النسيج اليدوي يقاوم الزوال في إدلب
النسيج اليدوي مهنة متوارثة في إدلب ومقصداً للراغبين بإحياء تراث الآباء والأجداد، وحرفة تزاولها النساء لكسب لقمة العيش بعيداً عن براثن الحاجة والعوز.
لينا الخطيب
إدلب ـ تحافظ نساء معيلات في إدلب على مهنة نسج الصوف اليدوي، بسبب جودته التي تفوق الآلي، ورغبتهن بتحقيق مردود مادي يلبي احتياج عوائلهن وسط ظروف معيشية صعبة، وتأكيد قدرتهن على الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
حول مهنة النسيج اليدوي قالت هناء الطعمة البالغة من العمر 33 عاماً، وهي نازحة من بلدة تلمنس بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم في بلدة قاح شمالي إدلب "هذه الحرفة من الحرف التراثية التقليدية التي تشكل مصدر رزق لإعالة أولادي الثلاثة بعد وفاة والدهم، كما تساهم بملء أوقات الفراغ في ليالي الشتاء الطويلة والباردة".
وأوضحت "تعلمت هذه الحرفة من أمي منذ الصغر، وبعد وفاة زوجي في الحرب تحولت الهواية إلى مصدر للرزق بسبب حاجتي للعمل للإنفاق على نفسي وأولادي".
ولفتت إلى أن "حياكة الصوف هي مهنة تحتاج إلى صبر وخبرة، ودقة في العمل لأن أي خطأ في الغرز، يفقد القطعة قيمتها واضطر إلى إعادة حياكتها مجدداً، وهذا يحتاج إلى جهد وساعات طويلة من العمل".
ومن جانبها قالت سلمى العدوي البالغة من العمر 41 عاماً، نازحة من مدينة خان شيخون إلى مدينة إدلب، التي لا تضطر لشراء كرات الصوف الجديد، بل تعيد تدوير الصوف القديم "أعاني من غلاء أسعار كرات الصوف، لذا اضطر لشراء منسوجات من محلات الألبسة المستعملة وأعيد تدويرها مجدداً".
وأشارت إلى أنها تصنع الملابس والشالات وقبعات الصوف، إلى جانب مفارش وملابس لألعاب الأطفال بأشكال مختلفة، موضحةً أنها تستعين بمواقع التواصل الاجتماعي لابتكار وانتقاء تصاميم مميزة وعصرية، فضلاً عن الترويج لمنتجاتها.
وأضافت أنها تطمح بافتتاح مركز لنسج الصوف، بهدف تشغيل النساء المعيلات والمحتاجات للعمل، وتعليم من ترغبن بالتعليم ومزاولة المهنة.
وكذلك مروة السد البالغة من العمر 51 عاماً من قرية عين شيب، التي تعمل في الورشات الزراعية لكنها اتخذت من حرفة حياكة الصوف، مصدر دخلٍ إضافي يساعدها ويساعد عائلتها على تأمين بعض متطلبات الحياة الأساسية.
وأوضحت أنها تصنع أيضاً البسط ومفارش الأرضيات من الصوف، وتتميز بألوانها الزاهية المتنوعة وزخارفها الجميلة التي تحمل دلالات مختلفة مستوحاة من الطبيعة، حيث تتفنن في زخرفة ونقش "الصوف" بنقوش جميلة، وهي عبارة عن أشكال هندسية متنوعة، وألوان صارخة ومتناسقة لتعكس حساً فنياً وذوقاً جمالياً.
وعن مراحل تجهيز الصوف وصناعة البسط قالت "في السابق كانت العملية تبدأ بجزّ صوف الأغنام الطبيعي، والذي يتم مرة واحدة فقط خلال العام، ثم يتم غسل الكميات التي نحتاجها، ومن ثم تفتيحه وغزله على مغازل يدوية، ويتم بعد ذلك تحويله إلى خيوط وإعداده للصبغ بألوان مختلفة، ومن ثم إلى آلة النّول وهي أداة خشبية يدوية الصنع لتبدأ عملية النسيج".
وحول عملية الصنع أوضحت أنها تبدأ بلف خيوط الصوف الملونة على "المكوك" ومن ثمَّ تبدأ بتمريرها على آلة النول الخشبي المنثور عليها خيوط بيضاء مفرقة بشكل طولي، ثم يتم ضرب مشط آلة النول يدوياً بشكل قوي لتعمل على تشبيك الخيوط بعضها ببعض بشكل متساوِ ومتلاصق دون أية فراغات.
وأشارت إلى أن خيوط الصوف أصبحت تأتي مُصنعة جاهزة، الأمر الذي وفر الوقت والجهد، مؤكدةً أن للنسيج اليدوي عشاقه رغم تبدل الاحتياجات ودخول صناعات النسيج الآلية المتعددة، لما يحمله من خبرات وفنيات جمالية مميزة تبرزها الأشكال الهندسية المكررة والألوان التي تبدأ من الأسود وتنتهي بالألوان الزاهية، ويظهر فيه أثر الفن وبراعة يد الصناع.