التنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية... قوة دافعة للسلام والازدهار

يُعرف التنوع الثقافي بأنّه جملة من ثقافات مختلفة وذات أنواع متعددة، فمفهوم التنوع الثقافي يشير إلى تنوع المجتمعات الإنسانية وثقافاتها في دول العالم المختلفة

مركز الأخبار ـ ، وتأخذ من ثقافة كل دولة شيئاً مميزاً، مما يطغى على المشهد الثقافي الكثير من العمق والتنوع، ويعد من أهم المؤشرات التي تستخدم لتدل على السمات التي يمتلكها أفراد المجتمع لإثبات أنفسهم مع الآخرين، ويعتبر عنصراً مهماً يعزز من إحياء روح السلام بين الأمم والشعوب.
يعود تاريخ الاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي للعام 2001 بعدما أعلنت عنه منظمة اليونسكو، وفي كانون الأول/ديسمبر 2002، اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 249/57 ليكون يوم 21أيار/مايو اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية.  
اعتمدت اليونسكو في 20تشرين الأول/أكتوبر2005، اتفاقية دعم الأهداف الأربعة لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، وهي دعم نظم مستدامة لحوكمة الثقافة، تحقيق تبادل متوازن من السلع والخدمات الثقافية، وانتقال الفنانين والعاملين الآخرين في مجال الثقافة، ودمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة، وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية بما فيها ثقافات الأشخاص المنتمين إلى الأقليات متساوية في الكرامة وفي الجدارة والاحترام. 
كان الهدف من الاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية توضيح فوائد التنوع الثقافي من خلال الإشعار بأهمية التبادلات المستمرة بين الثقافات والإشعار بالعلاقات المقامة بينهم منذ فجر الإنسانية، وبما أن الثقافات لا تشمل الفنون والعلوم الإنسانية فقط، وإنما أنماط الحياة، ونظم القيم، والتقاليد والمعتقدات، فحماية وتعزيز تنوعهم الغني يدعونا إلى مواجهة تحديات جديدة على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية وعلى الصعيد الدولي.
 
التنوع الثقافي أساساً للنجاح والإبداع والابتكار 
التنوع الثقافي أصبح معياراً أساسياً ومهماً للنجاح والإبداع والابتكار، نجد له فوائد عديدة تعود على الفرد في زيادة المعرفة، فنجد أشخاص من بيئات وخلفيات ثقافية وجغرافية مختلفة يذهبون إلى المدارس، والجامعات ذاتها، ويعملون في المؤسسات ذاتها، فمن خلال هذا الاختلاف والتنوع نستطيع اكتساب المزيد من الفهم والمعرفة حول الأشخاص وكل ما يتعلق بهم من أخلاق وقوانين ومعتقدات وعادات وتقاليد وفنون وعلوم ومعارف، وخلق علاقات وروابط اجتماعية متنوعة والتواصل معهم على اختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم، ومحاولة فهم وجهات نظرهم وآرائهم وتقبلها، كما أنّه يعمل على بناء جسور الاحترام والثقة، وتعزيز روابط التعاون والتسامح والتعايش، وبناء شخصية قوية وواثقة من خلال التعامل مع الأمور التي تكون غير اعتيادية أو غير مألوفة.
وكما للثقافة فوائد على الفرد، فعلى المجتمع فوائد أيضاً، تقوم بتعزيز الاحترام بين أفراد المجتمع وبالتالي تحقيق مزيد من الاستقرار والقبول لهم، زيادة الإنتاج وتحقيق رضا العملاء، ويقلل من التمييز والعنصرية في المجتمع.
 
