أمل عطار فنانة تشكيلية جسدت لوحاتها واقع المرأة خلال سيطرة داعش

أجبرتها ممارسات داعش بحق أهالي مدينة الرقة وخاصة النساء على المغادرة، فلم تنسى موهبتها وشغفها، وعادت من جديد لترسم معاناة المرأة بريشتها، ولترتقي بالواقع الفني في المدينة الواقعة بشمال وشرق سوريا.

عبير العلي 
الرقة ـ  
أمل عطار (30 عاماً)، فنانة تشكيلية من مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا، تلقت الدعم في بداية مسيرتها الفنية من شقيقها الرسام علي عطار، الذي اكتشف موهبتها من خلال طريقة دمجها للألوان والدقة في رسم الخطوط، وللوقوف على محطات من حياتها أجرت وكالتنا وكالة أنباء المرأة لقاءاً معها.
 
جسدت أعمالها تراث الرقة
التحقت أمل عطار بالمركز الثقافي لمدينة الرقة عام 2000، ومع مرور الوقت والكثير من التدريب المكثف نمت موهبتها وبدأت تتقن فنّ الرسم، "كنت تحت إشراف عدد من المختصين بالفن التشكيلي، لـ 8 سنوات".
الطريق لم يكن سهلاً كما تقول فقد واجهت معارضة في البداية "واجهت معارضة من قبل عائلتي وخاصة من والدي، ولكنه تراجع عن رفضه بعد أن شاهد إصراري على المتابعة في الطريق الذي اخترته، وبات يدعمني ويشجعني على المواصلة". 
دخلت إلى عدد من المدارس الفنية من أجل اكتساب الخبرة، وبدأت مسيرتها من خلال عملها في دار التراث بالرقة، "استمر تعطشي لتطوير موهبتي، ومن خلال عملي في دار التراث استطعت التعبير عن أفكاري بريشتي، فرسمتُ العديد من اللوحات التي تُحاكي تراث الرقة والعادات والتقاليد فيها".
وجسدت في أعمالها صورة المرأة التي تعمل في الحصاد، والخبز على الصاج، والأعمال اليدوية، "بلغ عدد لوحاتي التي تحكي تراث الرقة ما يقارب الـ 50 لوحة فنية، استخدمت فيها أقلام الرصاص والألوان المائية والزيتية، وكذلك الخشبية العادية، كما عملتُ على اعطاء دورات في الرسم مع مجموعة من الفنانين".
 
نتيجة لضغوط داعش تركت المدينة
بعد سيطرة داعش على مدينة الرقة، حَارب الفن والثقافة بشخص مبدعات ومبدعي المدينة، وابتغى من ذلك نشر الفكر الداعشي التعسفي على حساب الموروث الحضاري والثقافي المتنوع، "عمل على هدم المواقع الأثرية والمعارض والمسارح"، فلم يسلم المركز الثقافي من التدمير في عام 2016 كما تقول، "كان يحتوي على العديد من لوحاتي التي عملت عليها لسنوات، فتحولت أعمالي وأعمال الفنانات والفنانين مع جميع مقتنيات المركز إلى حطام"، ونتيجة لضغط داعش أُجبرت على ترك المدينة لتستقر فترة من الزمن في العاصمة اللبنانية بيروت.
"عملت هناك بمجال تصميم ديكورات المنازل والمكاتب وغرف نوم الأطفال، بغية تدبير مستلزمات الحياة اليومية، إلا أن هذا العمل لم يُنسني شغفي بالفن التشكيلي، وكنت أرسم في أوقات فراغي، فعملت على تجسيد تراث بلدي من خلال لوحاتي"، مشيرةً إلى تركيزها على نقل صورة معاناة المرأة في المجتمع "كان أملي بالعودة ينمو يوماً تلو آخر".
 
افتتاح مركز ثقافي 
بعد عامين من الانتظار تحررت المدينة على يد قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة، "كنت من أوائل المهجرين الذين عادوا. شعرت بالحزن والأسى لما حل بمدينتي من دمار، كان كل شيء مختلف والخراب في كل مكان، لهذا قررت أن أُعبر عن وحشية الجرائم التي ارتكبها داعش من خلال لوحاتي".
عملت مع عدد من المثقفات والمثقفين والفنانات والفنانين في الرقة على إعادة بناء وافتتاح مركز ثقافي جديد، "هدفنا أن نصور عبر فنوننا وأعمالنا المختلفة فترة سيطرة داعش على المدينة، ونشجع الفنانين الذين خرجوا منها للعودة إليها". 
وبمساعدة من قبل مجلس الرقة المدني عملوا على افتتاح المركز الثقافي في المدينة وريفها في نيسان/أبريل 2019، ليضم المركز العديد من الأقسام التي تحتوي كم كبير من الفنون المختلفة، "من ثم استقطبنا المواهب التي كانت مرتزقة داعش تحاول حجبها ووأدها وبدأنا العمل على تعزيزها". 
 
تشجيع المواهب كان بمثابة تحدي 
تقول أمل عطار "خلال عملنا في المركز وقع على عاتقنا اختيار الأسلوب المناسب الذي يجب أن نتعامل فيه مع أطفال وناشئة يتمتعون بالموهبة الحقيقية، إلا أنهم تأثروا بالظروف التي مرت بها المدينة بشكل كبير، الأمر الذي استدعى أن نعتبر إخراج كل الامكانات الكامنة لديهم كلٌ على حدا بمثابة تحدي".
وتضيف "في طريق الارتقاء بواقع الفن شهدنا خوف العديد من الفتيات من ارتياد المركز، لهذا فإن إيجاد الِأسلوب الذي نكسر فيه حاجز الخوف شكل صعوبة كبيرة، إلا اننا استمرينا بالعمل حتى افتتاح العديد من الورشات ضمن المركز كـ "الرسم، الغناء، الرقص التراثي، المسرح" وغيرها، حتى أصبح المركز اليوم يضم عدداً كبيراً من المواهب الفنية اليافعة والمتنوعة".
 
جسدت واقع المرأة خلال سيطرة داعش
شاركت بعدد من المعارض الفنية بالتعاون مع المواهب الشابة في عموم مناطق شمال وشرق سوريا، "خلال هذه المعارض، سعيت إلى نقل معاناة المرأة في ظل مرتزقة داعش والأساليب التي اتبعها المرتزقة مع المرأة، وعمدت إلى استخدام ألوان متنوعة وزاهية في عدد من اللوحات التي تُعبر عن السعادة بالتحرر من داعش". 
تحاول أمل عطار من خلال مشاركتها مع عدد من الفنانين والمثقفين إيجاد جمهور يتذوق الفن وقادر على النقد البناء لأعمالهم "نحاول إحياء روح الفن، فمع ما حدث في سوريا خسرنا قامات فنية بارزة، نظراً لازدياد نسبة الهجرة". 
وما يزال الأمل لدى أمل عطار بأن يتطور الفن في مدينة الرقة رغم كل ما عاناه، خلال سيطرة مرتزقة داعش "رغم الظروف نرى أن لدينا جيل فني متحمس، إضافة لأن هذه الفترة تتميز بتوفر العديد من المواد للفن التشكيلي، والعمل أصبح مريحاً بشكل أكبر، واليوم لدي 40 لوحة زيتية جاهزة للعرض".