"بيت بيوت" مسرحية توثق قصص ناجيات من العنف
ارتفعت نسب العنف ضد النساء وفقاً لتقارير رسمية، ما استدعى أن تتجه الجهات المعنية إلى وسائل توعية نوعية ومنها المسرح التفاعلي، وكان آخرها مسرحية "بيت بيوت" التي وثقت قصص ناجيات من العنف الأسري.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ ضمن مشروع مناهضة العنف ضد النساء والفتيات وبرنامج دعم الناجيات من العنف، اختتمت عروض مسرحية "بيت بيوت" التي انطلقت في ست مناطق ريفية في لبنان، بالتعاون بين الاتحاد النسائي التقدمي ومخرجة المسرحية لينا أبيض.
عن الاتحاد النسائي التقدمي تقول عضو الهيئة التنفيذية ومسؤولة الإعلام في جمعية الاتحاد النسائي التقدمي، ومنسقة برنامج دعم النساء والفتيات الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي غنوة غازي أن "الاتحاد النسائي التقدمي الذي تأسس في سبعينيات القرن الماضي، يهدف إلى التوعية بحقوق النساء والفتيات والمطالبة بها على مختلف الأصعدة وتمكينهن، ومناهضة العنف ضدهن بشتى أشكاله، وتقديم مختلف الخدمات لهن".
وحول مشروع مناهضة العنف ضد النساء والفتيات وبرنامج دعم الناجيات من العنف تقول "ضمن مشروع الدعم لنساء متعسرات، وبهدف تنظيم ملف المساعدات الاجتماعية، قمنا بإصدار استمارة للمساعدات الاجتماعية، بعد دراسة للحالات التي تردنا، يأتي دور زيارة المنازل من قبل متطوعات خضعن لسلسلة من التدريبات تؤهلهن للقيام بدراسة متكاملة تشمل تعبئة الاستمارة، وقد لوحظ خلال هذا البرنامج حالات اجتماعية عدة، وأخذت بعض هذه الحالات تتوجه للاتحاد للتبليغ عن العنف، فضلاً عن ارتفاع حالات العنف نتيجة الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا وفقاً لتقارير رسمية، وهو ما دفع قيادة الاتحاد وبحس من المسؤولية للتخصص في ملف العنف، بالمتابعة بسلسلة من التدريبات المتقدمة لمشاركات وعاملات اجتماعيات تتضمن تقنيات الاستماع الفعال والإرشاد القانوني والدعم النفسي وغيرها فضلاً عن الإحالة إلى جمعيات متخصصة، وبالفعل أطلقنا في تشرين الثاني 2021 برنامج دمج ودعم النساء والفتيات الناجيات من العنف".
وأضافت "العنف منتشر في مجتمعنا، وعلى امتداد المناطق في لبنان وكافة المستويات الاجتماعية ولدى كل المذاهب، تخضع النساء وفقاً للمذاهب المختلفة لمزاج رجال القانون وقد ساهمت الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا بإطالة معاناتهن، وهو ما دفعنا لنكون في الاتحاد سنداً لهؤلاء النساء وخاصة في الأرياف".
ولفتت إلى أنهم في البداية قاموا "بحملات توعية حول العنف المبني على النوع الاجتماعي على مواقعنا على وسائل التواصل الاجتماعي ومنها حملة لمدة 16 يوماً، تضمنت شهادات لنساء عانين من العنف وناجيات منه، شجعنا العديد منهن على كسر جدار الصمت والتكلم عن معاناتهن عبر ندوات ولقاءات، ونحضر للمزيد من الندوات، توازياً مع حملاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي".
وأشارت إلى أنه "بعد هذه الخطوات جميعها، وجدنا أن ما قمنا به غير كاف، وأن هناك وسيلة نوعية للتوعية، وذلك عبر المسرح التفاعلي، وبناء على تجربة سابقة مع المخرجة لينا أبيض، وهي ناشطة حقوقية ومعنية بحقوق النساء من خلال المسرح التفاعلي قمنا بعرض مسرحيتها "بس أنا بحبك" قبل حوالي سنتين وفي مناطق عدة، وتتمحور المسرحية حول العنف ضد المرأة والتي يحاول الرجل أن يسكتها بقوله بس أنا بحبك، لنعيد التجربة في مسرحية بيت بيوت".
"بيت بيوت"... قصص ناجيات من العنف
ولفتت إلى أنه بعد نجاح مسرحية "بس أنا بحبك" تم الاتفاق على تمويل مسرحية "بيت بيوت" للمخرجة لينا أبيض التي تتناول قصص ناجيات من العنف من الحالات التي تابعها الاتحاد، وتمكن من تخطي معاناتهن مع العنف ولكن لا زال لديهن آثاراً نفسية استطعن الحديث عنها وكسر جدار الصمت، ووصلن للاستقلال المادي والمعنوي.
ونوهت إلى أن الجديد في هذه المسرحية هو إدخال الرقص التعبيري كعنصر فعال في حبكة المسرحية، بالإضافة إلى نقاش في نهاية المسرحية مع الحضور، فضلاً عن الإشارة إلى تأثير العنف على الأسرة وخصوصاً الأولاد وما ينعكس على تصرفاتهم من خلال العنف في المنزل والخلل في التوازن العاطفي والنفسي لديهم، وكانت العروض في ست مناطق ريفية وهي قبرشمون، بعقلين، قرنايل، راشيا، إبل السقي وصوفر".
