اليوم العالمي للشعر... دعم التنوع اللغوي
يحتفي العالم بالشعر في 21 آذار/مارس من كل عام؛ لمكانته وأهميته لدى مختلف شعوب العالم منذ آلاف السنين وحتى اليوم
سناء العلي
مركز الأخبار ـ ، فالشعر يؤرخ الأحداث التي مرت بها القبائل والجماعات يمدح ويذم ويطلق الثورات.
لكونه أحد أشكال التعبير وأهم مظاهر الهوية اللغوية والثقافية كان الاحتفاء به ذا أهمية، وكذلك لكونه يشكل حافزاً كبيراً للحوار والسلام لأنه يخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها جميع الشعوب، كما تقول منظمة التربية والعلم والثقافة "اليونيسكو"، فكان لزاماً تخصيص يوماً دولي له.
فخلال الدورة الثلاثين لمنظمة اليونيسكو التي انعقدت في باريس عام 1999 تم تخصيص 21 آذار/مارس يوماً دولياً للشعر، الهدف كان دعم التنوع اللغوي ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرصاً أكثر للبقاء من خلال تشجيع أصحابها على نظم القصائد.
في اليوم العالمي للشعر يتم تكريم الشعراء من كلا الجنسين، وإحياء الأمسيات الشعرية التي لم تعد تلقى أهمية في وقتنا الراهن مع انتشار التكنلوجيا التي حدت من الإبداع الشخصي.
النساء أول من كتب الشعر
الشعر من أقدم الفنون الأدبية وأول شاعر في التاريخ هي "إنخيدوانا" أبنة الملك الأكادي سرجون، والتي عاشت في الفترة الممتدة ما بين (2300-2225 ق.م). اعتبرها علماء الأدب والتاريخ أول كاتبة وشاعرة في التاريخ؛ كونها كانت تُذيل ألواح قصائدها باسمها وقبلها لم يكن هناك من يفعل ذلك، بلغت قصائدُها نحو 42 قصيدة (ترنيمة) مكتوبة باللغة السومرية. نُقلت أعمالها للغتين الإنجليزية والألمانية. ولقبت بـ "شكسبير الأدب السومري"، لها قصائد بعنوان "سيدة النواميس كلها" وتراتيل معروفة باسم "تراتيل المعبد السومري" وهي أول مجموعة من نوعها.
النساء في مختلف الأزمنة كتبنَّ الشعر وأبدعنَّ فيه فالخنساء أسم يعرفه الصغير والكبير وفدوى طوقان ومي زيادة ونازك الملائكة شاعرات قدمنَّ قضايا المجتمع والمرأة في قصائدهنَّ.
في تشرين الأول/أكتوبر 2020 فازت الشاعرة الأمريكية لويز غليك بجائزة نوبل للآداب وهو ما أثار تساؤلات عدة حول أحقية الجائزة، خاصة أن الشعر يواجه تراجعاً مقارنة بالألوان الأخرى من الأدب كالرواية مثلاً، والتي ما تزال ذات شهرة كبيرة.
لويز غليك من أبرز الشعراء الأمريكيين لكن معظم قصائدها غير معروفة لدى الشعوب الأخرى خاصة أنه لم تتم ترجمة العديد من دواوينها إلى لغات مثل اللغة العربية.
الشعر يحفظ تاريخ الشعوب
المؤرخين الذي كشفوا عن كثيراً من أسرار الشعوب القديمة اعتمدوا على الشعر الذي يعد سجلاً يوثق أحداث الأزمنة الغابرة، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر قصيدة الألياذة الملحمة الشعرية التي تحكي قصة حرب طروادة وتشكل مع الأوديسة أهم ملحمة شعرية إغريقية للشاعر هوميروس، ويعود تاريخها إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد. وتم جمعها في عام 700 ق.م.
عند العرب أخذ الشعر اليوم أشكالاً مختلفة واختلفت مسمياته، لكنه ارتبط دوماً بالقصائد والمعلقات ذات المفردات الجزلة، والجمل المتينة التي حفظت صفحات من تاريخهم وغزواتهم وعشقهم وأنسابهم.
