ألفت خطّار تروي قصة امرأة من الطفولة وحتى الموت في "عزيزتي ألفت"
"عزيزتي ألفت" مسرحية جسّدت فيها ألفت خطار كتابةً وتمثيلاً مسار حياة كل فتاة دفعها خوف العائلة والالتزام بقيود المجتمع إلى الحرمان من التمتع بحياتها العادية
بين الكرسي والكتاب اتخذت "ألفت" مكاناً لها لتروي قصة كل فتاة مُنعت من أبسط حقوقها في الحياة، حُرمت من رحلةٍ مع زملاء الدراسة، من فستان قصير لطالما حلمت أن ترتديه، من التعبير عن رأي أو موقف أو طلب.
"ألفت" التي أجبرتها عائلتها على الكذب والبحث عن فارس أحلام يجسّد لها الحرية والافلات من القيود، هربت إلى أول شخص اعتقدت أنها وجدت معه مبتغاها، إلا أن فارس الأحلام سرعان ما أسدل الستار عن وجهه الحقيقي، وجه الرجل الذي نسي أفكاره الثورية وخضع لذكورتيه، ذلك الفارس الذي اعتقدت أنه الشهم الذي خيّرها بين الخضوع أو الحرمان من حضانة ابنها.
كارولين بزي
بيروت ـ ، وهي قصة امرأة حرمتها المحاكم الدينية من الحصول على حضانة طفلها في بلد لا يأبه فيه القاضي ورجل الدين لمشاعر أطفال يأخذون من أمهاتهم، أطفال أصبحوا ضحايا بين ذكورية الرجل وكبرياء المرأة.
"ألفت" التي اختارت أن تكون امرأة وسيدة نفسها لا جارية، لا تمثل تلك المرأة الضعيفة والمكسورة، بل كسرت تلك الصورة النمطية وخطّت لنفسها حياةً مهنية ناجحة، لم تستسلم للواقع المرير وستبقى تدافع عن حقها بحضانة "آدم" وعودته إلى أحضانها حتى الموت.
"عزيزتي ألفت" مستوحاة من قصة ألفت خطار التي حُرمت من ابنها
قصة "عزيزتي ألفت" مستوحاة من قصة ألفت خطّار التي حُرمت من ابنها بسبب المحاكم الدينية، وتقول لوكالتنا "مسرحية "عزيزتي ألفت" جزء منها قصتي ولكنها كُتبت كمسرحية لأنها قصة كل فتاة وامرأة، لن تكون كافة تفاصيل المسرحية مشتركة مع المشاهد ولكن لن يشاهدها أحد من دون أن يجد نفسه في أحد تفاصيلها".
وعن اتخاذها قرار كتابة القصة، تقول "منذ ثلاث سنوات انضممت إلى مسرح "شغل بيت"، وفي العام 2019 طلب منا المخرج ومؤسس مسرح "شغل بيت" شادي الهبر أن نكتب قصة نكشف فيها عن حقيقة نتحدث عنها للمرة الأولى على المسرح ضمن مشروع مسرحية "حياتي ثورة"، كنا خلال التمارين على المسرح قد تطرقنا لمواضيع كثيرة ولكنها كانت المرة الأولى التي أتحدث فيها عن ابني، وجسدت مشهداً صغيراً عن ابني. من بعد "حياتي ثورة" وجدت أنني أصبحت جاهزة لكتابة القصة لم يكن قراراً بل شعوراً، كتبت القصة وقرأ شادي الهبر النص ونال اعجابه ثم كتبه ثانيةً بشكل مسرحية، كما أنه سمح لخياله أن يكتب قصصاً لا تشبه جميعها ألفت بل تشبه العديد من النساء والفتيات، وعندما كنت أجسد "عزيزتي ألفت" لم أكن أجسد شخصيتي بل أجسد الشخصية في العمل المسرحي".
وتتابع "عزيزتي ألفت هي المراهقة التي قوبلت طلباتها بالرفض من قبل والدتها وعندما كبرت تُركت بمفردها لحياة لا تعرف فيها تقييم الناس واختيار شريك حياتها الصحيح، وهنا كانت أمام خيارين: إما الاستسلام لواقع أمها وجدتها والثقافة والتربية التي نشأن عليها أو الخيار الثاني وهو برفض الواقع لأننا سنعيش هذه الحياة لمرة واحدة وعلينا أن نعيشها بالشكل الذي نقتنع به، لكن الضريبة سندفعها في كلا الخيارين".
