واقع المرأة الفلسطينية ... أوهام وحقائق

بينت الناشطة النسوية والحقوقية ناتاشا الخالدي بأن واقع المرأة الفلسطينية مرتبط بالواقع السياسي والاقتصادي للدولة، فأي تطور أو تغيير سيؤثر في البداية على المرأة.

تحرير بني صخر
رام الله ـ
وفي حوار مع المدير العام لطاقم شؤون المرأة والناشطة النسوية والحقوقية ناتاشا الخالدي، والتي تحمل شهادة الماجستير في دراسات النوع الاجتماعي والتنمية، تحدثت لنا عن واقع المرأة الفلسطينية "الواقع الفلسطيني واقع معقد حيث لا نستطيع الحديث عن واقع النساء بمعزل عن الواقع الفلسطيني العام".
تأسست مؤسسة (طاقم شؤون المرأة) عام 1992 مع بدء مفاوضات أوسلو للسلام ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتعمل مع النساء في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية من أجل تنميتها وإحقاق حقوقها.
تغير واقع المرأة في فلسطين كيف ترين هذا التغيير؟
هنالك الكثير من العقبات التي علينا تذليلها كي تحصل النساء على فرص متساوية في سوق العمل، ولكن الواقع الفلسطيني معقد والاقتصاد الفلسطيني متواضع ومحاصر.
لا نستطيع القول أن النساء غير متمكنات اقتصادياً أو أنهن أقل تواجداً في سوق العمل من الرجال دون ربط ذلك بالواقع الاقتصادي ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك.
فلا تزال هناك قوى داخل المجتمع الفلسطيني ترفض وجود النساء كشريكات متساويات، وتريدهن أن تبقين مستضعفات لا تقمن بأي أدوار نمطية. ولكن بالمقابل هنالك قوى أخرى فاعلة داخل المجتمع تخالف هذه النظرة الرجعية وترى النساء شريكات متساويات في بناء الدولة.
فالتغير الاجتماعي عملية مستمرة وتحتاج لوقت طويل، كما أن تغيير واقع المرأة مربوط بالواقع السياسي، فإذا كانت الدولة قادرة على تبني خطط تنموية واقتصادية تتضمن وضع موازنات مخصصة لتنمية واقع النساء في كافة المجالات مثل: إشراكها وإدماجها في سوق العمل والسياسة والتعليم، فإنها يجب أن تكون في حالة استقرار كامل، لتكون تنمية المرأة على رأس أولوياتها، ولكن في حال تراجعت أو تغيرت هذه الأولويات نتيجة ظروف معينة كما يحدث في فلسطين، فإن ذلك بالطبع سوف يقف حائلا دون ذلك.
هل هناك تطور في أداء المؤسسات النسوية الفلسطينية؟
نعم، هناك تطور في أداء هذه المؤسسات وذلك من خلال وجود تقاسم في الأدوار بينها، ولكنها بحاجة دائمة لشركاء آخرين وداعمين للعمل معها على قضايا النساء، كونها لا تستطيع العمل لوحدها، فالمؤسسات النسوية موجودة وفاعلة وتسعى لأن تكون قضايا النساء من أولويات القضايا في المجتمع، وكل ذلك يتطلب منها أن تعمل بشكل مستمر على بناء تحالفات وائتلافات قوية لتساعدها على توسعة قاعدة مؤيدها سواء من الشباب أو المؤسسات الحقوقية أو أية أجسام أخرى تعمل على القضايا النسوية لتحمل معها هذا العبء.
والمؤسسات الحقوقية وجودها مهم جداً، كونها تقدم عدة خدمات مباشرة وغير مباشرة للنساء كالمرافعة عنها في المحاكم وتقديم الاستشارات القانونية والتي تكون النساء بأمس الحاجة لها كونها لا تستطيع تغطية تكاليفها، إضافة لخدمات الحماية والعلاج النفسي والتمكين السياسي، والتمكين في البرامج التي تعمل عليها مؤسسة طاقم شؤون المرأة.
بشكل عام تعمل المؤسسات النسوية على تحسين السياسات القائمة وبناء سياسيات جديدة وتعديل القوانين الحالية لتكون أكثر موائمة للنساء، وتهدف لإشراكهن في سوق العمل والنشاط السياسي من خلال تواجدهن بنسبة أكبر في مراكز صنع القرار، والذي يغطي جانباً مهماً من احتياجات النساء، ولكن هذا لا يكفي.
فالمؤسسات النسوية ليست لوحدها ولكن الداعمين لم يأخذوا مواقفاً صارمة في التعبير عنها، ففي حوار مع المؤسسات والأحزاب المختلفة نجد أن هناك مساندة للمطالب النسوية ولكن المواقف ازاءها ليست جريئة أو صارمة.
