دار العين للنشر... ربع قرن من العمل على القضايا الثقافية

عملت دار العين للنشر على مدى ربع قرن من تنويع إصداراتها التي تتعاطي مع الواقع وقضاياه وتستهدف التهيئة الثقافية للإنسان العربي.

أسماء فتحي

القاهرة ـ في الوقت الذي تتحدث فيه الكثيرات عن التنميط المجتمعي المؤثر على وضع النساء ومستقبلهن، هناك أخريات حفرن في الصخر واعتلين قمة المؤسسات محققات نجاح كاسر لكل تلك الأفكار دون الاهتمام بما يروج بشأن نوعهن الاجتماعي مستخدمات ما امتلكنه من مهارات وأدوات لتحقيق طموحاتهن.

واحدة من المبدعات اللواتي حققن نجاح في عالم تأليف الكتاب هي الدكتورة فاطمة البودي، مؤسسة ومديرة دار العين للنشر واستشارية تحاليل طبية في جامعة عين شمس، والتي أوضحت لوكالتنا في حوار معها عن مسار عملها في مجال سيطر عليه الرجال لسنوات طويلة وكيف تمكنت من خلق مساحة جديدة ومختلفة لدار النشر التي أسستها منذ نحو ربع قرن وتمكنت خلالها من تحقيق المستهدف منها وطرح مجموعة متنوعة من الكتب خاصة ما يتعلق منها بمجال الثقافة العلمية.

وتنوعت مجالات النشر في الدار بحسب ما بينته الدكتورة فاطمة البودي، لتشمل أيضاً الأدب والدراسات الأدبية والتاريخ والشعر، وأيضاً الاهتمام بالمواهب الشابة والمبدعين الجدد، معتبرة أنهم لا يهتمون بنشر كم كبير من الكتب والسعي خلف الربح بقدر التركيز على نوعية ما يقدمونه لتهيئة الإنسان العربي وإلحاقه بركب المعرفة.

 

حدثينا عن الخطط التي مكنتكم من تحقيق النجاح ولتصبح دار العين للنشر واحدة من أهم الدور لاختلافها فيما تقدمه للقراء وتنوعها؟

الأمر بالفعل استلزم وضع خطط محكمة وتحديد للأهداف مع التمسك بحزمة من القيم للتمكن من العمل في الاتجاه الصحيح وتحقيق النجاح في مجال يسيطر عليه الرجال.

وعملت على طرح مختلق بداية من الكتب العلمية المترجمة بتنويعاتها كجنس ثقافي غير متوفر في المكتبة العربية مع الاهتمام بالإبداع، والالتزام بتقليد إعادة نشر أهم الكلاسيكيات من الأدب المصري كل عام.

ولم تتوقف الدار عند كبار الكتاب والأسماء اللامعة في المجال، بل اتجهت لتبني المواهب الشابة من صغار المبدعين وأصبحت قوة النص أهم من أية تفاصيل أخرى وهو الأمر الذي جعل هناك تميز فيما نقدمه للقارئ في مختلف المجالات.

وقد تم إنشاء الدار لتكون تجربة مختلفة تساهم في تهيئة العقل العربي لعالم شديد التغير بفعل التكنولوجيا التي باتت تهدد الإبداع أيضاً، ونحن لا ننشر الكتاب الرائج وحتى الآن نحافظ على نشر الشعر رغم أن الكثير من الدور ترفض ذلك، كما أننا ننشر القصة القصيرة وأيضاً الكتابات السردية الغير مصنفة ولكنها كتابة بحتة جميلة في حد ذاتها.

 

كيف أثر اهتمامك العلمي على عالم الثقافة والإبداع؟

دراستي العلمية هي أحد أهم أسباب تميز الدار واختلافها لأنها وجهت تفكيري نحو نشر الثقافة العلمية من خلال الموضوعات المكتوبة بشكل سهل يمكن لأي شخص فهمها وهضمها دون أية صعوبة أو تعقيد.

وما زلنا نواصل النشر في هذا المجال الغير مقتصر على العلوم ولكنه شمل أيضاً الدراسات الاجتماعية وغيرها من تنويعات الإبداع ومجالاته المميزة والتي لاقت قبول كبير.

 

إلى أي مدى تجدين تأثير التنميط المجتمعي على مستقبل النساء ونجاحهن؟

تتحمل المرأة عبء تلك القضية بدرجة كبيرة والتي يجب أن تعامل نفسها على إنها إنسان لديه عقل وكرامة، ولا تقبل بأية تنازلات لكونها أول طريق الانهيار، فطالما لديها موهبة ومؤمنة بها عليها المحاربة من أجلها.

وفي بداية دخولي لهذا المجال تعجب الجميع من وجود امرأة لديها القدرة والقوة والرغبة في أن تصبح رقم مهم في عالم النشر ولكن إصراري على ذلك جعلني أحقق ما أصبو إليه.

