'تطور الواقع العام وتغيرت أدوار المرأة بينما لا زال القانون لا يستوعب هذه التغيرات'

تمر فلسطين بتجربته الانتخابية الأولى بعد 15 عاماً من الانقسام

تحرير بني صخر
رام الله ـ ، وحول هذا الموضوع قالت عضو المجلس الوطني الفلسطيني ريما نزال أنه ورغم التطورات التي طرأت على الواقع العام وأدوار المرأة لا يزال القانون لا يستوعب تلك التغيرات.
تقول عضو المجلس الوطني الفلسطيني ريما نزال "عندما يتعلق الحديث بحقوق المرأة يتم التذرع بتعطل أعمال المجلس التشريعي المنقسم، وقد أصبح الخطاب الرسمي يتحدث عن تجيير إصدار القوانين إلى المجلس التشريعي الذي سينتخب في أيار/مايو 2021، وهذا الخطاب بدأ التذرع به قبل إصدار مرسوم الانتخابات وتحديد مواعيدها، بل السبب الحقيقي الابتزاز الذي مورس من قبل الاتجاه الديني المتطرف منذ بدء المطالبة بقانون حماية الأسرة من العنف".
وللتحدث عن التطورات التي طرأت على واقع المرأة وحقوقها في فلسطين كان لوكالتنا وكالة أنباء المرأة مع عضو المجلس الوطني الفلسطيني ريما نزال، الحوار التالي.
 
كيف أثرت أبحاثكم على واقع المرأة؟
ربما السؤال ينبغي توجيهه إلى الكوادر والقواعد النسوية على وجه الخصوص للإدلاء بدلوهن... لكن البعض منهن اللواتي يعبرن لي عن مدى اهتمامهن بمقالاتي الأسبوعية التي تتناول عادة المستجدات الجارية على صعيد حقوق المرأة أو تأتي على نقد أو تفنيد تعديل قانوني ما وبدائله، ومدى استفادتهن من مضامينها لجهة تجاوز المفاجأة أو الارتباك في اللحظات الفارقة التي تشهد أحياناً الصراع حول موقع ودور المرأة في المجتمع، بما يملكهن الموقف النسوي وتحصينهن تجاه الاتجاهات المضادة وتمكينهن من الجدال وتقديم الحجج وصنع البدائل الديمقراطية لحالة الهيمنة والسيطرة والاستبعاد وكذلك تعميمه ونقله إلى القاعدة النسوية.
من جانبي أرى أنني عبر الكتابة قد استطعت التأثير على مراكز صنع القرار، ويتكامل مع الجهد الذي تقوم به الحركة النسوية على صعيد الضغط والمناصرة وكذلك التوعية على عدة صعد وأهمها المشاركة السياسية وسن قوانين الانتخابات الديمقراطية الضامنة لمشاركة الفئات والشرائح الاجتماعية المهمشة أو تلك التي في حكم المهمشة كالنساء والشباب، وأعتقد أني في هذا المجال وبسبب متابعتي الدائمة للمرأة في مراكز القرار المحلي تحديداً سواءً في البنى المحلية الرسمية كالبلديات والمجالس القروية أو المرأة في الأحزاب والاستماع لتجاربهن وأوجاعهن والتشاور معهن، الأثر على عكس الواقع وتعميم المعرفة بما يمكن من استيعابها بالخطط والبرامج.
لقد سعيت وثابرت على أن أصبح صوتهن العالي، وإيصاله من خلال نشر تجاربهن أو تحليلها ضمن السياق الوطني والاجتماعي، وعلى وجه الخصوص تجارب عضوات المجالس المحلية وخاصة العمليات الإقصائية والتكليف بمهام نمطية لأن التجربة تتميز بالاستدامة وتشهد الانتخابات الدورية.
 
