بشّعرها تستحضر ملاحم البطولات النسائية المغربية
بالشعر والفن استعرضت الكاتبة والشاعرة المغربية فاطمة معيزي قضايا المرأة والإنسانية، وتعد واحدة من الأصوات التي تنهل من التراث والثقافة المغربية الأصيلة.
رجاء خيرات
المغرب ـ تعد فاطمة معيزي واحدة من الأقلام النسائية التي اختارت أن تعبر عن قضية تحرر المرأة وقضايا إنسانية عديدة من خلال القصائد التي تنظمها في الشعر العامي "الزجل".
التجربة الشعرية لدى فاطمة معيزي توثيق لفترات من تاريخ المغرب الحديث، عبر استحضارها عدد من المحطات النضالية التي لعبت فيها المرأة أدوار بطولية من خلال انخراطها في الحركة الوطنية ومقاومة الاستعمار الفرنسي، خاصة ديوانها "عيوطي على خربوشة"، بهذا الديوان استحضرت فيه شخصية الفنانة الشعبية "خربوشة" التي وقفت في وجه الظلم والاستبداد الذي كان يجسده "سي عيسى" بمنطقة أسفي، كواحد من رجال السلطة المستبدة على الشعب.
نشأت فاطمة معيزي في بيت صوفي، ولكون والدتها كانت تقوم بأداء أشعار المديح في المناسبات حفظت عنها الكثير من قصائد المديح، ولما اشتد عودها وتفجرت طاقتها الإبداعية وجدت نفسها تكتب الشعر بالعربية الفصحى، إلى أن شاركت ذات يوم في ملتقى للشعر وطلب منها أن تنظم قصيدة زجلية، فوجدت أن في جعبتها الكثير من الصور الشعرية التي احتفظت بها ذاكرتها مما سمعته عن والدتها في طفولتها، ومنذ ذلك الحين وهي لا تنم إلا الزجل الذي عبرت من خلاله عن مكانة المرأة وانخراطها في صفوف المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي للمغرب.
وعن بداياتها قالت فاطمة معيزي "علاقتي بفن الزجل بدأ حين شاركت في مهرجان بجمعية رحاب بمدينة اليوسفية، حيث فوجئت بشعراء وشاعرات يلقون قصائد زجلية، وحين جاء دوري ألقيت قصيدة باللغة العربية الفصحى، ومنذ ذلك الحين بدأت أفكر في تنظيم الزجل، فوجدت أنني أحفظ الكثير من القصائد التي كانت ترددها والدتي في المناسبات على مسامعنا عندما كنا صغاراً".
وعن تلك المناسبات قالت "كانت والدتي تحضر كعك العيد وهي تنشد قصائد المديح بعبارات شعرية منمقة، لقد كانت تبدع في صياغتها بحبكة شعرية لا تخلو من الجمالية بحمولة لغوية مفعمة بكل المعاني السامية والقيم الجميلة".
وبعد عودتها إلى مراكش بدأت بكتابة أولى قصائدها الزجلية، فصدر أول ديوان لها بعنوان "ضفاير لالة"، وهو مستوحى من الإرث الشعبي والثقافي الذي تركته والدتها في نفسها، حيث كانت تردد قصائد المديح في كل المناسبات وأثناء الطقوس الاحتفالية.
وتعتبر فاطمة معيزي أن نظم الشعر نوع من التطريز اللغوي البديع، ومن هنا استوحت عنوان ديوانها، حيث تستطيع المرأة أن تغزل خيوط اللغة كما تصنع الضفائر من شعرها، وبالتالي تنظم من خلالها قصائد غاية في الجمال والإبداع.
وفي ذات الديوان تستحضر في بعض قصائدها دور المرأة المغربية في مقاومة الاستعمار الفرنسي، منها والدتها التي كانت تخبئ المنشورات المؤيدة لمحمد الخامس في ملابسها، إلى جانب رموز من المقاومة خاصة والدها الذي كان يخبئ السلاح تحت عتبة المنزل.
كل تلك التجارب والأحداث التي عاشها والديّ فاطمة معيزي خلال فترة الاحتلال الفرنسي والمطالبة بالاستقلال، تحولت لديها إلى خزان من الصور الشعرية التي أضحت قصائد زجلية في دواوينها، كما أنها انتقلت إلى مرحلة أكثر نضجاً في تجربتها الشعرية، عبرت فيها عن قضايا التحرر خاصة تلك التي تعنى بالنساء وقيود المجتمع التي فرضت عليهن، مستحضرة في ذلك نموذج واحد من رائدات تراث "العيطة" هي الفنانة الشعبية "خربوشة" التي دافعت عن أبناء قومها ضد عيسى بن عمر العبيدي بتنظيمها الأشعار التحفيزية لقومها خلال انتفاضتهم وحروبهم ضد الاستبداد والظلم والمضي نحو الانعتاق والتحرر.
