الشاعرة المغربية مليكة وليالي: حين نتألم نبدع أكثر

مليكة وليالي شاعرة مغربية، بدأ شغفها بالشعر منذ الصغر، بدأت الحكاية بخربشات عندما كانت تدرس في الابتدائي، ليكبر معها الأبداع، وتقول "حين نتألم نبدع أكثر"

حنان حاريت
المغرب ـ .
في عام 2010 أصدرت أول ديوان شعري باسم "حرائق الريحان" يضم بين ثناياه التيه الذي تعيش فيه الذات الشاعرة، من خلال نص ينزف من المعاناة والألم والاحتراق يتضمن مجموعة أحاسيس تنتاب المرأة في مختلف المواقف التي تتعرض لها في الحياة اليومية.
أصدرت مليكة وليالي أيضاً كتاباً بعنوان "الصحراء صرخات ملتهبة" تحدثت فيه عن معاناة المرأة والرجل في مخيمات تندوف (لإيواء اللاجئين الصحراوين، والذي يقع على حدود الأقاليم الجنوبية للمغرب وشمال موريتانيا)، نقلت فيه جانباً من المعاناة بأسلوب شيق وسلس.
تحدثت مليكة وليالي الشاعرة والصحفية التي تعشق الكتابة حد الثمالة، في حوار مع وكالتنا وكالة أنباء المرأة، عن علاقتها بالكتابة والإبداع، بالإضافة إلى رأيها في بعض قضايا المرأة المغربية.
 
لكل واحد منا بدايته، هلا حدثتينا عن محطتك الأولى التي انطلقت منها نحو عالم الشعر؟
كانت البداية بخربشات وتطلعات للاستماع المتواتر لنغمات الشعر وترديد وقراءة كل ما أصادفه في طريقي من أشعار القدماء والمحدثين، وبشغفي الطفولي، كنت أكتب كلمات الشعر وأرددها على مسامع كل المقربين ممن يهتمون بي وبعالمي الإبداعي، هكذا تطور اهتمامي بالشعر في مرحلة التعليم الإعدادي، لينتقل إلى حد الهوس في الثانوي، ليصل إلى منتهاه في مرحلة الدراسة الجامعية حيث انطلقت علاقتي بالمحترفات الأدبية والشعرية في كلية الآداب بالمحمدية.
 
أصدرت ديوانك الشعري "حرائق الريحان" فكيف تم اختيار العنوان؟
قصائد المجموعة الشعرية "حرائق الريحان" تنسجم مع الاحتراق والمعاناة التي تتجاوز الذات الشاعرة وخطاب الذات إلى ذوات أخرى قد نسميها المفرد بصيغة الجمع، أما التسمية فجاءت مجازية تتحدث عن ذات مرهفة تحاول أن تلتهمها النيران، لكنها تصارع من أجل البقاء ولا تستسلم وتظل صامدة شامخة قوية كورود الريحان السامقة.
 
تحدثت في ديوانك عن الاحتراق والألم الذي تتعرض له المرأة جراء الإحساس باليتم والوحدة، فما الذي يؤلمكِ كشاعرة؟ 
الألم شعور إنساني نتقاسمه جميعاً، والحياة بحلوها وسعادتها، من الطبيعي أن يكدر صفوها شعور بالحزن والألم، فظروف الحياة متعددة، وإذا كنا لا نتألم لما يعانيه الآخرون وما نعانيه بدورنا، فإننا قد نتجرد من إنسانيتنا. ومباعث الألم كثيرة ومتعددة بتعدد الأيام والمراحل وفصول العمر. 
 
هل تتفقين مع كون الألم هو الذي يصنع الشاعر؟ 
نعم، فحين نتألم ونعاني نبدع أكثر، وفي تاريخ الإنسانية شعراء كثيرون كتبوا أشعاراً رائعة وجاءت تعابيرهم راقية وتعبر عن مدلول ما قاسوه بدقة متناهية تأسر النفوس وتؤثر فيها، ما يشير إلى أن معاناتهم هذه ولدت إبداعات إنسانية تناقلتها الألسن واعترفت بها الثقافات الإنسانية.
 