الحوار بين الثقافات والشعوب يحقق السلام بين الأمم
كان من أهداف إعلان اليونسكو بشأن اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، الحوار بين الثقافات، فتبادل الحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب يحقق التماسك الاجتماعي والمصالحة بين الشعوب والسلام بين الأمم، وهي من الممارسات الجيدة ضمن إطار الحوار بين الثقافات الأوسع والأشمل ليشجع التعددية الثقافية على المستوى المحلي والإقليمي والوطني.
هَدفَ اليونسكو إلى تشجيع الحوار بين مختلف الأديان، وشدّد على التفاعلات والتأثيرات المتبادلة بين الأديان، والتقاليد الروحية الإنسانية، وحاجته إلى تعزيز التفاهم بينها من أجل تحدي الجهل، والتحيّز وتعزيز الاحترام فيما بينهم.
وضِع التنوع الثقافي في جوف سياسة التنمية وهو أحد مصادرها، فشكّل استثمار أساسي بمستقبل العالم وشرط لعمليات العولمة الناجحة التي تبرز القيمة الخاصة للكفاءات المتعددة الثقافات سواء الفردية أو الجماعية، فهو وسيلة لصنع حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية مُرضية، وبالتالي لا يمكن فصل التنمية عن الثقافة.
 
تأثير كبير لتحقيق التنمية المستدامة 
اعتمدت اللجنة الثانية للجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع مشروع القرار بشأن الثقافة والتنمية المستدامة الاحتفال بالتنوع الثقافي في عام 2015، وتهدف هذه المناسبة لتحقيق ودعم التنمية المستدامة وإلى تشجيع الصناعات الإبداعية ومباشرة المشاريع التجارية في مجال الثقافة؛ لتزيد من فرص العمل في شتى أنحاء العالم، وتعزيز برامج تركز على مناهج دراسية تراعي تمايز الجنسين، وتعزيز إلمام المرأة بالمعارف الخاصة بإمكانيات الاتصالات بغية القدرة لدى الفتيات والنساء على تفهم وتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فقد اعترفت الثقافة بهذه القدرة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة، والتي تمنح فرص فريدة للتوفيق بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للتنمية، إضافة إلى دمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة، وتعزيز حقوق الإنسان والحريات، فيشكل تعزيز الثقافة في التنمية المستدامة هدفاً تم إطلاقه ما بين عامي (1988ـ 1998) في إطار العقد العالمي للتنمية الثقافية.
 
التوصيات العشر
من التوصيات العشر التي تضمنت إعلان اليونسكو بشأن طريقة الاستثمار في مجال التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات، إنشاء مرصد عالمي للتنوع الثقافي يكون مهتماً بتتبع آثار العولمة، وإقامة آلية على المستويات الوطنية لتتبع السياسات العامة في جوانبها التي تمس التنوع الثقافي، وتنصح بتطبيق سياسات لغوية وطنية تهدف إلى التنوع اللغوي، ويقترح أيضاً وضع استراتيجيات جديدة تسهّل الحوار بين الثقافات، وتكافح الأفكار الجامدة في وسائل الإعلام.
 
الحالة الإنسانية متعددة الثقافات
أصبحت الحالة الإنسانية نفسها متعددة الثقافات، فيتم تعريف أي مجموعة يزيد عدد سكانها عن 10آلاف شخص على أنها مجموعة عرقية، ويتحدث سكان العالم اليوم ما يقرب من 5000 إلى 8000 لغة مختلفة.
هناك أكثر من 4300 ديانة حول العالم، على الرغم من أن أكثر من 70% من سكان العالم يمارسون واحدة من الديانات الأكثر انتشاراً في العالم هي الإسلام والمسيحية، واليهودية، البوذية والهندوسية.  
 
