إبداعها يُحول الأحجار الجَّامدة إلى قطعِ فنيةِ تنبضُ بالحياة
حولت بركين شيخ محمد بلمستها الإبداعية الأحجار الجَّامدة إلى قطعِ فنية بزخارفَ بسيطة، تنبضُ بالحياة، وصيرت من المواد الغير صالحة للاستخدام، أشكالاً مُعبرة.
سيلفا الإبراهيم
منبج-
تتمتع المرأة في شمال وشرق سوريا بحس إبداعي مُتفرد مصحوبِ بالقدرة على الابتكار، ويبرز ذلك عند الفنانات اللواتي يوظفنَّ مواهبهنَّ ببث الحياة في كل ما هو جماد لا روح فيه.
بركين شيخ محمد (29) عاماً، كردية الأصل من قرية قوملف التابعة لمدينة كوباني في شمال وشرق سوريا، وهي الأخت الكبرى لثلاث فتيات وثلاثة شبان، انتقلت مع أسرتها إلى مدينة منبج عام 1997، نظراً لظروف عمل والدها.
وأكملت مراحل دراستها في منبج، وتوقفت عنها لعامين نتيجة للأوضاع المتردية للبلاد، وفي 2014 توجهت إلى مدينة اللاذقية، لتكمل تعليمها بكلية التَّربية في جامعة تشرين، وكون والدها محامي كان أحد المستهدفين من قبل مرتزقة داعش خلال سيطرتهم على منبج، فانتقلت عائلتها بشكل كامل إلى اللاذقية، ولم يعودوا إلا في عام 2020، وفي نفس هذه السنة تخرجت كمعلمة صف.
وتقول بركين شيخ محمد أنها أحبت الرسم منذ طفولتها، لتُطور هذه الموهبة في الجَّامعة "دعمتني أسرتي كثيراً، وزودتني بالأدوات اللازمة، منذ البداية كنت أتطلع بشوق لحصص الرَّسم والأشغال اليَّدويَّة، وأهتم بالرسم على الزَّجاج والتَّطريز على الأقمشة".
وتَعتبر أن تخصصها الجَّامعي أسهم بشكل كبير في صقل إبداعها، إذ تعلمت كيف تنقل الفكرة للطلبة بأسلوب فني، وتضيف "كنت أذهب مع رفيقاتي إلى شاطئ اللاذقية لقضاء الوقت، فلفتتني الأحجار وفكرت في الرسم عليها، وبدأت بجمعها بدقة، بحسب الأشكال التي سأرسمها عليها".
وعن الألوان التي تستخدمها "أحصل على الأحجار من ضفاف نهر الفرات، وأستخدم الألوان المائية، فهي تجف بسرعة ولا تُلوث اليَّدين، إضافة لرش مادة اللكر عليها بعد الانتهاء، لتثبيت الألوان وإعطاء القطعة لمعاناً"، وتبين أنها تفضل أن ترسم الشَّخصيات الكرتونيَّة، ويظهر ذلك جلياً في أغلب أعمالها.
ولتطوير موهبتها سجلت في المركز الثقافي بمدينة اللاذقية في 2016، والحديث لبركين شيخ محمد "تلقيت الدورات لستة أشهر، ولتوسيع تفكيري الإبداعي ذهبت إلى دورات تعليم النّحت، وشجعني مدربي على الاستمرار".
وتتابع "نظراً لعدم توفر أدوات النَّحت، لم أُمارسهُ منذ عودتي إلى منبج، ولكن لدي بعض الأعمال كمنحوتة لآلهة العشق زيوس، ولشجرة بجانبها شخصية كرتونية، وفي حال توفرت الفرصة سأطور هذه القدرة، مستعينة بعدد من الضَّليعين في هذا المجال، فأنا لست راضيةً عما وصلت إليه".
وتحول المواد المستخدمة إلى لوحات فنية، عوضاً عن رميها كـ (مرطبان الماء، وعلب النوتيلا والكولا.. إلخ)، وتقول "أتصفح مواقع التَّواصل الاجتماعي للحصول على عدد من الأفكار، وكل قطعة أعيد تدويرها، أرسم لها في مخيلتي تصوراً عن الشكل الذي ستكون عليه بعد انتهاء العمل".
وصَنعت شجرة من النَّحاس تستند على قاعدة خشبية، وصائدات الأحلام التي ترجع لأسطورة هندية "هي قطعة دائرية مزينة بالخيوط، من المُعتقد أنها تجلب الأحلام الجَّميلة، وتتخلص من الشَّر، ولها أشكال عدة وتعلق في مدخل المنزل، أو على الشَّرفة".
وتُجسد عبر أعمالها الفنية المعاناة التي مر بها الشَّعب ولا سيما في شمال وشرق سوريا، خلال الأوضاع الراهنة، وتُبرز فيها الدَّعوة إلى السَّلام عبر الحمامة التي تحمل غصن زيتون، وصورة الطَّفل الذي فقد حياتهُ غرقاً أثناء الهجرة إلى أوروبا في 2015، تقول "من الجيد أن يوصل أصحاب المواهب رسائل تتضمن قضايا شعبهم، لذا علينا إتقان فننا، وعدم أخذه من باب الترفيه فحسب".
وتلجأ بركين شيخ محمد إلى الرسم عند احساسها بالوحدة أو الانزعاج، فبعد إعداد أدواتها، تتجه إلى شرفة منزلها، المطلة على شارع الواحدي المزدحم، وتضع سماعات الموسيقى في أذنيها، بعد أن تُحضر فنجان قهوتها المعهودة، حسب ما تقول.
وتؤمن أن النباتات التي تعتني بها، تعطيها طاقة ايجابية وصفاءً ذهنياً، "لا أشعر بمرور الوقت أثناء الرسم، وتتزين شرفة منزلنا بالأزهار المتنوعة والعديد من الصَّبارات التي رَسمت على أصيصها ووضعت فيها الأصداف".
وفي فترة الحَّجر الصَّحي التي بدأت في نهاية شهر آذار/مارس، قضت العديد من وقتها وهي ترسم "رسمت 500 عمل على الحجارة، قدمتها جميعاً لأصدقائي ومعارفي".
وكانت مشاركتها الفنية الأولى في مهرجان المرأة الثالث بمدينة منبج وريفها، الذي أنطلق تحت شعار "المرأة نبع الفن ونبض الإبداع"، واستمر ليومين متواصلين في 20 و21 شباط/فبراير من العام الجاري "عُرضت أعمالي في الخيمة التي تضمنت العديد من الأعمال اليدوية المُعبرة عن التَّراث الفلكلوري، ونالت إعجاب الحضور".
وتطمح أن ترتقي في مجالها لأعلى المُستويات، لأنها لم تصل إلى النجاح الذي تسعى إليه، فهي ترغب أن تكون لوحاتها أكثر واقعية.
وتؤكد بركين شيخ محمد أن هنالك العديد من النَّساء في مجتمعاتنا يمتلكن مواهب فذَّة، إلا أن البيئة التي وُلدن فيها منعتهن من إبرازها، وتأمل من جميع النساء أن يدركن قيمة المواهب "المرأة عُرفت بإبداعها عبر التاريخ، ورغم هذا تُوارى العديد من أعمالها الفنيَّة عن الأنظار".