من وجهة نظرك أين ترين نجاح المرأة الشاعرة، في القصيدة الموزونة أم النثر؟
الإبداع حر ولا يمكن أن نلبسه القيود، وهو ما يشير إلى أن التعبير عن الأحاسيس شعراً ليس مشروطاً بأن يكون بالقافية ونظام التفعيلة التي أصبحت أمراً متجاوزاً حسب رواد الحداثة الشعرية، فالشعر تتخلله موسيقى داخلية والنثر بدوره لا يخلو من الصور الشعرية... كل هذا يحيلنا إلى أن الشاعرة أو الشاعر يعبرون بإبداعاتهم عن الحزن والأسى كما يركب صهواتهم إكليل من الفرح الغامر.
 
هل لمليكة وليالي طقوس خاصة عندما تقبل على الكتابة؟
ليست هناك طقوس خاصة، قد يأخذك كل ما يلهمك إلى ركن من الأركان وتلبسك أحلام وصور شعرية تتزاحم لتخرج إلى العلن مثل زمهرير المطر المباغت. هكذا تنبعث الكتابة، وينفلت المبدع من صراع ووجع وسكنات وأنات متضاربة، ترى النور بمجرد خروجها للمتلقي.
 
هل يتوقف العطاء لدى الشاعر وهل يمكن أن يأتي يوم ويشيخ الإبداع، كما الإنسان؟
الإنسان ليس آلة تروض ساعة ما تشاء للكتابة والتعبير عن الألم بلغة الشعر أو النثر، والإبداع بكل ألوانه بعيد بدوره عن هذا التصنيف، لا يكتب المبدع في وقت محدد، بل يكتب حين يكون الوقت والحال ضرورياً، وليس للأمر علاقة بالسن، وهذا ما يعني أن الإبداع كما المبدع لا يخضع للأزمنة، إنه إبداع وكفى.
 
هل مررتِ بلحظات كرهت فيها الكتابة أو تفكرين في تركها؟
الكتابة كما ذكرت لك ميول ومتنفس وتعبير عن الذات والذوات الأخرى، ولن نستطيع تركها، وإن عمدنا أحياناً إلى فسحة، أو مرحلة نتوقف فيها مرحلياً عن الكتابة فمرد ذلك هو الاستعداد لمراحل أخرى من الإبداع تأتي الفكرة بعد أن يلبسها الإحساس، وتخرج إلى الوجود، ولا يمكن بالتالي الحديث عن ترك هذه الممارسة الإبداعية.
 
إلى جانب إصدار ديوان حرائق الريحان، أصدرت كتاب "الصحراء صرخات ملتهبة"، حدثينا عن ماهية هذا الكتاب؟ 
كتاب "الصحراء صرخات ملتهبة" يتناول مأساة إنسانية تتجلى في التعذيب بمخيمات تندوف، وهو الكتاب الذي صدرت منه أيضاً نسخة باللغة الإسبانية تحت عنوان "el sahara gritos ardientes"، وهناك أعمال أدبية أخرى سترى النور قريباً، بأجناس مختلفة.
في هذا الكتاب كان السرد متواتراً عما تعيشه النساء من مآسي داخل مخيمات تندوف، حيث يتحملن ما لا يطاق ويعانين الأمرين بفعل قساوة الظروف اللاإنسانية في تلك المخيمات، كما تحدثت عن كل صور التعذيب هناك التي تساءل الضمائر الإنسانية.
تحدثت أيضاً عن ثلاث نماذج أخرى عاشت في ذاك الجحيم، نقلت أوجاعها واستغاثتها وأهوال مصائرها حتى أنها كانت تستحضر شبح الموت في كل اللحظات التي عاشتها هناك.
 
هل استطعت أن تفرضي نفسك في الساحة الشعرية؟
أنا أؤمن بالتحليل الموضوعي، كتبت ولا زلت أؤمن بهذا الفعل الثقافي، وبه أتقاطع مع الكثيرين أحلاماً وانكسارات وطموحات مشتعلة، كما أتقاسم معهم صوراً مأساوية عاشوها وعبرت عنها بكل صدق، أعتقد أن هذا دوري ومسؤوليتي، فلست ناقدة ولا يمكنني أن أؤدي هذا الدور. 
 
