"القديس برفيريوس" أول كنيسة في غزة تبنى بأمر من ملكة الروم
يزين سقف كنيسة "القديس برفيريوس" بالأيقونات التي ترمز لقصص من العهد القديم، بينما تضم الجدران أيقونات صغيرة وكبيرة تروي حكايات بعض شخصيات القديسين كالقديسة هيلانا.
رفيف اسليم
غزة ـ تخطف كنيسة برفيريوس القديمة، أنظار زوارها فمن الأعمدة الرخامية الموزعة بطريقة هندسية وحتى الأيقونات المسيحية المرسومة على السقف باللوني الذهبي والأزرق، التي تروي قصص المسيحية بالعهدي القديم والجديد، لتمثل العناصر السابقة عوامل جذب تجعل المتأمل في حضرة الكنيسة لا يدري كم من الوقت قد مر وهو يتأمل سقفها، وصولاً للصور المصفوفة على جدرانها.
حول كيفية بناء الكنيسة أوضحت الباحثة في علم التاريخ نورا ديب لوكالتنا، أن الكنيسة بنيت بطريقة تقاوم عوامل النحت والتعرية على هيئة سفينة في القرن الخامس ما بين عامي (402 ـ 407) الميلاديين، وبمستوى منخفض عن سطح البحر، مرتكزة على عمودين رخاميين ضخمين الكورانتي والتاجي، إضافةً لزهرة اللوتس التي تميزت بها الحقبة البيزنطية آنذاك، لافتةً إلى أنه بقي القديس برفيريوس راعياً للكنيسة بأمر من ملكة الروم أفذوكسيا.
بالعودة لبداية القصة، لفتت إلى أن سكان مدينة غزة كانوا يعبدون الأوثان، فلم يكن هناك ديانات أخرى حتى اليهودية لم تكن موجودة، وقد واجه القديس برفيريوس مشاكل في دخول المدينة ونشر المسيحية فيها عندما جاء إلى فلسطين من مدينة سالونيك في اليونان عام 395، فسكن لفترة في مدينة القدس، وأصبح بعدها كاهناً للرعية المسيحية، وقد كان عددهم قليلاً جداً لا يتجاوز خمسون شخصاً.
وأوضحت أن السبب الأساسي من زيارة القديس برفيريوس لمدينة غزة هو أداء صلاة المطر، والتي أنقذت المدينة، بعد سبع سنوات من القحط، بعدها اعتبر أنه جاء لنشر الديانة المسيحية ومؤازرة المسيحيين، لذلك اتجه كي يطلب العون من الإمبراطور وزوجته الملكة لبناء أول كنيسة في غزة، مضيفةً أن الكنيسة تنتمي للأرثوذكسية الشرقية، وقد أطلق عليها عدة تسميات منها كنسية الملكة أفذوكسيا والمقبرة، والقديس برفيريوس.
وأشارت إلى أن الإمبراطور الروماني آركاديوس كان مشغولاً في أمور البلاد فلم يستطع مقابلة القديس، لذلك أوكل المهمة لزوجته الملكة أفذوكسيا، حيث التقى بالملكة في القسطنطينية وأفصح لها عن رغبته في بناء كنيسة بغزة، لافتةً إلى أن الملكة لا تنجب أطفال، فأنبأها بأنها ستنجب طفلاً، مما دفعها إلى وعده بالبناء في حال أنجبت طفل.
ولأن من أسرار الكنيسة بيوم التعميد يطلب العامة ما يريدون من الإمبراطور، قالت نورا ديب أن القديس ذكرهم بوعد الملكة له وبالفعل بعد ولادة الطفل بأسبوع أوفت الملكة بوعدها، وتم البدء بإدخال مواد البناء وأعمدة المرمر "الحجر السكري" في ظل حماية ملكية، وبنيت فوق معبد وثني خشبي بعد أن تم حرقه.
ولفتت إلى أن الكنيسة في البداية استخدمت للصلاة على أموات المسيحيين وقد أحاطت بها مقبرة للدفن، فيما دشنت بالقرب منها كنيسة أخرى باسم الملكة أفذوكسيا للصلاة ومع مرور الأيام، تحولت الكنيسة لمصلى، وتمت تسميتها على اسم القديس بعد وفاته بأمر من الملكة أفذوكسيا تقديراً لجهوده في نشر الديانة المسيحية.
وقالت نورا ديب أن مساحة الكنيسة البالغة 216 متراً، تقسم إلى قسمين الداخلي هو الرواق أو الصالة الداخلية والتي تتسع إلى نحو 400 ـ 500 شخص، بينما يتمثل القسم الثاني في الهيكل "قدس الأقداس" وهو مكان وجود المذبح أو الإنجيل المقدس، ويخصص للكاهن من أجل قضاء الطقوس الدينية يدخله الرجال للخدمة والضروريات فقط، إضافةً للمغطس المستخدم للتعميد.
أما سقف الكنيسة فيزين بالأيقونات كل أيقونة ترمز لقصة في العهد القديم، بينما يروي الجزء الآخر حكاية العهد الجديد والسيد المسيح وصلبه، وقيامته، وتلاميذه، وموت مريم العذراء، وصعوده إلى السماء، بينما تضم الجدران أيقونات صغيرة وكبيرة لتزيين الكنيسة، ورواية حكايات بعض شخصيات القديسين كالقديسة هيلانا وابنها قسطنطين، بحسب ما أوضحته نورا ديب.
وفي ختام حديثها نوهت نورا ديب إلى أن الكنيسة تحظى برعاية بالغة فدائماً ما يكون داخلها صيانة وتغيرات بما يتناسب مع العصر الحالي، فمثلاً كانت الثريات إضاءتها من الشمع تحولت لإنارة كهربائية، وأحضرت العديد من الصور واللوحات التي وضعت لتحفظ جدران المبنى من الرطوبة، مضيفةً أنه قد حضر رسامين من اليونان خصيصاً لرسمها، إضافة لترميم العديد من الصور الأثرية القديمة التي وضعت منذ بنائها.
وتستقبل الكنسية خلال يوم الاثنين من كل أسبوع آلاف الزائرين الذين ينبهرون بروعة المعمار ويسعدون بوجود المسيحيين في قطاع غزة، وبوجود الكنيسة التي تمثل دعامة لوجدوهم على هذه الأرض منذ آلاف السنين، في ظل وجود تحفة معمارية تضاهي المسجد العمري وقصر هشام، وأماكن أثرية أخرى في فلسطين.