"أيام المسرح" تساهم بتمكين النساء الفلسطينيات
يعتبر المسرح متنفس الشعوب الذي يقدم عبر خشبته العديد من العروض الممثلة لقضاياهم ومشاكلهم بطرق مختلفة
رفيف اسليم
غزة ـ ، وهو أيضاً وسيلة للتعرف على العديد من كبار الكتاب والأدباء من خلال تجسيد أعمالهم أمام الجمهور، ليمثل بذلك مساحة أوسع لتعديل الثقافات أو المساعدة في تقبل بعض الأفكار الإيجابية التي تعمل بدروها على تحقيق التنمية والتطور في المجتمعات، وخاصة القضايا التي تخص النساء وتساعد على تمكينهن لتحقيق مستقبل أفضل لهن.
ولأن المرأة عبارة عن الُلحمة التي تصل أفراد المجتمع ببعضهم البعض فهي الأم والأخت والمعلمة التي تشرف على صناعة الأجيال، سعت مؤسسة "أيام المسرح" لتخصيص عدة برامج لها لتتناسب مع اختلاف موقعها المجتمعي، فركزت بداية على الأطفال ثم انطلقت إلى الشابات والنساء كي تحقق مبدأ التكاملية في زرع فكر ثقافي يتناسب مع الواقع المعاش في قطاع غزة على وجه الخصوص.
وفي لقاء خاص أجرته وكالتنا مع المديرة التنفيذية للمؤسسة في قطاع غزة قالت تانيا مرتجى أن "أيام المسرح" مرآة للمجتمع الفلسطيني، لأنها مؤسسة مجتمعية أُسست منذ نحو 26 عاماً، تحديداً عام 1995، على يد نشطاء التنمية، لمساندة القضية الفلسطينية وبناء مهارات شبابية، "المؤسسة كانت شاهدة على بناء وتطور دولة فلسطين وكذلك على انتكاساتها وجولاتها مع الاحتلال الإسرائيلي".
ولم يكن قطاع غزة المدينة الوحيدة المستهدفة لـ "أيام المسرح" بل كان للمؤسسة عدة فروع في رام الله وجنين والخليل وبيت لحم والقدس الشرقية لكن تلك المدن استطاعت تكوين إدارة مستقلة حسب حديث تانيا مرتجى تتبع للمؤسسة الأم فيما بعد، لتبقى غزة وشعبها بحاجة لمن يأخذ بيدها كي تغطي ندبات الحروب والحصار وما خلفه من قضايا ومشكلات، مردفةً أن المؤسسة وفرت عدة برامج مختلفة تخص النساء والأطفال والشباب.
الدراما والمسرح والتمثيل والإخراج والفنون التعبيرية إضافة لبرنامج الإبداع الرقمي والمنصة الإلكترونية، تعدد تانيا مرتجى تلك المجالات لوكالتنا وهي تحاول إحصاء عدد المستفيدين من برامج المؤسسة والمقدرين بعشرات الألاف سنوياً من أفراد المجتمع في قطاع غزة، مشيرةً إلى أن المؤسسة تقدم أيضاً دبلوم التمثيل للطلاب الذين أنهوا الثانوية العامة بعد أن يتم قبولهم بامتحان تقديم العروض ليصبحوا معلمو دراما بعد إنهائها وليس ممثلين فحسب.
ثلاث سنوات تقضيها الطالبات في المؤسسة ليستطعن تنفيذ أنشطة تفيد المجتمع منها البيئية والثقافية والتعليمية حسب حديث تانيا مرتجى، بالإضافة إلى العروض المسرحية التي يتم تقديمها والتي تتبعها مدة ساعة من الوقت لمناقشة مضمون العرض مع الحضور والمشكلة التي يعاني منها المجتمع لمحاولة وضع فرضيات للحلول وبهذا الشكل يتم تمكين الشباب/ات لمحاولة تغير واقعهم وفرض واقع جديد مع مرور الوقت تدريجياً.
