"الزربية الزناتية"... موروث ثقافي تحافظ عليه النساء في المغرب
تحافظ النساء في المغرب على المنسوجات اليدوية من حيث جودة خيوطها وتناسق ألوانها وتحملها للعديد من العوامل رغم كل التطورات الصناعية.
حنان حارت
المغرب ـ لا تزال النساء تحافظن على حرفة صناعة السجاد اليدوي المتميز بألوانه الطبيعية ورسوماته التراثية التي تعكس أصالة الحرفة، وتعليمها للفتيات للحفاظ على هذا الموروث الثقافي من الاندثار.
استطاعت العاملات في حياكة السجاد الصمود في وجه كل التطورات الصناعية، وأبقين الطلب عليه قائماً رغم إغراءات السجاد العصري بكل ألوانه وتفاصيله الدقيقة وثمنه البخس.
أسست حليمة ابهالة من قرية سيدي موسى المجدوب تعاونية "تحدي الأحلام" بهدف الحفاظ على إرث الجدات ونقله للأجيال القادمة، وقالت "كنت خياطة بسيطة، لكن أحلامي كانت أكبر، وطموحي كان دائماً هو تحقيق الاستقلال الاقتصادي، خاصة أن الفتيات بدأن بمغادرة مقاعد الدراسة باكراً، ولا تستطعن الالتحاق بدورات التدريب المهني".
وأضافت "نتيجة لذلك أصبح التفكير في إنشاء تعاونية ضرورة ملحة، كما كان أحد أبرز أهدافي هو تنظيم عمل النساء والفتيات في قطاع الخياطة التقليدية ونسج الزرابي، ومن أجل الحفاظ على الموروث الثقافي الذي ورثناه عن الجدات وعملن على مزاولته لسنوات طويلة داخل نسق منظم".
وعن بداياتها في هذه المهنة "بدأت علاقتي بنسج الزرابي منذ الصغر حين كنت أجلس بجانب والدتي وهي تغزل خيوط الصوف وتنسج الزرابي، تعلمت منها الحرفة، وعند تأسيس التعاونية بلورت الفكرة، وحاولت أن يكون مشروعي بالإضافة لتحقيقه الاستقلال المادي للنساء، أن يعود بالنفع على البيئة فهو يعتمد على إعادة تدوير الصوف المستعمل، فهدفنا تسليط الضوء على هذا الموروث في احترام تام للبيئة".
وأكدت أنه "على الرغم من أن الخامة الأساسية في صناعة الزربية المغربية هي الصوف، إلا أن التطريز والألوان المستخدمة تعطي لكل سجادة خصوصية وطابع القبيلة التي تنتمي لها النساء، مشيرةً إلى أن الزربية الزناتية هي جزء من هوية نساء قبيلة زناتة، فالخيال والإبداع هو ما يحرك النساء عندما تعملن، وكل واحدة منا تطرح فكرتها للوصول إلى تصميم ورسومات وأشكال هندسية، فنشكل في النهاية زربية تنضح من تراث الأجداد بلمسة خاصة نعبر فيها عن خصوصية منطقتنا وثقافتنا وعاداتنا".
وعن المراحل التي تمر فيها عملية نسج الزربية الزناتية أوضحت "بعد أن تقوم النساء المنخرطات والمستفيدات من التعاونية، بجمع الصوف الذي تم التخلص منه، تأتي مرحلة الفرز التي يتم فيها إزالة الأجسام الغريبة من مادة الصوف التي يتم غسلها بعناية ثم تنشيفها وبعدها تأتي مرحلة التمشيط".
ولفتت إلى أن عملية غزل ونسج الزريبة تتم بشكل جماعي، إذ تقوم النساء العاملات في مرحلة النسج بتمرير الصوف تدريجياً من مشط لآخر وتكرار نفس العملية لمرات عديدة، فتجمعن طبقات صغيرة من الألياف التي توضع واحدة فوق الأخرى بقصد تكوين شريط من الصوف الممشوط، لتبدأن بعد ذلك بعملية الغزل التي تتم خلالها مزج كمية من الألياف يتم جزها وتمديدها عن طريق عملية الغزل التي يشرط أن تقوم بها المرأة وهي جالسة، حيث تضع المغزل على حجرها لتقوم بإبرامه من الأعلى إلى الأسفل بواسطة يدها اليمنى، بينما تمسك بالصوف بيدها اليسرى التي تبقى مرفوعة طوال فترة هذه المرحلة.
وأشارت إلى أنه على الرغم من حداثة تأسيس التعاونية إلا أنها تمكنت من تطوير أعمالها بالاعتماد على خبرة العاملات فيها، خاصة وأن منهن من قضين سنوات وهن تنسجن الزرابي في منازلهن.
وعن أهمية مشروع صناعة الزربية وأثره الإيجابي على أوضاع المرأة أكدت "بالإضافة أنه يشكل مصدر رزق ودخل مادي لهؤلاء النساء، فهو أيضاً بمثابة فضاء ومتنفس لهن لتفجير طاقاتهن الإبداعية".
ومن جهتها قالت إحدى المستفيدات من التعاونية نعيمة المودن عن الصعوبات التي تواجهها "هناك العديد من التحديات التي تواجه التعاونية خاصة ما يتعلق بضعف التسويق، بالإضافة لذلك فإن صناعة الزربية التقليدية أصبحت مهددة بالاندثار".
وأكدت أنهن تعملن على تلقين هذه الحرفة للفتيات من أجل الحفاظ على هذا الموروث الثقافي وإحيائه، ومن ثمة ضمان نقله للأجيال المقبلة مع الحرص على الابتكار في الوقت ذاته وإضفاء لمسة جديدة على الزربية الزناتية، مشيرةً إلى أنه يوجد في المغرب العديد من الجمعيات والتعاونيات ذات النفع الاقتصادي للزرابي.