضورك افتراضياً لا يلغي الحضور الفعلي"
وعن العودة إلى العمل بعد غياب دام 14 عاماً في شهر نيسان/أبريل تقول "حضورك افتراضياً لا يلغي الحضور الفعلي وجهاً لوجه، فالتجاوب المباشر بينك وبين الأشخاص شيء مختلف وجميل، فبالتأكيد أن الشاشة الإلكترونية التي تجمع الناس عن طريق دورات أو اجتماعات "أون لاين"، إنما هي مجرد حاجز زجاجي إلكتروني لا يعطي المشاعر الحقيقية ولا تبث الروح الحقيقية في النقاش الأدبي أو الفني أو الرؤية الصحيحة المباشرة، فاللقاء المباشر لا أحد يستطيع الاستغناء عنه، فهناك شباب لديهم محتواهم الفني أو الأدبي على الفيسبوك ولكن حضروا جلسات البهو وأعجبتهم هذه التجربة وشعروا أنهم جزء منها وبالتالي هم سيكررونها ولن يكتفوا بالافتراضي فقط، اللقاء الإنساني له طعم آخر ونكهة أخرى".