'الفلسفة مجال بحثي معرفي يدافع عن حقوق المرأة'
وظفت الباحثات العديد من المجالات للتعبير عن معاناة المرأة والسبل المناسبة لنيل حقوقها، منها الكتابة الأدبيّة والفلسفية.
إخلاص الحمروني
تونس ـ الكاتبة والباحثة التونسية أم الزّين بنشيخة المسكيني تنتمي لفئة الباحثات المهتمات بالقضية النسوية، لها العديد من المؤلّفات الفكرية ذات العلاقة بالفلسفة والمرأة وبالفنّ والجمال.
كتبت عن فلسفة الفن اقتناعاً منها أن الفن والفلسفة مجالين متكاملين قادرين على الدفاع عن حقوق المرأة خصوصاً والبشرية عموماً، وتعد تجربتها في الكتابة "ثرية" تتراوح بين التأليف الفكري في الفنّ والكتابة الأدبيّة والفلسفية، وبمُناسبة إصدارها مؤخراً كتاب "صخب المؤنث" ورواية "صياد الغروب" كان لوكالتنا حوار مع الباحثة التونسية والمحاضرة في الفلسفة أم الزّين بنشيخة المسكيني حيث تراها تارة الدكتورة الباحثة الأستاذة في كتابتها المعرفية التنظيريّة وتارة المرأة الكاتبة الحالمة في كتاباتها الأدبية الروائية، ومن بين المؤلفات النظرية والإبداعية "تحرير المحسوس" و"الفن في زمن الإرهاب" و"كانط والحداثة الدينية" و"لمسات في الجماليات المعاصرة" و"رواية جرحى السماء" و"طوفان من الحلوى بمعبد الجماجم".
تتحدثين كثيراً في كتاباتك ذات الطابع الفلسفي عن المرأة، ما هو تقييمك لواقع المرأة التونسية؟
المرأة التونسية عموماً كما يقال دائماً تحظى بالعديد من القوانين التي تدافع عنها وتعترف بحريتها وحقوقها وتساويها مع الرجل، لكن هذا يبقى مجرد قانون فعلى أرض الواقع المرأة تعيش تحت هيمنة الأنظمة الذكورية وتعاني عنفها الذي جعلته قضية أساسية، وفي الحقيقة منظمات المجتمع المدني دائماً تندد بما تتعرض له النساء المعنفات في كل مكان وخاصة في المدن الداخلية أو المدن الكبرى أو العاصمة فأنا أرى أن الموقع الجغرافي ليس هو المقياس الأساسي لانتشار العنف، لكن المقياس هو الأنظمة الفكرية الرمزية والثقافة الذكورية، والعمل لوضع حد لظاهرة العنف ضد النساء هو في حقيقة الأمر ليس نضال ضد الرجال بل هو نضال معهم من أجل ضمان حق الحياة لكلا الجنسين مع تحقيق أدنى حدود الكرامة والمساواة والحقوق.
هل استطاعت الباحثة إثبات ذاتها؟
وضع المرأة لا يتعلق بالمكان الجغرافي فقط بل يتعلق بالمرأة كـ "هوية جندرية"، فهي لا تزال تناضل من أجل فرض مكانتها في البحث العملي ومجال إنتاج الحقيقة والمعرفة، فعلى الرغم من وجود عدد من النساء نجحن من فرض مكانتهن داخل هذه الأنظمة إلا أنه يحتاج لاعتراف وتأريخ من وجهة نظر نسوية، والمشكلة لا تتعلق بوجود نساء باحثات متحصلات على الدكتوراه ويفرضن أنفسهن في مجال إنتاج المعرفة بل إنها تكمن في اعتراف ضمني وعقلي لهذه النجاحات وبعث قوانين خاصة ودقيقة تقر بذلك.
وفي الجامعة التونسية تحظى المرأة مقارنة بباقي جامعات المنطقة بنصيب أكبر من المساواة في الحقوق الأكاديمية والمعرفية وهدا أمر إيجابي، وربما اللامساواة بين المرأة والرجل لا تظهر في الجامعة بل تظهر أكثر على الفئات الهشة والفقيرة وحتى في المجتمعات الثرية في إطار تعقد ظاهرة العنف التي تحتاج إلى الكثير من الدراسات حتى نفهم لماذا ثمة عنف يطبقه الرجال على النساء حتى في الطبقات التي تعتبر نفسها قد حققت درجة معينة من "الكرامة المادية".
وأقول "المرأة الكادحة" فالمرأة التي تنتمي إلى الفئات الهشة لا تجد من ينصفها إلا بشكل موسمي أي في الأعياد والمناسبات، وهذا لا يكفي لان إنصاف النساء الكادحات اللاتي يصارعن الموت في شاحنات النقل وهن في طريقهن للحقول من أجل تحقيق الاكتفاء الغذائي للتونسيين ويعاملن بشكل سيء ويعنفن.
هل نجحت المرأة الباحثة أو "الفيلسوفة" في الدفاع عن المرأة المهمشة؟
في تونس لا يتم الاعتراف بوجود أي "فيلسوفة" ونعاني "أيتيقية" سيئة في تسمية أنفسنا وعدم الاعتراف بالكادحين، إنه أمر مسيء للذين يكتبون ويناضلون حتى تكون لدينا أسماء ورموز بحثية.
وبالرغم من ذلك يجب ألا ننسى الباحثات في مجال الفلسفة، فأحاول شخصياً أن اجعل هذا البحث الفلسفي أو ميدان الفلسفة إمكانية لكي تفرض المرأة نفسها ليس بوصفها امرأة فقط بل بوصفها قادرة على تحرير مجتمع برمته من أوهامه وأنظمته الرمزية غير العادلة فعندما تكون المرأة مبدعة فهي تساهم في إمكانية إنتاج "الحلم" والأمل .