انخفضت نسبة الأمية بين النساء مقارنة عما كانت عليه في السابق، كيف تعمل المؤسسات النسوية للقضاء على الأمية بين النساء بشكل كامل؟
فعلياً لقد انخفضت هذه النسبة مقارنة عما كانت عليه سابقاً في فلسطين والدليل على ذلك أن عدد الفتيات التي تلتحق بالجامعات أكثر من عدد الذكور ولكن الإشكالية تكمن في سوق العمل.
فنحن كمؤسسات نسوية مع التعليم العالي، ولكن لا بد أن يتم تحديث التخصصات الجامعية المتاحة وأن يتم إشراك النساء فيها كافة وخاصة المهنية منها، ولكن للأسف نتيجة العادات والتقاليد فإن الفتيات يقمن باختيار التخصصات التقليدية أو ذات العلاقة بالأدوار الإنجابية والعائلية مثل التدريب والتمريض، ومع ذلك بدأ تفكيرهن يتغير من هذه الناحية، حيث أنهن يقمن باختيار تخصصات أخرى أوسع مجالاً كتكنولوجيا المعلومات والاقتصاد والهندسة، لكنهن يبقين عاطلات عن العمل لفترة طويلة وذلك بسبب تفضيل الرجال على النساء من قبل الشركات والمؤسسات، وإن حالفها الحظ في وظيفة ما فإن راتبها يكون أقل من رواتب الموظفين الرجال في أغلب الأحوال. 
نحن نعمل على تحديث وتنويع التخصصات الجامعية ولكن يجب أن تكون الحكومة شريكة للمؤسسات النسوية، فلا بد أن يتم تعديل القوانين والسياسات المعمول بها بشكل يضمن وجود النساء في سوق العمل، وقد نجحنا سابقاً في الحصول على كوتا تُلزم وجود النساء في المجالس المحلية، ولا بد أن نعمل أيضاً على كوتا أخرى تلزم وجود النساء في التخصصات والمجالات الدراسية المختلفة.
وبلغت نسبة الطالبات الملتحقات بمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 60% من مجموع الطلبة الملتحقين بحسب وزارة التربية والتعليم للعام الدراسي 2018/2019. 
ووفق مؤسسة الإحصاء المركزي الفلسطيني ما زالت هناك فجوة لصالح الرجال في نسبة الأمية بشكل عام، حيث يبلغ معدل الأمية لدى النساء 4% مقابل 1% للرجال.
انخرطت النساء بالعمل السياسي لكنهن مستبعدات من المناصب القيادية، كيف تعملون على إنهاء احتكار الرجال لمركز صنع القرار؟
هناك عدد لا بأس به من النساء متواجدين في مراكز صنع القرار في عدة مؤسسات ومنظمات محلية أهلية وحكومية إضافة للقطاع الخاص، لكنها ليست في مناصب قيادية، لقد حاولت المؤسسات النسوية الضغط على وجود كوتا للنساء في الأحزاب السياسية أيضاً ولكن مجتمعنا ما زال لا يتقبل الفكرة، وكل ذلك يحتاج للعمل المستمر لتغيير الثقافة المجتمعية لتصبح الفكرة مقبولة.
الاعتراف بأهمية دور النساء في مراكز صنع القرار له سقف زجاجي، فلا بد من العمل دون كلل أو ملل من أجل الاعتراف بهذا الحق، فنحن مواطنات متساويات ومن حقنا أن نتواجد في مراكز صنع القرار، وكل التجارب أثبتت أنه لا يوجد تنمية دون وجود النساء في هذه المراكز. 
ما مدى تأثير أزمة كورونا على العنف ضد النساء؟
بناء على متابعتنا لقضايا القتل والعنف تجاه المرأة، هناك زيادة في حالات العنف لهذا العام خاصة مع انتشار جائحة كورونا، حيث زادت حالات العنف ضد المرأة وكذلك اتجاه الاطفال وكبار السن أي الفئات المستضعفة في مجتمعنا، ولكن الإحصائيات لم تصدر بشكل واضح لغاية اللحظة. 
وللأسف لا يوجد لدينا قوانين رادعة للقتل أو العنف وسوف تبقى هذه الحالات في ازدياد إلى حين وجود قانون صار وحازم في هذا الأمر، وأن نجعل المجتمع يرفضها بشكل كامل، فالعمل على تغير الثقافة والقانون متكامل لتحقيق الهدف المطلوب.
وبحسب مسح أجراه الإحصاء المركزي الفلسطيني في عام 2019، فإنه من بين كل ثلاث نساء هناك واحدة قد تعرضت لشكل من أشكال العنف على يد أحد أفراد عائلتها، ذهبت الحصة الأكبر منها إلى العنف النفسي واللفظي وبنسب أقل للعنف الجسدي والجنسي.