وتهتم المؤسسة بالأطفال من سن (6 ـ 15) عام، وتشير تانيا مرتجى إلى أن فعالياتها تكون منظمة بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم وإدارة المدارس بحيث لا تؤثر تلك النشاطات على تحصيل الطالب الدراسي، ملفتة أنه يتم الإعلان عن إمكانية التحاق الأطفال من خلال المدرسة ليلتحقوا بالتدريبات والعروض التي يقوم بها الشباب/ات الذين درسوا أو تلقوا تدريباً في المؤسسة لتتاح لهم فرصة عمل من جهة والمساعدة على تشجيع المبادرات المجتمعية التي تسعى لها "أيام المسرح" من جهة أخرى.
ولأن الطفل/ة من الممكن أن يكون القائد/ة في المستقبل تضيف تانيا مرتجى أن الأطفال الأكثر قدرة على استيعاب محتوى الأنشطة يصبح فيما بعد مدرب/ة لأقرانه الذي يرغبون في خوض تلك التجربة أو ناقل لتجربته بأسلوب المسرح البسيط التي تشاهدها عائلته وعدد من أولياء الأمور خلال العروض كي يتشجع الأطفال ويلقوا الدعم المناسب، مشيرة أنها تركز على العمل مع المعلمات لنقل أدوات التعليم النشط والبعد عن أسلوب التلقين الذي يساعد على نسيان المعلومات التي يتم تلقيها بشكل أسرع.
كما تمزج المؤسسة بين الطفل والمرأة فتقول تانيا مرتجى أن الفئتين لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض فقد نفذت المؤسسة برنامج تدريبي للسيدات مدفوع الآجر لقيادة ورشات بعنوان "التعبير الحر" مع الأطفال وهو عبارة عن صور يحولها الطفل لعرض رسوم متحركة وفقاً لقصته التي يريد روايتها وقدرته على التخيل، كما تم إنتاج عرض مسرحي كامل من إعداد أولئك الأطفال تحت إشراف عدد من الشابات.
وتشير تانيا مرتجى إلى أن هذا البرنامج سيتبعه آخر بمشاركة الأطفال والسيدات بغرض الحفاظ على البيئة تحت مسمى "تشجير غزة" لتعزز لديهم تلك الثقافة منذ الصغر، منوهةً إلى أن برنامج التجوال والعروض المسرحية والحكواتيه أحد أهم برامج المؤسسة التي تعنى بكافة شرائح المجتمع، لكن حديثاً خصص راوي/حكواتي للنساء كي يروا حكاياتهم وقصص نجاحهم التي ربما تعطي أمل لغيرهن من النساء خاصة أن جميعهن يعشن الظروف الصعبة ذاتها.
وتذكر تانيا مرتجى أنه خلال تنفيذ برنامج الحكواتية كانت تجلس الشابات مع عدد من النساء وتستمع لقضاياهم المختلفة من تعنيف، عدم الشعور بالعدالة الاجتماعية، الحاجة لانتزاع حقوقهن، ومدى شعورهن بالأمان، ليتناقشن في تلك القضايا كي يخرجوا بسيناريو للحكاية، ملفتةً إلى أن بعض النساء تلقين التدريب ورغبن أن يروين قصصهن بنفسهن دون وسيط لهن، وقد ساعدتهن المؤسسة في التدريب على العرض والتعبير عن قضاياهن للاستعداد لمناقشة الحضور.
وترى تانيا مرتجى أن تلك البرامج التي تنفذها المؤسسة تحقق نوع من مناصرة النساء بهدف تمكينهن للوصول إلى مراكز صنع القرار والعمل على إيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية التي يعانون منها، أبرزها العادات والتقاليد التي تفرض على المرأة نمط حياة معينة والذي قد يمنعها من ممارسة حياتها الطبيعية، مشيرة إلى أن بعض الآباء يجدون أن عمل ابنتهم في التمثيل يشكل فضيحة ويجب التخلص منها، لذلك وجب على المؤسسات بجميع أشكالها التدخل لفرض ثقافة جديدة.
وتوضح تانيا مرتجى أن انخراط النساء في بعض المجالات ما يزال ضعيف، فعند افتتاح المجال التقني بالمؤسسة لم تتقدم نساء للانضمام، ليصبح غالبية العاملين في مجال الأفلام الرقمية لديها من الرجال، لذلك تتمنى أن تقتحم النساء كافة المجالات مع استعدادها التام لدعم النساء والشابات على وجه الخصوص في أي عمل يقمن به لتطوير مجتمعهم.