الطمس الثقافي
لا تزال بعض الدول بعيدة عن التعامل مع قضية التنوع الثقافي من ناحية المساواة في الحقوق والممارسة بين كل من يحمل جنسية الدولة ونجد فيها اضطهاد منهجي للأقليات، فغياب الديمقراطية يعني أن حقوق المواطنة مهدورة لمعظم أبناء البلد، وخطورة تجاهل الاعتراف بحقوق مشروعة لعدد من شعوب الدول، نتيجة للتمييز القائم على أسس ثقافية ضد بعض الطوائف يزيد من حجم هذا الإهدار.
فالكثير من الدول مارست لتحقق الانسجام الاجتماعي ما عرف بالصهر الثقافي، وهو تبني ثقافة على حساب بقية الثقافات، إلا أنها هدمت جميع المعطيات الحضارية والإنسانية التي كان من حقها أن تعيش، فقد عانت الإنسانية حروباً كثيرة على مر التاريخ.
يتواجد الأرمن المهاجرين من أرمينيا في عدة دول عربية كأقليات ولا يحظون بحقوق، كذلك لا يحظى الشيعة في البحرين والذين يشكلون أكثر من نصف عدد السكان على حقوقهم، فيما يُضطهد السنة والعرب والكرد في إيران، ويضطهد الشيعة أيضاً والذي يتركز وجودهم في المنطقة الشرقية في السعودية.
أما الكرد الذين يتوزعون في كل من سوريا والعراق وتركيا وإيران، فلا يملكون حقوقهم الثقافية، وكذلك الأمازيغ الموجودون في دول المغرب العربي، والإيزيديون وهم مجموعة كردية تتركز في مناطق العراق وسوريا يواجهون سياسة الإنكار.
هذه الظاهرة منتشرة في دول الغرب أيضاً، فنجد في بريطانيا من طالبوا بحقوقهم كالولزيين والأسكتلنديين، والكتالويين في إسبانيا، وتواجه فرنسا البريتانيين والكورسيين لمنحهم حقوقهم الثقافية، وأصبح الكنديين من جنوب آسيا أكبر أقلية مرئية متفوقين بالعدد على الكنديين من العرقية الصينية، أما الأقليات العرقية الأمريكية تمارس الحياة السياسية وتبحث عن نفوذها في كل مكان، فهناك الكوبيون والإيطاليون واليهود والعرب والصينيون والكوريون والمكسيكيون وغيرهم، كما أن الدول الإفريقية تواجه مشكلات معقدة هي الأخرى تتمثل في تنافس المجموعات العرقية داخل الدولة الواحدة. 
فكان لا بد من السعي لوقف هذا التمييز في القوانين وفي الممارسات ضد بعض أبناءها، فالديمقراطية تلعب دور مؤثر في دعم التنوع الثقافي، إذ لا يمكن الاعتراف بحق الأقلية، دون الاعتراف بحق الأغلبية، ونلاحظ أن أغلب الدول التي تقطنها أقليات لا تتمتع بنظام ديمقراطي، وتكثر فيها النزاعات والحروب الأهلية.
كما تؤثر الأوبئة كذلك على إيصال رسالة التنوع الثقافي وجهود منظمة اليونيسكو، فجائحة كورونا أثرت على القطاع الثقافي وعلى كافة مجالات الثقافة والفنون، بجانبيها السلبي والإيجابي، فتسببت الجائحة في إغلاق المؤسسات الثقافية ومواقع التراث الإنساني في العالم، كما تم إلغاء العديد من المهرجانات والأنشطة الثقافية، وإفراغ مواقع التراث العالمي لليونسكو.
إلا أن هذا التأثير أدى إلى زيادة في عملية إنشاء المحتوى الرقمي زيادة كبيرة، تبدأ من الزيارات الافتراضية للمكتبات والمتاحف، بالإضافة إلى تنظيم ندوات وأنشطة ثقافية عن بعد عبر المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وساهمت وسائل الإعلام والاتصال الحديثة في الانفتاح أكثر على مختلف الفنون والثقافات، ومكنت من مد الجسور بينها بما يعزز التواصل على نحو أفضل.
بالرغم من التأثير السلبي لفيروس كورونا على القطاع الثقافي في العديد من الدول، إلا أن الثقافة بقيت صامدة عبر التاريخ ومرنة في مواجهة الأزمات الكبرى التي تجعلها تتطور أكثر مع ظهور أشكال جديدة للإبداع والفنون.