الصراع طال الآثار في السودان... سرقة ٥٠٠ ألف قطعة أثرية
عبرت مديرة متحف في السودان عن بالغ أسفها للسرقة التي تعرض لها أهم وأكبر متاحف السودان الذي يضم مستودعاً لجميع آثار البلاد بكل محتوياتها التاريخية الثمينة وأهميتها البالغة التي لا تقدر بأي ثمن مهما كان.
سلمى الرشيد
السودان ـ كشف مسؤولون سودانيون في حقل الآثار والمتاحف عن أخطار كبيرة محدقة بالمتحف القومي في الخرطوم، والآثار السودانية بشكل عام، بعد تعرض ما لا يقل عن 3 متاحف للنهب إلى جانب تعرض ٥٠٠ ألف قطعة أثرية للسرقة.
أكدت إخلاص عبد اللطيف أحمد مديرة المتاحف ورئيسة وحدة متابعة الآثار المسروقة واستردادها بالهيئة العامة للآثار والمتاحف، صحة ما تم تداوله حول تعرض متحف السودان القومي في مدينة الخرطوم أثناء الصراع المستمر في البلاد منذ منتصف نيسان/أبريل 2023، لعمليات نهب كبيرة، لافتةً إلى أن المجامع الأثرية التي سرقت تقدر بأكثر من ٥٠٠ ألف قطعة أثرية.
وأشارت إلى أن ما جاء في وسائل الإعلام صحيح بأن متحف السودان القومي تعرض لعملية نهب كبيرة وتمت عبر خروج شاحنات كبيرة محملة بالمواد الأثرية وخروجها تم عن طريق أم درمان متجهة نحو الغرب، مضيفةً "المجاميع الأثرية التي سرقت تم توزيعها على مناطق الحدود السودانية وخاصة جنوب السودان".
وأوضحت أن مخازن متحف السودان القومي تعتبر المستودع الرئيسي لكل آثار البلاد، كاشفة أن متاحف سودانية أخرى تعرضت للنهب والتدمير بينها متحف "نيالا" بدارفور ومتحف "الخليفة عبد الله التعايشي" بأم درمان، لافتةً إلى أن المتحف القومي بالخرطوم يحتوي على مقتنيات وآثاراً تعود لمختلف الحقب التاريخية منذ العصر الحجري وحضارات كرمة ونبته ومروي وما قبل المسيحية، ثم الحقبتين المسيحية والإسلامية.
وبينت إخلاص أحمد أن أهم القطع المتحفية والمميزة هي التي سرقت والتي تعتبر فريدة "أي قطعة أثرية لها قيمتها غير القيمة المادية".
المتحف القومي "كنز" السودان
والجدير بالذكر، أن المتحف القومي تم افتتاحه في 1971 بعد أن كان ملحقاً صغيراً بجامعة الخرطوم، وتم اختيار موقعه الحالي على النيل الأزرق، وسط الخرطوم، لجغرافية المكان القريب من ملتقى النيلين الأبيض والأزرق، بعد بناء السد العالي في مصر، والذي هدد بشكل مباشر الآثار السودانية، ما دفع السلطات السودانية لإطلاق نداء إلى اليونيسكو للمساعدة في حفظ آثار البلاد.
وكشفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، في بيان لها أنها أسهمت في تنفيذ تدابير طارئة بخمسة متاحف للآثار في السودان هي "متحف كرمة، متحف البركل، متحف البحر الأحمر، متحف الدامر ومتحف سنار"، لافتةً إلى أنها عملت على حماية المجموعات المعرضة للخطر، وجردت أكثر من 1700 قطعة أثرية وذلك من بين جملة إجراءات أخرى.
واعتبرت أن هناك تهديد محدق بالثقافة، معبرة عن قلق بالغ إزاء التقارير الأخيرة بشأن احتمال تعرُّض العديد من المتاحف ومؤسسات التراث، بما في ذلك المتحف القومي، إلى النهب والتدمير، داعية المجتمع الدولي إلى بذل جهود مضاعفة لحماية تراث السودان من الدمار والاتجار غير المشروع، مؤكدة أنها ستنظم في نهاية العام 2024 دورة تدريبية في مصر لأفراد سلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية في البلدان المجاورة للسودان.
وأوضحت أنها تقوم أيضاً من خلال الصور الستالايت بتقييم الأضرار والمخاطر التي تلحق بممتلكات التراث العالمي في "جبل البركل ومواقع المنطقة النوبية" و"المواقع الأثرية في جزيرة مروي" وفي مواقع تاريخية أخرى.
سبق وأن تعرض متحف التاريخ الطبيعي بجامعة الخرطوم لنفوق وتلف كافة الكائنات الحية بداخله وكان يقدم المعلومة العلمية من أصغر المراحل الدراسية إلى ما فوق الجامعة، والمتحف يستقبل زيارات مدرسية وسواح أجانب.