كيف أثر غياب المجلس التشريعي على واقع المرأة الفلسطينية؟
لقد أثر شلل اجتماعات المجلس التشريعي بسبب الانقسام ومنذ عام 2007 على العملية التشريعية المناطة به، رغم أنه كان على المجلس التشريعي أن يلعب دوره في فتح الحوار ليصبح ميداناً للنقاش والحوار المفتوح بين المختلفين بعيداً عن خيار تعطل الأعمال والمهام. لقد أثر الانقسام على قرار الانضمام للاتفاقيات الدولية التي انضمت لها فلسطين في أعقاب حصولها على عضوية دولة مراقبة عام 2012 والذي ساهم في تمكين البلاد من المصادقة والانضمام لحوالي 100 معاهدة واتفاقية، منها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي كان من المفترض نقاشها في المجلس والموافقة على الانضمام وتشريعه.
كما أثر الانقسام على إقرار القوانين والتشريعات الفلسطينية ولا سيما أن الحركة النسائية كانت قد انتهت من وضع مسودات قانون الأحوال الشخصية وقانون حماية الأسرة بالشراكة مع المؤسسات الأهلية ذات العلاقة  اللازمة لعدد من القوانين بموجب صلاحية الرئيس الممنوحة له بموجب إصدارها ضمن آلية القرار بقانون.
لقد تعطلت أعمال المجلس التشريعي مدة طويلة من الزمن لا تقل عن 15 عاماً تم فيها إصدار حوالي 300 قرار بقانون بموجب صلاحيات الرئيس المسندة إليه بموجب المادة 43 من القانون الأساسي في حالة الطوارئ، لكن لم تتضمن القرارات أي قانون له صلة بمصالح المرأة وحقوقها.
 
ما الذي تتوقعه المرأة الفلسطينية من إعادة تفعيل المجلس التشريعي؟
نتوقع أن يقوم المجلس التشريعي بأداء مهمته وممارسة صلاحياته المسندة إليه إما بإعطاء الثقة للحكومة أو عدم منحها، وكذلك تنظيم جلسات الاستماع والمساءلة والرقابة على الأداء والتقصير بما يؤدي إلى إصلاح الثغرات والفجوات أو سوء استخدام المنصب.
كذلك نتوقع أن يعالج المجلس التشريعي القادم تأخير إقرار القوانين والتشريعات الضرورية ومنها القوانين ذات الصلة بالمرأة، ونتوقع أن تشهد جلسات المجلس التشريعي الصراع على القوانين بين الاتجاهات المختلفة وخاصة الاتجاه التقليدي المحافظ بما يستلزم تشكيل لجان داعمة للاتجاهات الديمقراطية المؤمنة بالمساواة، وهنا لا بد من اقتراح أن يتم استحداث لجنة تحت اسم "لجنة المساواة والعدالة" لتكون بمثابة اللجنة التي تستهدف مواءمة التشريعات مع المرجعيات المحلية والدولية المتبناة من الدولة، كذلك نتوقع أن يشهد المجلس نقاشاً محتدماً حول المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات التي انضمت لها البلاد أثناء فترة الطوارئ وبموجب صلاحيات الرئيس محمود عباس خلالها. 
التوقعات أيضاً تستوعب وصول نساء من الاتجاهات المختلفة في المجتمع بمعنى الاتجاه الوسطي واليميني والديمقراطي بما يجسد طبيعة المجتمع الفسيفسائية، حيث يؤكد أن الواقع لا يشهد حالة التخندق كما يحاول البعض تصويرها بما يضع الرجال في خندق والنساء في خندق آخر، وهذه طبيعة المعادلة المجتمعية بأن النساء جزء من ثقافة المجتمع وخياراته وانتماءاته العقائدية والفكرية وينفي فكرة أن المرأة لا تنتخب المرأة مثلاً، بل يظهر حقيقة الهوية الفكرية في المجتمع ورؤيته وقيمه التي تشهد تعددية.
 
هل نحن بحاجة لسن قوانين خاصة بالمرأة أو تعديلها لإنصاف المرأة ولماذا؟  
نعم، هناك حاجة ماسة لإصدار قوانين خاصة بالمرأة ومنها قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات وقانون حماية الأسرة من العنف، وبحاجة إلى قوانين ذات صلة بحقوق المرأة ومنها قانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل وغيرها.
كما هناك حاجة ماسة لصدور قوانين فلسطينية بسبب تعددية القوانين النافذة في فلسطين وتقادمها، حيث قانون الأحوال الشخصية النافذ في الضفة الغربية هو القانون الأردني لعام 1976 أما الساري في قطاع غزة فهو القانون المصري لعام 1954، وكذلك الحال مع قانون العقوبات حيث يسري القانون الأردني المتقادم في الضفة الغربية وقانون العقوبات المصري لعام 1936 في قطاع غزة، ليس هذا فحسب حيث تسري في القدس القوانين الأردنية والإسرائيلية والانتدابية البريطانية عدا عن القرارات العرفية الإسرائيلية.  
كافة القوانين السارية تم تعديلها وتطويرها في بلد المنشأ بينما بقيت القوانين السارية متقادمة على قِدمها، كذلك تطور الواقع العام وتغيرت أدوار المرأة بينما لا زال القانون لا يستوعب هذه التغيرات بحيث أصبح منفصماً عن واقع المجتمع واحتياجاته، وعند انفصام القانون من الطبيعي أن تنشأ الحِراكات التي تطالب بتعديله. 
 
