'وإن اختلفت أشكال نضالنا كنسويات يبقى هدفنا واحد... مساواة تامة وعدالة حقيقية'

النساء تقدمن أشواطاً كبيرة، إلا أنّ مشاركتهن في الحياة السياسية ليست بنفس الجدوى والفاعلية وظلّت ضعيفة، كما أنهن لم يحققن حتى الآن المساواة الكاملة في العديد من المجالات

زهور المشرقي
تونس ـ .
ترى رئيسة جمعية صوت حواء النسوية التونسية جنات كداشي، أن المرأة التونسية مازالت تكافح من أجل الوصول لمراكز القرار على المستويين السياسي والمؤسساتي، رغم أنها كانت على قدم واحدة وفي الصفوف الأمامية في كل المعارك السياسية التي شهدتها البلاد منذ الاستقلال وصولاً إلى 14 كانون الثاني/يناير 2011.
وحول مبدأ التناصف ومشاركة النساء في الحياة السياسية ومشروع المساواة في الميراث في تونس كان لنا مع رئيسة جمعية صوت حواء النسوية التونسية جنات كداشي، الحوار التالي: 
 
هل لكم أن تعرفونا بجمعية صوت حواء النسوية التي تعد من أبرز الجمعيات التونسية... متى نشأت وما هي أبرز أهدافها؟
صوت حوّاء هي جمعية نسائية حقوقية تونسية، نشأت من رحم الثورة سنة 2012، تعمل من أجل مناهضة كل أشكال التمييز والعنف ضدّ المرأة وتحقيق المساواة والدفاع عن حقوقها وتسعى إلى تمكينها اقتصادياً، اجتماعياً وسياسياً، لتكون مواطنة نشطة ومساهمة في قيادة عملية تغيير مجتمعية، وقادرة على المشاركة في بناء السياسات العامة.
 
أُعيد الجدل مؤخراً حول مشروع قانون المساواة في الميراث في تونس، برأيكم ما المصير الذي ينتظر هذا المشروع الذي يعتبر ثورة حقيقة في مجال المساواة وتحقيق العدالة؟
بقدر ما أثار مشروع قانون المساواة في الميراث من جدلٍ في البلاد وحتى خارجها، وتم ركنه في رفوف البرلمان، فإنه أعاد إلى الواجهة مسألة المساواة بين الجنسين في تونس التي تعتبر رائدة في العالم العربي في مجال حقوق المرأة، فهي مسألة مرتبطة بالمساواة في توزيع الموارد بين كل المواطنات والمواطنين ويندرج هذا في إطار ما جاء به دستور 2014، فالبند 21 من الدستور يقرّ المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل، وقد وضع الدستور الدولة أمام إلزامية حماية هذه الحقوق وتطويرها.
من الضروري ملائمة القوانين مع المبادئ والحقوق التي جاء بها الدستور، لكن يبقى مصير هذه المبادرة التشريعية مرتبط بمدى إيمان ممثلي الشعب بحقوق النساء وبالمساواة وبالتوازنات داخل المجلس، الذي نجد فيه إلى الآن هيمنة وتصاعد للمدّ الرجعي. والعنف ضد النساء تحت قبة البرلمان ليست إلا صورة تعكس لنا ذلك.
وكما أشرتُ فهو ثورة على السائد، فكما وجدت مجلة الأحوال الشخصية أثناء صدورها معارضة مع اختلاف في الوضع السياسي، لأنها كانت مرتبطة بالسلطة التنفيذية آنذاك وهي صاحبة المبادرة ومنفذته، فمن الطبيعي أن يجد صدّ ورفض خاصةً من قبل الأطراف التي تدعي أنها وصية على الدين وتخول لنفسها فقط الحق في تفسيره وتأويله، رغم أن موقفها الحقيقي هو سياسي بامتياز، ولكن كما يقال في تونس "الدوام ينقب الرخام" و "ما ضاع حق وراءه طالب"، وهنا لابد من الإشادة بدور التونسيات في الدفاع عن حقهن وعن الدولة المدنية التي تؤمن بالمواطنة الكاملة.
 