"خوف الأهل على أولادهم يحرمهم من الخبرة والنضوج"
وتلفت إلى أن أسلوب التربية في بداية المسرحية والذي قوبلت به "عزيزتي ألفت" كان من نسج خيال المخرج ولكنه أيضاً يشبه حياة العديد من الفتيات، وتضيف "لكن لا أنكر أنني واجهت في تربيتي ضوابط كثيرة لأن الأهل يخافون على ابنتهم بشكل عام في مجتمعاتنا، ولاسيما أولئك اللواتي تربين في مجتمعات محافظة".
وتتابع "خوف الأهل على أولادهم يحرم الأولاد من الخبرة، أنا أفضّل أن تخطئ ابنتي وأنا موجودة لكي أعلمها كيف تتعامل مع الظروف، بدلاً من الخوف من الخطأ لأنها في النهاية ستقع بالخطأ ولكن لن تجد من يحميها"، وتضيف "كلما نضجت أكثر كلما تفهمت تصرفات والدتي أكثر، وأدركت بأنها كانت تتصرف وفق تربيتها".
تطرقت ألفت خطّار في "عزيزتي ألفت" إلى لجوء الفتاة للكذب على أهلها بسبب الخوف من ردة فعلهم، وتعلق على ذلك بالقول "الفتاة تتجنب إخبار أهلها بتفاصيل حياتها لأنها تخاف من خسارة المساحة الصغيرة التي تشكل لها متنفساً للحرية لذلك تلجأ للكذب".
"التربية والثقافة في مجتمعنا يشكّلان عبئاً على الذكر والأنثى على حد سواء"
وتتابع "نحن نعاني في هذا المجتمع الذكوري كإناث أو رجال من عبء تربيتنا. هذه التربية تفرض على الشاب بأن يظهر بصورة معينة فيظلم نفسه ويظلم حبيبته وزوجته وأولاده، لكي يظهر بالصورة التي رسمها له المجتمع. والفتاة مجبرة أن تكذب على نفسها فيما يتعلق بطبيعة الحياة التي تعيشها ومصدر سعادتها".
تناولت ألفت في المسرحية موضوع الزواج المدني، ووصفت "فارس أحلامها" في العمل بأنه "يحفظ مفهوم الزواج المدني ولكنه لا يفهم معناه"، تعلق على ذلك بالقول "أعتقد أن حفظ الشعارات من دون فهمها تتعلق بالكذب والتناقض وعدم المعرفة والنضج، مثلاً: كثيرون يدّعون العلمانية ولكن عندما يصل الموضوع إلى حياتهم الشخصية يعودون إلى ثقافتهم وتربيتهم، وتختفي الهوية العلمانية فجأة. أعتقد أن ما يجري في مجتمعنا هو أن البعض عندما يجد مساحةً للحرية في أي مجتمع أو حزب أو جماعة يلتحق به مباشرةً للاستمتاع بهذه الحرية لا اقتناعاً بهذه الجماعة وأفكارها، وذلك يشكّل ضياعاً للهوية ففي البداية علينا تحديد هويتنا والعودة إلى ذاتنا لنعرف فعلياً ما الذي نريده، وإذا أردنا فعلاً أن نبني دولة مدنية علينا أن نطوّر من أنفسنا وأفكارنا".
"موضوع الحضانة في المحاكم الشرعية مأساوي"
موضوع الحضانة مشكلة شائكة في لبنان وهو من أبرز المواضيع التي تطرقت لها ألفت خطّار في المسرحية، تقول "بسبب عدم وجود قانون أحوال شخصية موحد في لبنان والذي يمنح الطفل قبل أمه الحق، إذ يُجبر الزوجان في حالات الطلاق دائماً العودة إلى المحكمة الدينية التي ينتمي إليها الزوج، في حال كان الزوجان من طائفتين مختلفتين وحتى لو كان زواجاً مدنياً"، وتتابع "موضوع الحضانة في كافة المحاكم الشرعية مأساوي، وأعتقد أن فكرة الحضانة في لبنان تحتاج لإعادة تأهيل. حتى لو أُعطيت المرأة حق الحضانة لابنها لغاية التسع سنوات، هل على الأم أن تهيأ ابنها بأنه سيتركها أو عليها أن تصدمه عندما يحين موعد انتقاله للعيش مع والده؟ فهذه عوامل تؤثر على نفسية الطفل".