استعرضت فاطمة معيزي سيرة خربوشة في قصائدها كواحدة من الملاحم البطولية العديدة التي خاضتها النساء ولعبن الدور الطليعي فيها، من خلال دعم خلايا المقاومة المسلحة، وديوانها الشعري "عيوطي على خربوشة" يجسد هذه البطولات ويستحضر سيرة هذه المرأة التي اعتقلت وعذبت على يد "عيسى عمر العبدي"، لكن ظل صوتها يصدح لتفضح استبداده وطغيانه من خلال أغانيها الشعبية التي كانت ترددها المسماة "عيوط".
وأضافت فاطمة معيزي "تجاربي الأولى في نظم القصائد الزجلية استطعت من خلالها أن أتحرر من الشعر الانطباعي التلقائي الذي ورثته عن والداتي لأنتقل فيما بعد لنظم شعر آخر، ينهل من القيم الإنسانية الجميلة وقضايا التحرر ليأتي ديوان "طويت الما" بمعنى طوبت الماء وهو ما يوحي إلى مرحلة جديدة في تجربتي الشعرية من خلال طرح مجموعة من الأسئلة الفلسفية والوجودية الذاتية، التي عبرت عنها بمجموعة من القصائد عن أصل الوجود والحياة والكينونة والماء باعتباره أصل الحياة".
لا يقتصر انخراطها في حمل الهم الثقافي والدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة بالمغرب على نظم الشعر والزجل فقط، بل صدر لها أخيراً رواية بعنوان "ما تبقى من رماد الذاكرة"، كما أنها رئيسة اتحاد زجالات المغرب، بالإضافة لترأسها لمجلس لبابة للثقافة والإبداع والتنمية، الذي يقيم مهرجاناً ثقافياً كل عام بمدينة مراكش.
وعن المكانة التي يحتلها الزجال/ـة والتي غالباً لا ترقى للشاعر الذي يكتب باللغة العربية الفصحى، ترى فاطمة معيزي أن الزجال هو أكثر قدرة على إيصال مشاعره وإحساسه من خلال لغة عامية يفهمها الجميع، وهي ذاتها لا تخلو من شاعرية وصور مكثفة تنطوي على معاني جميلة، وتحتاج هي الأخرى لتفكيك خطاباتها الشعرية التي ليست دائماً في المتناول، في حين الشاعر الذي ينظم بالفصحى فهو يستغرق كثيراً في اللغة، للبحث عن المفردات والعبارات للتعبير عما يخالجه من مشاعر من خلال الصور الشعرية التي يصوغها.
وبشأن مكانة الشاعرة ودورها في تطوير المجتمع، ترى أن المرأة التي تنظم القصيدة الزجلية تساهم في الارتقاء بالذوق العام، لأنها تنخرط في بناء ملحمة ثقافية ذات أبعاد كثيرة، لافتةً إلى أن المجال الثقافي رهين بخدمة القصيدة الزجلية والزجال سواء امرأة أو رجل، لأن الزجل يعكس الهوية المغربية الأصيلة من خلال القصائد المغناة والتي تعبر عن "تمغرابيت" الحقيقية.
أما الصعوبات التي تواجه الشاعرة الزجالة، قالت إن المرأة المبدعة عموماً لازالت محرومة ولا تحظى بالمكانة التي تستحقها، حيث لا زالت تعاني التهميش والإقصاء، هذه الاختلالات تظهر بشكل كبير أثناء التظاهرات واللقاءات الثقافية، فالمشهد الثقافي لا زال يقتصر في مجملة على الحضور الذكوري أكثر، رغم أن المرأة أثبتت قدرتها على نظم الشعر وكتابة القصة والرواية.
وفي ختام حديثها أوصت فاطمة معيري بإفساح المجال أمام النساء لإبراز قدراتهن الإبداعية، من خلال دعمهن ومنحهن الحرية والحقوق الكاملة، مع مراعاة خصوصية المرأة المبدعة وحساسيتها التي حتماً تختلف عن الرجل، وهناك ضرورة للتوعية بأهمية الثقافة والتراث الذي يميز الشعوب عن بعضها البعض، خاصة في صفوف الشباب الذي يجهل الكثر عن ثقافته وهويته المغربية.