شهد النضال النسوي تطوراً من حيث الشكل والرؤية والأولويات، ما تقييمكم لتحركات الجيل الجديد من التونسيات وطريقتهن المستجدة في الدفاع عن حقوق النساء وتحقيق العدالة والمساواة؟
لنتفق أولاً أن النضال النسوي مرتبط أساساً بالحقوق والحريات، لذلك وإن اختلف الشكل فمن الطبيعي أن ترسم الحركات النسوية المحلية أولويات حسب الأرضية التي تشتغل بها خاصةً المتواجدة بالجهات الداخلية، ولكن هنالك مبادئ مشتركة وهي مناصرة القضايا الحقوقية والنسوية من أجل بناء سياسات عامة تراعي النوع، وهنا أشير إلى جمعية صوت حواء النسوية التي تعتبر ابنة الثورة.
بالرغم من الصعوبات التي واجهتها الجمعية خاصةً وإن العمل المدني في المناطق الداخلية لا يزال حديثاً، إلا إن عملها الميداني بمحافظة سيدي بوزيد بالوسط التونسي وضعت لها ثلاث أولويات وهي مناصرة قضايا النساء العاملات في الفلاحة، وثانياً تدريب وتكوين جيل جديد من القياديات على مستوى محلي من خلال مشروعها "الأكاديمية السياسية للنساء".
وثالثاً مناهضة العنف ضد النساء والفتيات سواءً كان بتعريف النساء بقانون مناهضة العنف، وتدريب ناشطات ليكنّ سفيرات ثقافة اللاّعنف، وأيضاً من خلال بعث مركز "هُنّ" للإصغاء وتوجيه النساء ضحايا العنف، وتحمل الجمعية هموم كامل هذا الوطن من خلال الانخراط في التحركات الوطنية والتصدي إلى كل السياسات التي من الممكن أن تمس بمدنية الدولة أو بالحقوق والحريات.
 
برأيكم كيف يمكن مكافحة ظاهرة العنف المسلط ضد التونسيات في الفضاء العام والخاص وعلى جميع المستويات... علماً أن قوانين كثيرة وضعت وما تزال صورية؟
فعلاً العنف المسلط ضد النساء بكافة أشكاله لم يتوقف بالقوانين الموجودة، ورغم ريادة قانون مناهضة العنف ضدّ النساء والفتيات الذي أقره البرلمان التونسي في 26 تموز/يوليو 2017، والذي يُعدّ خطوة مفصلية لحقوق النساء، يجب عدم التوقف عند ذلك بل وضع آليات لتنفيذ ما جاء فيه.
وذلك ينطلق عبر تفعيل دور الإعلام في التوعية بمخاطر العنف القائم على أساس التمييز بين الجنسين مع التصدي لكل المحاولات لتسويق الصورة النمطية للمرأة والمهينة لكرامتها، إضافةً إلى تكوين وتدريب المحامين والقضاة وكافة المتدخلين في مرفق العدالة والصحة في مجالات الحقوق الإنسانية وحقوق المرأة، وهذا ما ندعوا إليه كجمعية نسوية تونسية.
كما وندعو كافة الوزارات المعنية وخاصةً وزارات الصحة والتربية والتعليم العالي والثقافة، باتخاذ التدابير الكفيلة بوقاية المرأة من العنف ومكافحته في المؤسسات التي ترجع لها بالنظر، ووضع برامج تعليمية وتثقيفية وتربوية لمكافحة العنف وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وتكوين وتدريب الموظفين والعاملين التابعين لها.
بالإضافة إلى تعميم نوادي التربية على المواطنة التي ركزت في بعض المدارس الابتدائية والمعاهد، والتركيز على مدنية الدولة ومبادئ حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين.
ووضع ميزانية خاصة بتفعيل القانون وتفعيل دور المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يضطلع برصد لحالات العنف ضد المرأة وتوثيقه ومتابعة تنفيذ التشريعات والسياسات وتقييم نجاعتها وفاعليتها في القضاء على العنف ضد المرأة والدفع نحو تحسين أداء كل المتدخلين من هياكل عمومية ومنظمات مجتمع مدني والتنسيق والتشاور بينهم.
 