ما الصعوبات التي تواجهك على مستوى النشر؟
لا صعوبة تذكر في مجال النشر إلا الماديات، وهو مشترك مع الكثيرين، فلا يمكن أن يتوفر لديك المال دائماً لتقضي كل حاجياتك ومآربك كيفما كانت داخل مسلسل تتجاذبك فيه الأولويات اليومية.
 
ماهو تقييمك للمشهد الشعري المغربي النسائي؟
الإبداع واحد لا يتجزأ، وشخصياً لا أميل لهذه التسميات فليس هناك شعر خاص بالنساء وآخر خاص بالرجال، هناك نساء شاعرات وأخريات كاتبات، كل يكتب بطريقته الخاصة لكن الجميع يتوحد أو ينصهر في بوتقة الشعر والبوح، وإذا كان بإمكاننا الحديث عن مشهد شعري، فإننا نذكر في هذا المجال ظهور حركة كتابة بدأت مع جيل التسعينيات لتتبلور أكثر في الألفية الأخيرة، حيث ظهرت نساء شاعرات في المغرب وما تزال الحركة مستمرة وتفي بالغرض المطلوب من حيث عدد الإصدارات الشعرية والمشاركات المشرفة في المقاهي الأدبية والمنتديات التي تظهر بين الفينة والأخرى حساسيات شعرية جديرة بالاهتمام.
 
كيف تقارنين المشهد الثقافي المغربي مع نظيره في العالم العربي والعالمي؟
قد تتشابه وتتقاطع كل المشاهد الثقافية بسبب كثرة نقط الالتقاء والاهتمامات المشتركة ومناهج الفعل الثقافي، لكن لا يمكننا أن ننفي مبدأ الخصوصية بين هذا المجتمع والمجتمعات الأخرى، لأن المشهد الثقافي له منابعه وأصوله وتاريخه أيضاً، وهو ما يجعلنا نشير إلى خاصية أخرى هي التعددية الثقافية حتى داخل المجتمع نفسه والتي تنهل من التعدد اللغوي والميول الفكري والتعدد أيضاً في طرق التعبير عن هذا المكون الثقافي أو ذاك داخل منظومة متكاملة ونسق يشير إلى أن ثقافة هذا البلد وثقافة البلدان الأخرى تلتقيان وتصلان معاً إلى قارئ ومتتبع مفترض.
 
إذا كنت وزيرة للثقافة، ماذا ستعدين من مشاريع لدعم الشعر؟
لم أحلم يوما بهذا المنصب، ولا يغريني أبدا أن أكون وزيرة ثقافة، أفضل الإبداع وأن أرى النور في التعبير عن الآخرين وعن معاناتهم. أما ما يخص دعم الشعر والأعمال الثقافية فضروري ومؤكد، فالمشروع الثقافي بالأساس لا يشمل الإصدارات (على قلتها) بل يتعداها إلى صياغة سياسة ثقافية متكاملة البنيان، لأنها أساس التنمية بكل مجالاتها.
 
كيف تدعم الجمعيات والمؤسسات الثقافية كيف تلتفت إلى الأصوات الشعرية في المغرب الشعراء؟
الدعم الخاص بالأعمال الثقافية في المغرب، وإن وجد، من خلال حفلات توقيع الكتب أو الندوات، ودعم النشر، والاحتفاء بالمبدعات والمبدعين في المعارض الثقافية، فلا يزال لا يشفي الغليل، فثمة مسؤولية مشتركة تشير إلى أن الحركة الثقافية يجب أن تتوسع أكثر وتوسع دائرة القراءة أكثر، وتجعل من الفعل الثقافي حاملاً حقيقياً للتنمية ورهاناً لتحول مجتمعي حقيقي.
 
إلى جانب كونك شاعرة تمارسين الصحافة كإعلامية. ما رأيك في حضور النساء المغربيات في السياسة ومراكز القرار؟
رغم تسجيل العديد من المكتسبات في البرلمان والمجالس المنتخبة ما يزال الوضع يقتضي بذل مجهودات أكبر، انسجاماً مع الحقوق الدستورية المتمثلة في المساواة في الحقوق الكاملة، ويجدر الحديث في هذا الاتجاه في تحقيق المناصفة، ونستحضر في هذا المجال العريضة المرفوعة للبرلمان والنقاش المجتمعي والحقوقي السائد لتحقيقها ميدانياً.