ولا يشكل نشر الكتاب أزمة أو توجد به تفرقة أساسها النوع الاجتماعي ولكن الصعوبة الحقيقية تكمن في التوزيع لكونه يعتمد على العلاقات مع الموزعين وكونك امرأة وفي البدايات قد يجعل البعض محجما عن العمل معك ومع الوقت تغير الأمر وباتت هناك الكثير من الفتيات لديهم دور نشر وأتمنى أن تواصلن وتنجحن لأن الاستمرار هو العنصر الهام وليست الانطلاقة في حد ذاتها.

 

حصلت الدار على جائزة الشيخ زايد في دورتها الـ 17... فهلا حدثتينا عنها وهل فقدنا القارئ كما يثار في الأوساط الثقافية مؤخراً؟

الجائزة لها العديد من الأبعاد وهي نتاج عمل استمر لنحو ربع قرن وبقدر سعادتي بها بقدر المسؤولية الكبيرة التي باتت على عاتقي بعدها فمن حثيثات حصولنا عليها التنوع في الإصدارات وعدم استهداف الربح بقدر تحقيق القيمة من النشر وهو الأمر الذي سنستمر فيه لأنه يعبر عن قيمنا ومبادئنا في العمل داخل الدار.

والقيمة هي التي تجعل الكاتب والدار متحققين معاً ويحصلون على ما يستحقونه من نجاح، كما أننا بالأساس نخاطب العقل ونسعى لإعماله أثناء القراءة أياً كان تصنيف النص المنشور كالدراسات والتوجهات الثورية الواضحة في الكتابة والتي تدعو للتفكير والمناقشة.

أما عن القارئ فهو موجود بالفعل وهناك شغف دائم بالقراءة رغم ارتفاع سعر الورق وبالتبعية الكتب والأخبار والطباعة والنقل فالنشر وراءه عملية صناعة ثقيلة لا يمكن اختصارها في الخطوة الأخيرة "فالنص يصل وهناك مدقق لغوي يعمل عليه ومحرر ومنسق، وغلاف يصممه فنان، ثم المطبعة ومنها للمخازن واخيراً التوزيع"، وجميع تلك الخطوات تتأثر بالاقتصاد المحلي والعالمي.

 

اتجه الكثير من الكتاب لملف المرأة فكيف ترين ذلك وتأثيره على أزماتها... وماذا تتوقعين من معرض الكتاب القادم؟

الشكوى من وضع المرأة مخزي خاصة إن كان يتم في القرن الـ 21 فهناك حراك قديم منذ أيام هدى شعراوي وسيزا نبراوي حينما قرروا خلع الحجاب والثورة على أوضاع النساء، وخرجت النساء للعمل في المصانع وتواجدت في مختلف الأنشطة الاجتماعية وكانت هناك مساواة حقيقية مع الرجل.

ولكن السنوات الماضية حدث تراجع لهذا المشهد وانزياح تدريجي حتى وصلنا لما نحن عليه الآن، وأرى أن العقلية الذكورية بحاجة لثورة وتنوير فكل دعاة التنوير يثمنون وضع المرأة ومع كل ذلك التقدم الوضع بات في حاجة لمزيد من العمل من أجل استرداد الحقوق، وقد حان الوقت لأن تصبح المبدعات أقوى وواعيات أكثر بأهميتهن وحقوقهن ولا تسمحن بالانتقاص منها.

ما يحدث في مجال بيع الكتب لا يختلف كثيراً عما يتم بشكل عام فيمكننا مراقبة المواطنين في أي مكان سنجد أنهم يقتصدون في مشترياتهم بسبب عدم القدرة على دفع ثمنها وهو الأمر ذاته الذي يحدث في معرض الكتاب لذلك فعلينا دعم الكتاب والتخفيض من ثمنه من أجل القراء.

 

التكنولوجيا والإنترنت سلاح ذو حدين في عالم الثقافة... فإلى أي مدى ترين تأثيرهم على دور النشر سلبياً؟

العلاقة بالفعل معقدة وأرى أنها ستزداد التباسا بالذكاء الاصطناعي فهناك إعلان عن قبول الكتابات لمعرض الكتاب حملت عبارة "ابعتلنا نصك ينشر على معرض القاهرة الدولي للكتاب" وهو أمر تطبيقه صعب فعلياً لأنه سيستغرق وقت لا يمكن توفيره وغيرها من التدخلات التي تحتاج تواجد الحكومة بها لحماية الكتاب والقائمين عليه.

وعملية النشر صناعة حقيقية ومن يقومون عليها يوفون بالتزاماتهم تجاه الحكومة وعلى رأسها الضرائب ولابد من وجود تعاون ووعي بتأثير النشر لكونه يشكل وجدان البلاد وملامحها وهناك الكثير من الدول العربية بدأت تنتبه لذلك وتقدم تسهيلات لدور النشر.

ومسألة الذكاء الاصطناعي معقدة فهناك نصوص تكتب بواسطته وجدل حول حقوق ملكيتها وأرى أن الخبرة هي الفيصل في ذلك الأمر، لأن التطور مهما بلغ مداه لن يستطع جلب المشاعر والأحاسيس وهو الأمر الذي يحمل دور النشر عبء ومسؤولية تجاه المستقبل ويجعل العلاقة الملتبسة بين التكنولوجيا والإنسان تزداد تعقيداً.