تحظى المرأة التونسية منذ خمسينيات القرن الماضي بهامش كبير من الحرية مقارنة بنظيراتها في المنطقة، لكن بعض النسويات تراها منقوصة... ما الذي ينقصها حتى تكتمل برأيكم؟
نعم حققت المرأة التونسية عدة مكاسب ولكن المسار لا يزال متواصلاً، وتحقيق الحرّية الكاملة يتطلّب نفساً طويلاً ونضال مستمر، وحين ننظر إلى تاريخ المرأة التونسية نجدها رائدة منذ ظهور مجلة الأحوال الشخصية، والنقص يتمثّل في عدم تناغم القوانين مع ما جاء في الدستور ومع ما أقرته المعاهدات الدولية التي صادقت عليها تونس. اليوم في تونس لازال الأب أو الزوج هو سيد العائلة، وأيضاً لازال حضور المرأة في مراكز أخذ القرار ضعيفاً نوعاً ما مقارنة بما تقدّمه من تميّز.
 
مبدأ التناصف بين الرجل والمرأة في تونس في مراكز القرار... كيف ترونه؟ 
المسار الذي انطلقت فيه تونس منذ سنوات وصلت إلى نتائج هامة فيما يتعلق بالمساواة ومبدأ التناصف في مواقع أخذ القرار، رغم إقراره بناءً على ما جاء في الدستور، إلا أن المعركة مستمرة من أجل تطبيقه، نجدُ تراجع خطير يهدد مكانة النساء في تونس للأسف، والأخطر أن أجهزة الدولة التي من المفروض تكون الحامية لهذا الحق من خلال احترام دستور البلاد والتزاماتها الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان بصفة عامة والمساواة بين الجنسين بصفة خاصة، إلا أننا نجدها تنتهك ذلك، فنسبة النساء في المجالس البلدية لا تتجاوز الـ 47%، والتحوير الوزاري الأخير الذي أقر في الـ 26 من كانون الثاني/يناير 2021 فيه 4 نساء في الحكومة من ضمن 28 حقيبة وزارية، وهو ما يجعل تمثيلية المرأة 14% وهي نسبة ضعيفة جداً.
نحن كنسويات نرفض هذه السياسات الإقصائية ضد النساء والتي تدل على التقصير وعدم إيمان السياسيين وأصحاب القرار بالكفاءات النسائية، التي تزخر بها البلاد وإنكارها لحق النساء في المشاركة السياسية، وفي بناء السياسات العامة.
 
يرى كثيرون أن تصاعد المدّ الرجعي قد تحول إلى سياسة دولة تمت ترجمتها في عدم التصدي للخطاب التكفيري والساعي إلى الاستحواذ على مكتسبات المرأة ما تعليقكم على ذلك؟
نحن نعاني من عقلية ذكورية كمجتمع يقوم على التمييز والإقصاء للنساء بالرغم من نضال التونسيات من أجل حقوقهن وتصدرهن لعدة مجالات عكست كفاءتهن، حيث جاءت مؤخراً تونس على رأس قائمة لأكبر نسبة من المهندسات في العالم بنسبة 44.2% وهي الثانية عربياً بعد الجزائر، إلا أن هذا لم يقضي على هذه العقلية، وعلى الرغم من ترويج حكومات ما قبل الثورة تبنيها لحقوق النساء إلا أن الواقع أبرز عكس ذلك.
مع هذا الإرث الذي يثقل كاهل النساء، كانت الثورة التي تتطلع إليها التونسيات على أنها ستبني دولة تقوم على الحقوق وتتمتع فيها جميع التونسيات بمواطنة كاملة وحافظة لكرامتهن، إلا أن الأغلبية السياسية المهيمنة على المشهد السياسي وفرت الأرضية ودعمت المّد الرجعي الذي تحول إلى سياسة دولة تمّت ترجمتها في عدم التصدي للخطاب التكفيري والمحقّر لمكتسبات النساء وحقوقهن، وأبرز دليل ما عاشه البرلمان مؤخراً من تهجم على التونسيات، كما تجسّدت عبر إقصائهن من مواقع القرار، فمن الضروري الاحتكام إلى كافة فصول الدستور المتعلقة بحقوق النساء ومنها تنصيصه على المساواة أمام القانون وفي الحريات العامة والفردية دون تمييز.
 