الجاحظ الذي عاش في الفترة (159ـ255هـ) قال في كتابه "الحيوان" الذي جمع فيه أحوال العرب وعاداتهم وشعرهم وأمثالهم أن "الشعر حديث الميلاد، وأول من نهج سبيله وسهل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة، وكتبه أرسطاطاليس ـ ويقصد به الفيلسوف اليوناني أرسطو ـ ومعلمه أفلاطون ثم بطليموس وديمقراطس...".
أما الشعب الصيني فقد اهتم بالأدب حيث يعد أدب هذا الشعب من أعرق الآداب في العالم، وتعود أقدم قصائده إلى القرن الحادي عشر قبل الميلاد وتعرف باسم كتاب الأغاني وتضم 300 قصيدة.
أما القصيدة الملحمة "بيوولف" وهي من أهم أعمدة الأدب الإنكليزي فتعد أول عمل رئيسي في الأدب الإنكليزي، وهي ملحمة شعرية كاتبها مجهول يشير إليه المؤرخين باسم شاعر بيوولف، كما أن تاريخ كتابة هذه القصيدة مجهول أيضاً.
فالحقوق اللغوية التي لا تتمتع بها بعض الشعوب والتي تسمى بأقليات منعتها من إثبات نفسها في هذا النوع من الأدب.
أشكال الشِعر
للشعر أشكال عدة أقدمه الشعر الوجداني الذي يعبر عن العواطف الإنسانية، كما أنه من أوائل الأنواع التي كتب بها العرب وأطلقوا عليه تسمية "ديوان العرب"، ويسمى الشعر الوجداني بالشعر الغنائي فالقصائد غنائية تستخدم للفخر والهجاء والحب والزهد والرثاء.
أما الشعر المسرحي فهو حديث العهد مقارنة بباقي أشكال الشعر فقد ظهر عام 1870، فالمسرحية تؤلف بشكل شعري أو نثري وتكثر فيها المقطوعات الغنائية. كاتب المسرحية الشعرية يعمل على كتابة مشاهد المسرحية وفق المواصفات والضوابط الشعرية.
كما أخذ الشعر الملحمي الذي ظهر عند أوائل الشعوب التي سكنت الأرض، من الشهرة الكثير وارتكز على أفكار قومية من خلال تمجيد بطولات شعب أو قبيلة ما، والرفع من مكانة قادة المعارك. يقال بأن الشعر الملحمي الذي يخلط بين الواقع والأسطورة يخص تمجيد الأفراد دون الجماعة. ولكننا نجد الكثير من الملاحم التي تتحدث عن بطولات أمم وقبائل.
الشعراء العرب كتبوا الملاحم وتعد "عيد الغدير" للشاعر اللبناني بولس سلامة عام 1948 أول ملحمة عربية وفق ما أجمع عليه معظم نقاد الأدب العربي. وتتناول نواحٍ من التاريخ الإسلامي ومن الجاهلية إلى آخر دولة بني أمية.
أنواع الشعر
الشعر الحديث: تحت هذا الاسم توجد العديد من الأنواع الشعرية كالشعر الحر والمرسل والحداثة والنثر. وهذا النوع لا يلتزم بالقافية أو بالوزن، يسمى أيضاً بشعر التفعيلة كونه تحول من فكرة وحدة البيت إلى وحدة القصيدة، وتعددية التفعيلات في الأبيات الشعرية ضمن القصيدة الواحدة، وشمول القصيدة على أكثر من بحر شعري.
يعد الشاعر الأمريكي والت ويتمان "أبو الشعر الحر" بعد أن ثار على قالب الشعر الأمريكي منذ القرن التاسع عشر، كما عمل الشاعرين الإنكليزيين جون ميلتون ووليام شكسبير على تحرير الشعر الإنكليزي من قيود القافية.
أما في العالم العربي تعد الشاعرة العراقية نازك الملائكة أول من كتب الشعر الحر في عام 1947، من خلال قصيدتها "الكوليرا".
أما الشعر النثري الذي يسعى إلى الخروج من عباءة نظام العروض والقواعد التقليدية لكتابة الشعر فإنه عرف في عام 1960، لكن جبران خليل جبران ومي زيادة كانا قد كتباه قبل هذه الفترة ويعتبران من رواده.