المسرح منصة للتعبير
من جانبها قالت مخرجة مسرحية "بيت بيوت" لينا أبيض أن "المسرح بالنسبة لي ليس فناً وحسب بل هو منصة للتعبير عن الأفكار المرتبطة بقضية، أو فكرة سياسية أو اجتماعية، لذا ففكرة النسوية بالنسبة لي هامة للغاية، كون الفكرة السائدة في لبنان أنه ليس هناك عنف ضد النساء، وأن النساء هنا لديهن حقوق، والحقيقة أن هناك وضع مختل بالنسبة لهن في كافة المجالات، ومن أجل ذلك أسعى لأن يكون هناك دوراً محورياً ومهماً وأساسياً للمرأة كممثلة".
وعن البدايات تقول "شخصياً لم أعِش في حياتي معاناة مع العنف، ولكن مواجهتي الأولى معه كانت فظيعة للغاية، وهي قصة مقتل منال العاصي على يد زوجها باستخدام طنجرة ضغط، وهي الحادثة التي ضجت بها بيروت، بعد أن اتصل زوجها بأمها وأخيها ليخبرهم بأن منال تموت، ورفض نقلها إلى المستشفى مطالباً عائلتها بالإفادة أن الوفاة كانت نتيجة سقوطها في المطبخ، وليست نتيجة العنف الممارس من قبله، ليتم نقلها إلى المستشفى".
ولفتت إلى أن والدة الضحية اعترفت بالحقيقة بعد وفاة ابنتها "منذ ذلك الوقت، بدأت باستكشاف حالات العنف الأسري، ومدى انتشار هذه الظاهرة، ولا سيما وضع الرجال الذين يعنفون نساءهم، من حيث إفلاتهم من العقوبة حيث لا يجري توقيفهم أو سجنهم أو معاقبتهم، بالنسبة لي كانت حالة مريعة ومخيفة"، مشيرةً إلى أن أول مسرحياتها عن العنف الأسري كانت تحت أسم "هيدا مش فيلم مصري" والذي عرض عام 2014، وبعدها أخرجت العديد من المسرحيات التي تتطرق للقضايا النسوية".
وتابعت "من أجل هذه المسرحية، قمت بلقاء نساء احتمين في مأوى لدى إحدى أساتذة الجامعة اللبنانية الأمريكية، وبعد زيارتهن بدأت بإعداد قصصهن للمسرح، وأصرت إحداهن على القول إن "حياتي تشبه فيلماً مصرياً"، لأجيبها هي "حياتك وهي حياة واحدة وهيدا مش فيلم مصري" ومن هنا جاء اسم المسرحية، وسلطت الضوء آنذاك على قصص 8 نساء وأحدثت ضجة كبيرة ليست إعلامية، بل تفاعلية، في نهاية كل عرض يجري نقاش مع الجمهور، خصوصاً بعد صدمته بكون القصص المعروضة حقيقية".
ونوهت إلى أنها "تأثرت بالمسرحية، وانعكست على عملي المسرحي، حيث أعدتها بشكل مصغر بعد سنوات تحت اسم "بس أنا بحبك" التي تروي قصص أربع نساء، وفيها مشهد للأطباق المتكسرة التي أحاول التعبير فيها عن المرأة التي تحاول إعادة تركيب حياتها ووجهها وحياتها الجنسية والاقتصادية والنفسية والتي كسرها وشرذمها الرجل والمجتمع".
وأشارت لينا أبيض إلى أن "العمل تمحور حول قصص ناجيات من العنف ساعدهن الاتحاد النسائي التقدمي ويحاول إخراجهن من دائرة العنف، وجلست مطولاً مع نساء سردن قصصهن ومعاناتهن، فليست المسرحية عن العنف فحسب، بل عن كيفية قيام المرأة بكسر هذه الدائرة، والخروج منها وبناء نفسها، وأردنا أن نركز على الناحية الإيجابية، وأن نفسر للنساء أن ما يتعرضن له ليس حلقة مغلقة".
ولفتت إلى أن المسرحية تعرض حياة امرأتين عانتا من العنف وواجهتاه، وتمكنت إحداهن من أن تصبح محامية "في معظم هذه الحالات لا تخرج المرأة من هذه الحلقة إلا في حال تعرضها للخطر الكبير، وقد لا يسعف الكثيرات الوقت، بأن تصلن إلى الوعي، وكان الأمر مؤثراً للغاية وإيجابياً، أن هناك نساء استطعن أن يكملن وأن يبدأن حياة جديدة مع شريك غير معنف، وأن يصبح لديهن مهنة وأطفال وأن تتحولن إلى شخص فعال في المجتمع".
ومن أعمال لينا أبيض مسرحية "الدكتاتور" ومسرحية "قفص" لجمانة حداد "مسرحية قفص تروي قصص 4 نساء يلتقين لدى طبيب نسائي ويتكلمن عن مشاكلهن العاطفية والجنسية".
وعن مشاريعها المستقبلية تقول "هناك ورقة بحثية سأقدمها ضمن عملي الأكاديمي في المغرب حول عملي المسرحي في مجال النسوية، بالإضافة لإعادة عروض لمسرحية "مذكراتي في سجن النساء" لنوال السعداوي التي أخرجتها في العام 1998، وأعدت عرضها قبل سنتين والتي سيجري عرضها في تشرين الأول في بيروت والمغرب، بالإضافة إلى مسرحية "آخر سيجارة"، تتحدث من منظور الرجال للنساء والنسوية وبالتعاون مع أخصائيين في علم النفس وعلم الجنس وغيرهم، ستعرض خلال شهر أيلول".