برأيكم كيف يمكن حماية مكتسبات المرأة التونسية اليوم في ظل تواصل الانتهاكات؟
يمكن حماية مكتسبات المرأة التونسية عبر واجهتين، أولاً لابدّ من الدفاع عن مدنية الدولة التي تضمن هذه المكتسبات التي تتمتع بها النساء وحقوقهن، وهذا يعود أيضاً إلى أهمية استغلال الشارع والتظاهر السلمي للضغط  على السلطات المعنية والبرلمان، وأيضاً بقدر ما يكون المجتمع المدني قوي وقادر على التصدي لتلك الانتهاكات سيكون عين مراقبة وتصدّي.
الدفاع عن حقوق النساء بهذه الشراسة اليوم في تونس هو من مكتسبات الثورة. وأيضاً من البديهي أن بناء الدولة المدنية القادرة على تأسيس قاعدة قوية تستوعب جميع الاختلافات الاجتماعية والفكرية، بل الدينية أيضاً، ليس بالمهمة السهلة، والدولة التونسية ما بعد 2011 تواجه التحديات وخاصة من جانب القوى المتطرفة، التي ستعمل بكل ما أوتيت من قوة من أجل إفشال مشروع بناء مثل هذه الدولة لكنها لن تستطيع.
 
أخيراً، ما تقييمكم لمسيرة نضال المرأة في المنطقة وطبيعة العقبات التي تعترض هذه المسيرة؟
قضية تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها الفعالة لازالت منقوصة بشكل ملحوظ ولم تحظى باهتمام كبير على أجندة الأحزاب السياسية الحكومية أو المعارضة بشكل عام في العالم العربي.
ويمكن قياس مؤشر المساواة وفقاً لأربعة مجالات ألا وهي "التحصيل التعليمي، الصحة والبقاء على قيد الحياة وأمل الحياة عند الولادة، الفرص الاقتصادية، التمكين السياسي".
تواجه البلدان العربية بطئ في سد فجوة عدم المساواة بين الجنسين، والتي قد تهدد النمو الاقتصادي وتحرم الاقتصادات من فرص التطوير، وقد وصل مؤشر الفجوة بين الجنسين إلى 42% في حين أن المتوسط العالمي وصلت النسبة إلى 30%.
فلو أخذنا مثلاً بعض الإحصائيات نجد أن نسبة هامة من النساء في الدول العربية تعملن في القطاع الغير مهيكل من إجمالي النساء العاملات، في إحصاءات عام 2020 جاءت تونس في ذيل القائمة عربياً من حيث مشاركة المرأة في العمل غير المهيكل بنسبة 30%، بينما في السودان وصلت النسبة إلى 77%، فيما سجلت موريتانيا أعلى نسبة تشغيل للنساء في القطاع الهش بنسبة 87%.
يبقى على عاتق الدول العربية مسألة النهوض بالمجتمعات الذي لا يمكن إن يكون بدون حفظ لكرامة النساء، ولا يمكن إن نتحدث عن ديمقراطية بدون نساء.