وفي حقيقة الأمر أرى أن الفلسفة ليست مجرد اختصاص أكاديمي فقط بل هي مجال بحثي معرفي يمكن للمرأة أن تدافع من خلاله على مكانة النساء ومشاكلهم، وكما يقال إن الفلسفة حريصة قيم العقل وحقوق العقل في شعب ما، فإن المرأة كالرجل يمكنها أن تجعل من الفلسفة مخزونا للحرية وتحرر مجتمع برمته وليس مجرد الدفاع عن قضية المرأة .
والمرأة التونسية بفضل القوانين وفي غيابها تملك مسيرة نضالية واعتبر الفلسفة نوع من النضال العمومي من أجل إبقاء صوتها حر وقادرة على البقاء في تصالح مع الرجل وتحالف معه ضد كل أشكال تكميم الأفواه واستعباد الناس بهدف تفقير المجتمعات وتجويعها، وفي تونس المرأة كحال الرجل نبراس وشمعة تضيء في كل ظلام و تحارب كل مظاهر الظلم .
ومن منطلق فلسفي المرأة مناضلة وكادحة سواء في البيت أو الحقل أو الجامعة أو العمل، وأرى أن الكتابة شكل من أشكال النضال وليس "ترف" والمجتمعات التي ترى أن الكتاب أمراً ثانوي هي مجتمعات تقوم على الابتذال المعمم للحقيقة وتتلاعب به قوانين الدول، وفي الحقيقة للمرأة دور كبير في الدفاع عن صوت الحقيقة ورفعه للحفاظ على كرامة الشعوب المظلومة، فكتاب "كتائب عسكرية " هو من أجل الدفاع عن الحرية والكرامة وضمان لقمة العيش ويمكنني القول أن العدالة الاجتماعية مطلب أساسي جداً بالنسبة لي.
ما هي آخر أعمالك التي تجسد واقع المجتمع عموماً والنسوية خصوصاً؟
خلال العام الماضي أصدرت أربع كتب هي نتاج عمل سنوات عدة لكنها صدرت دفعة واحدة، منها "فلسفة في الفضاء العمومي" وهو كتابي الأول وأردت من خلاله الدفاع عن الفلسفة وإخراجها من جدران الجامعة ونشرها في الشوارع كحال مسرح الشوارع يمكن للفلسفة أن تكون "فلسفة شوارع"، كما قمت بنشر كتاب متاح مجاناً على شبكة الإنترنت بعنوان "الفن وسرديات المستقبل" ويهتم بالسؤال عن الأمل ونحن اليوم بحاجة ماسة للتساؤل عن إمكانيات المستقبل بخصوص الحروب الدامية والإبادة الجماعية التي يعيشها المدنيين في فلسطين خاصة أن العالم أصبح "متوحشاً" بشدة وهذا الكتاب يراهن على الأمل ومستقبل أقل فضاعة وشراً، بالإضافة لكتابي "الصخب المؤنث" المهتم بالدراسات النسوية خاصة الجديدة الإبداعية منها ويتضمن قسم للاعتراف بالرسمات التونسيات والعربيات، حيث عملت وفق أفق جديد يسمى "أفق ديكوليالي" الذي يعترف بالتحارب الإبداعية وينزع سحر الغرب ويحررنا من سطوة الاستعمار العقلي الإبداعي، وآخرها رواية "صياد الغروب" تتضمن قصة ألم ممزوجة بالكثير من الحب وهي مهداة إلى جزيرة "قرقنة".
في كتابك "صخب المؤنث" تطرقت لأهمية وجود المرأة في الفضاء العمومي، فهل المرأة التونسية فقدت مكانتها في هذا الفضاء؟
المرأة موجودة في الفضاء العمومي كما أنها موجودة في الفضاء الخصوصي وكتاب "صخب المؤنث" يحرر المرأة من معارك النحو فمصطلح المؤنث أطلقه النحو العربي، وفي هذا الكتاب أتكلم عن المؤنث وليس الأنثى التي هي معطى بيولوجي شككت فيه كل النسويات وقالت إن المرأة لا تولد إمرة بل تصبح كذلك، أما المؤنث هنا كيف تبني هوية المؤنث أو هوية المرأة وكيف نخرج من معارك النحو وهويات الضمائر النحوية (أنت وهن ) ونقصد معارك الفضاء العمومي الذي تدار فيه سياسات الجندر وسياسات الحقيقة وسياسات الدول أيضاً ولا تدار في الفضاء الخصوصي أي في المنزل.
كما أن الصخب يكثر في الفضاء العمومي على الصراخ والغضب وكنت سأختار "غضب المؤنث" عنواناً لهذا الكتاب لكنني اخترت "صخب المؤنث" لأن فيه شيء من السردية الجميلة.
ماهي رسالتك لكل فتاة وامرأة؟
أحث الفتيات والنساء على فرض أنفسهن في أي مجال تكن فيه سواء تعلق الأمر بالدراسة أو الزواج أو العمل أو الفضاء العمومي ولا اعتبر الجامعة هي المكان الوحيد لتحافظ فيه الفتاة على هويتها وتدافع عنها.
ولدي ثقة كبيرة بالمرأة التونسية فهي متشبعة بقيم الكرامة والحرية ومتأكدة أنه بوسعها النجاح رغم وجود الاستثناءات، وأدعوهن للتبليغ وعدم التزام الصمت حيال ما يتعرضن له من عنف واضطهاد ويجب أن يدافعن عن أنفسهن.