وتضيف "عندما نطالب بتغيير سن الحضانة أو قانون الحضانة ليس انتقاصاً من الدين، بل نطالب بأن تكون مصلحة الطفل هي الأولوية بعيداً عن مصلحة الأب أو الأم، لأن الصراع على الحضانة إذا تحوّل إلى انتقام بين الطرفين، فالذكر ينتقم لذكورتيه والمرأة تنتقم لكبريائها ويتحول الطفل إلى ضحية. وتستغرب ألفت كيف أنه لغاية اليوم يوجد قضاة ورجال دين تسمح لهم ضمائرهم وأخلاقهم ودينهم بأن يحكموا أحكاماً تؤثر سلباً على الأولاد".
خلال المسرحية تكتب ألفت خطار مذكراتها على كرسي اتخذته مأوى لها، ولكن لمن تلك المذكرات تجيب ألفت "هذه الرسالة لألفت وآدم معاً، لأنه يهم "عزيزتي ألفت" أن تصل رسالتها إلى آدم ليجد والدته لأنها لا تعرف عنه شيئاً ولا تستطيع الوصول إليه، كما أن "عزيزتي ألفت" لم تأخذ حقها وتحاول من خلال هذه الرسالة أن تأخذ حقها الذي لم يعطها إياه أحد".
جسّدت ألفت خطّار المسرحية بمفردها وأدت فيه أكثر من شخصية، لعبت دور والدة ألفت وزوج ألفت و"عزيزتي ألفت"، وتلفت إلى أنه من الصعب والمرهق تأدية مسرحية بمفردها ولكن مع التدريبات والتمارين استطاعت أن تفصل بين شخصية وأخرى.
كُتبت مسرحية "عزيزتي ألفت" في العام 2019 وتم تأجيلها بسبب انتشار وباء كورونا، واستمرت لنحو عام ولكن بطريقة متقطعة.
"عزيزتي ألفت" ليست ضعيفة بل جاهزة لمواجهة المجتمع"
مخرج مسرحية "عزيزتي ألفت" شادي الهبر، يقول بأنه "أقنع ألفت بأن تتحدث عن ابنها آدم الذي حُرمت منه، وقدمت في مسرحية "حياتي ثورة" مشهد من سبعة دقائق وشعرت بأنها باتت تستطيع أن تتحدث عن ابنها".
ويتابع "اعتبرت ألفت بأنها باتت جاهزة لخوض المعركة لأن المسرح أعطاها دافعاً وقوة لمواجهة المجتمع، وتطلب منها النص شهراً واحداً لكتابته، وعلى الرغم من أنني انتقائي ولكنني أحببت النص كثيراً، وقمنا بتطويره معاً".
ويشير إلى أن الملفت بقضية "عزيزتي ألفت" بأنها ليست امرأة مكسورة أو ضعيفة، بل هي امرأة قوية وحققت ذاتها، وأعتقد أن هذا النوع من النساء يجب تسليط الضوء عليه. هي امرأة لا تحتاج للشفقة بل تريد أن تصل قضيتها للجميع".
لا يعتبر المخرج شادي الهبر بأن العودة إلى المسرح في ظل انتشار كورونا والوضع الاقتصادي الصعب يشكل خطر، بل يعتبر أن "المسرح كان ناشطاً خلال الحرب الأهلية، لا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي، ويجب أن نحافظ على الثقافة في بلدنا في أي ظرف كان".
في ختام المسرحية تتحول "عزيزتي ألفت" إلى عجوز تترك كتابها بانتظار عودة آدم وترحل على أنغام قصيدة "لو كان لي قلبان" لقيس بن الملوح، والتي أداها عمر أحمد بصوته خصيصاً للمسرحية. كان للإضاءة دوراً كبيراً في المسرحية وقد عمل على تصميم الإضاءة هاكوب درغوكاسيان ونفذها ايشا عبد الكريم، أما التصوير الفوتوغرافي لكريس غفري.