وتقول إخلاص أحمد إن المتحف كان يضم عينات منذ عشرينيات القرن الماضي وتم افتتاح مقره الحالي بشارع جامعة الخرطوم في عام 1958، لافتةً إلى أن المتحف يحتوي على صالة يعرض بها الجماجم والحفريات وصالة أخرى لعرض الطيور وبيوضها وصالات لعرض البيئات السودانية المختلفة بما تحتويه من حيوانات ونباتات مثل البيئة الصحراوية والسافنا الفقيرة والبحر الأحمر.
ولفتت إلى أن المتحف يحتوي على صالة عرض الكائنات اللافقارية من حشرات وقواقع وصالة عرض الأسماك سواء نيلية أو بحرية وصالة خاصة بالزواحف والثعابين السامة، بالإضافة للعينات المرجعية.
وبدورها قالت مديرة متحف السودان للتاريخ الطبيعي سارة عبد الله إنها سبق وأطلقت نداء عبر صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" وعبر مجلس المتاحف العالمي ICOM لإنقاذ متحف التاريخ الطبيعي في ظل الصراع وحماية مقتنيات المتحف الذي يتعرض للزوال جراء الصراع.
وطالبت بالمساهمة في حماية مقتنيات المتحف الذي يضم حيوانات ونباتات نادرة، انقطع عنها الغذاء والمياه منذ اليوم الأول للصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مشيرة إلى موقع متحف التاريخ الطبيعي القابع في شارع جامعة الخرطوم، الذي أصبح بين عشية وضحاها الساحة الأولى للصراع بين الطرفين.
ووصفت سارة عبد الله وضع المتحف "الحيوانات البرية الحية نفقت ببطء، جوعاً وعطشاً، وآخر إمداد وعناية بها كان في بداية الصراع"، مبينة أن هناك سلاحف معزولة في المتحف، وحاولت الاتصال بكل من يمكن أن يصل إلى المتحف، ليساعد في إجلاء الحيوانات ومقتنيات المتحف أو إمدادها بالغذاء، لكن لم يستطع أحد الوصول إليه خشية على حياته من المعارك.
وأضافت "لقد تواصل معي عدد مقدر من الأشخاص من مختلف الفئات بجانب أفراد من الجيش السوداني، وطلبت منهم مد الحيوانات بالمياه والغذاء المحفوظ في المخزن والثلاجات أو كسر أقفال الأقفاص والسماح بخروج الطيور والقرود على الأقل، لكن لم يستطع أحد الوصول إليها".
وأوضحت أن النداء لقي قبولاً وتجاوب واسع من عدة منظمات عالمية راغبة في إنقاذ حيوانات المتحف "للأسف لم نستطع الاستفادة من تلك المساعدات لاشتداد القتال في محيط المتحف وليس من الآمن دخول المتحف خصوصاً بعد انعدام الثقة في الهدنات، الأمر الذي أدى إلى خسارة حيوانات المتحف الحية، ومنها بعض الحيوانات التي يندر أن تجدها الآن في بيئتها الطبيعية".
فيما يتعلق بالخسارات التي تعرضت لها الكائنات الحية في متحف التاريخ الطبيعي، تقول سارة عبد الله "لقد فقدت أعداد كبيرة من الثعابين والعقارب السامة التي سبق وأن تم جمعها بصعوبة بالغة في مشروع مشترك مع مركز أبحاث الكائنات السامة، لتوطين إنتاج الأمصال بالسودان".
انقراض بسبب الحرب
وتقول سارة عبد الله إن متحف السودان للتاريخ الطبيعي يعتبر من أهم المتاحف في البلاد، ويهتم بحفظ التراث الطبيعي للبيئات السودانية المتنوعة، ويحوي عدداً ضخماً من أنواع الكائنات الحية التي تم جمعها منذ القرن التاسع عشر من السودان وجنوب السودان، وبعضها حيوانات قد تكون انقرضت أو اختفت من مواطنها الطبيعية نسبة لتدمير بيئتها، بسبب تغير المناخ أو الصيد الجائر أو غيرها من الأسباب.
ووصفت المتحف بأنه يحتوي على صالات عرض تضم العينات المحنطة والمجسمات، ومنها نماذج للبيئات السودانية، إضافة إلى نباتات طبية واقتصادية، وصالة لعرض عينات جيولوجية، من الأقسام ذات الأهمية القصوى مثل قسم العينات المرجعية المؤهلة للدراسات المتخصصة وهي غير متاحة للزوار العاديين، ولكن للباحثين وطلاب الدراسات العليا، وذلك لقدم تلك العينات، بحيث تحوي الأقدم والأندر من العينات الحيوانية، ويتم الحفاظ عليها بصورة مشددة خوفاً من تلفها.
وفي ختام حديثها أشارت سارة عبد الله إلى أن تاريخ تأسيس المتحف يعود إلى العشرينيات من القرن الـ20، وتم ضمه إلى كلية العلوم جامعة الخرطوم، للاستفادة من العينات النادرة. وافتتح في مقره الحالي في عام 1958، ويعتبر قسماً من أقسام كلية العلوم، بعد أن كان جزءاً من المتحف القومي.