ما أسباب قلة وجود النساء في مراكز صنع القرار بالرغم من أهمية ذلك؟
تقف الثقافة النمطية السائدة وثقافة التمييز ضد المرأة عائقاً كبيراً في وجه وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار، حيث تستند الثقافة التقليدية إلى التقسيم التقليدي للعمل بتخصيص الحيز الخاص والعمل المنزلي للنساء بينما يضع الرجال في الحيز العام والأعمال العامة السياسية والاقتصادية وفي مراكز صنع القرار بكافة أشكاله، وفي حال اقتناع شريحة في هذا الاتجاه الفكري بعمل المرأة فإنه يميل إلى انخراطها في الأعمال التي تعتبر كامتداد للعمل المنزلي الرعائي كالتعليم والصحة.
وعلى الرغم من تحصيل المرأة لمعدلات عالية من التعليم العالي كماً ونوعاً، لا تزال الثقافة السائدة متمسكة بتقسيم العمل بذريعة نقص كفاءة المرأة حتى تثبت العكس بينما يعتبر الرجال ذو كفاءات ويعود ذلك إلى ثقافة التمييز الراسخة في وعي المجتمع.
ومن جانب آخر فإن نقص الإرادة السياسية لدى أصحاب القرار تؤثر على استمرار الثقافة السائدة السلبية اتجاه النساء عموماً، بل وتعطي انطباعاً متناقضاً عن طبيعة هوية الدولة، فالدولة من جانب توقع على اتفاقية سيداو وعلى اتفاقيات حقوق الإنسان بينما لا تطبقها عملياً، بما يجعلها توجه رسائل متناقضة، فهي تعطي انطباع للعالم الحقوقي أنها ملتزمة بحقوق المرأة من جهة، وتعطي تطمينات للقوى التقليدية والأيدولوجية بأنها لن تختلف معها من خلال عدم تطبيق الاتفاقيات الدولية.  
كما لعب الاتجاه السلفي في المجتمع في ضمور حجم ونسبة مشاركة المرأة في مراكز القرار باستمرار الهجوم على مؤسسات المرأة والناشطات والمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان وعمل بشتى الطرق كاستخدام العشائر والدين وتنظيم الاجتماعات والوقفات في الشارع، لجعل الحكومة تطوي العمل على قانون حماية الأسرة على سبيل المثال، مما خلق مناخات ترهيبية أثرت على الحكومة.
 
هل وجود الكوتا الملزمة في الانتخابات سواءً التشريعي والمحلي كافي؟
لم يكن مُنتظراً من نظام الكوتا النسائية أن تحقق أكثر من إيصال النساء إلى مركز القرار، وما كان للكوتا أن تسهم في التغيير الاجتماعي المنشود دون تبني سياسات وآليات تستثمر وجودها بتهيئة الظروف المناسبة لتعزيز المشاركة بعدالة.
"الكوتا" ليست مصباح علاء الدين السحري، خاصة عندما تُدار بعقلية ذكورية مرتبطة بوشائج متينة بالأبعاد العشائرية والعائلية المعززة والمركزة لسلطة القرار والقيادة بيد الرجال، وفي التجربة تم سحب دسم "الكوتا" قبل أن تبدأ مفاعيلها على الأرض وتغيير الأنماط والسلوكيات والأفكار والانحيازيات والقوالب النمطية. 
نظام الكوتا وحده لا يكفي لتحقيق المشاركة الفعلية للمرأة في صنع القرار أو لتحقيق المساواة في التمثيل السياسي بين الجنسين، خاصة على المدى الطويل، دون وجود رؤية لعكس هوية النظام السياسي المنشود كما ارتضاه العقد الاجتماعي التوافقي الثابت في القانون الأساسي وكما أثبتته الإرادة السياسية التي وقفت خلف الانضمام إلى الشرعية الدولية والتزاماتها المترتبة.
دون سياسات وإجراءات سـيبقى التقـدم بطيئاً أو مراوحته في المكان؛ ريثما تتغير نظرة المجتمع حيال المرأة، والأهم تغيُّر نظرة المرأة حيال نفسها وثقتها بقدراتها، وايجاد الحلول الذاتية لمسألة العبء المزدوج الذي باتت تتحمله النساء، وإيجاد التوازن بين أدوارها في الحيِّز الخاص وأدوارها القيادية في الحيِّز العام.
ويذكر أن ريما نزال عضو أيضاً في الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ورئيسة جمعية النجدة لتنمية المرأة ومنسقة الائتلاف الأهلي النسوي لتطبيق قرار 1325.