الشعر النثري سمي بحركة قصيدة النثر وتزامن مع صدور مجموعة "ثلاثون قصيدة" للشاعر الفلسطيني توفيق صايغ، كما أن الأديب السوري أدونيس ومحمد الماغوط كتبوا هذا النوع من الشعر.
في إنكلترا وحتى القرن التاسع كانت معظم كتابات الشعراء نثرية، وقام الملك أنجلو سكسوني حاكم مملكة ويسيكس، بترجمة أعمال الشعراء من اللاتينية إلى الإنكليزية القديمة.
الرباعيات: كثيراً ما نسمع بهذا المصطلح كرباعيات الخيام وجلال الدين الرومي، يشكل هذا الشعر نوعاً بحد ذاته البداية كانت من بلاد فارس إيران اليوم، ثم انتقلت إلى الأدباء في الشرق الأوسط، تسمى بـ "الدوبيت" أي أنها تتألف من بيتين شعريين "دو، بيت" في اللغة الفارسية.
الشعر القصصي: من أقدم الأنواع يحكي قصة بطريقة شعرية شبيها بالشعر الملحمي/ تتوافر فيه كامل عناصر القصة وكذلك كامل عناصر القصيدة. الشعر القصصي ارتبط بسرد قصص الآلهة عند الشعوب القديمة وهو ملحمي كذلك، كما في ملحمة الإلياذة ومهابهارتة في الهند التي تشكل مع ملحمة رامايانا جزءاً هاماً من الميثولوجيا الهندوسية، وفي سفر داوود عند العبرانيين، وملحمة ممم وزين وفرهاد وشرين عند الكرد، فيما لم يترك التاريخ شيئاً من آثار عرب الجاهلية في مدح الآلهة عبر الشعر القصصي.
الأهازيج وصوغ القصائد باللغة الدارجة
الشعر الشعبي أو المحكي ليس مكتوباً باللغة العربية الفصحى بل إنه خاص بكل بلد أو منطقة على حدة، يرتبط بطبيعة كل شعب وعقيدته وتاريخه.
الأهازيج موروث شعبي ينتقل من جيل إلى جيل شفوياً ينشد في الأتراح والمسرات. يقول أبن خلدون في مقدمته التي ألفها سنة 1377 "لما شاع فن التوشيح في الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته، وتنميق كلامه، وترصيع أجزائه، نسجت العامة على منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية، من غير أن يلتزموا فيه إعراباً واستحدثوه فناً سموه الزجل". وقيل إن عرب الجاهلية كانوا ينشدون الزجل للأطفال خلال اللعب وللأبل لحثها على السير، ولإثارة الحماسة خلال المعارك.
له عدة مسميات ففي العراق تسمى هوسات تردد لعدة أغراض وقد سلط الضوء عليها بشكل كبير خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2019. أما في اليمن فيعرف باسم "الزَّامل". أما في بلاد الشام (لبنان وغرب سوريا وشمال فلسطين وشمال الأردن) فإنها تأخذ شكلاً مختلفاً وتسمى بالزجل وتكون على شكل مناظرة ارتجالية بين شخصين. وكذلك لدول شبه الجزيرة العربية أهازيجها الخاصة والتي تطورت مع الزمن.
تراجعت مكانة الشعر لدى أجيال اليوم حيث أن العديد من الشرائح الاجتماعية، وخاصة الأجيال الشابة تتجه للأشكال السردية للأدب كالرواية والقصة. كما أن اهتمام المؤسسات والمنظمات العالمية بالرواية على سبيل المثال، وتخصيص جوائز مالية كبيرة لها أخذ حيزاً كبيراً من اهتمام الأدباء فاتجهوا صوب الكتابة وأهملوا نظم القصائد.
لكن وعلى الرغم من تراجع الاهتمام بالشعر إلا أنه يبقى حارساً لجميع الفنون فالتغييرات الاجتماعية لا يمكنها إزاحة الشعر من مكانه المرموق على الساحة الأدبية.