تغييب النساء عن مراكز القرار ومقاربة النوع الاجتماعي يقلق النسويات

لا تزال الأصوات النسوية التونسية غير راضية عن حضور النساء في مراكز القرار ومقاربة النوع الاجتماعي

زهور المشرقي
تونس- ، حيث ترى النساء أن إشراك المرأة ظلّ صورياً وديكوراً برغم كل النضالات والتضحيات والنجاحات التي قدّمتها التونسية لفرض حضورها الحقيقي بدون أي تزكيات بل بكفاءة وقدرات عالية في مختلف المجالات.
ترى بعض النساء أن حصيلة المنظومة الحالية كارثية وهي الأسوأ منذ 10سنوات، حيث أقصت المرأة وبات تمثيلها بنسبة 14 بالمئة في الحكومة الحالية بعد أن كانت بنسبة 31 بالمئة في السنوات السابقة.  
وقالت المديرة التنفيذية لجمعية أصوات نساء سارة بن سعيد لوكالتنا، أن الذكورية السياسية سيطرت على المشهد في تونس، وهي تعكس الاختيارات الشخصية لرئيس الحكومة، مضيفة أن الجمعية تلقت صدمة خلال كشفها عن أن ديوان رئيس الحكومة ذكوري 100%، واتهمت مجلس نواب الشعب (البرلمان) بعدم ممارسة دوره الرقابي على أداء هذه الحكومة، ومدى تطبيقها القوانين وخاصة المتعلقة بالنساء.
وعن غياب سن التشريعات التي تخص المرأة تبين سارة بن سعيد، بأنه ليس هناك أي رؤية استراتيجية لدى الحكومة الحالية وهناك غياب في الخطط التنموية وخطط إدراج ومأسسة النوع الاجتماعي، مؤكدةً أن "المشروع الوحيد الذي وقع طرحه هو قانون عطلة الأمومة ولكن تم سحبه لتعديله ولم يقع إدراجه مرة أخرى حتى الآن في مكتب البرلمان".
وتابعت "دفعت جائحة كورونا إلى تعقيد الوضع وفضح سياسات الحكومة الاقصائية وعرّت وضعية الفئات الهشة في تونس وخاصة النساء منها، في وقت لا تقوم الدولة بدروها في مجال مقاومة العنف ضد المرأة أو الترفيع في أعداد مراكز الإيواء للنساء ضحايا العنف".
من جانبها اعتبرت رئيسة جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية مفيدة العباسي، أن تمثيلية المرأة في ما يتعلق بإدراج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العامة في حكومة هشام المشيشي هي الأسوأ، منتقدة ضعف تمثيلية النساء بالحكومة وغياب المبادرات التشريعية المتعلقة بالنوع الاجتماعي وضعف السياسة الاتصالية.
وأضافت مفيدة العباسي، أن ضعف تمثيل المرأة أنطلق من تراجع النسب في الانتخابات التشريعية السابقة في عام 2019، مشيرة إلى أن الأحزاب السياسية ذات التوجه اليميني في تونس تعتبر مسألة مشاركة المرأة صورية لا غير، حيث يتم استغلال صورتها لغايات انتخابية شكلية فقط.
وقالت إن هذه الأحزاب تدّعي الإيمان المزيّف بقدرات المرأة وبحقها في الوجود في البرلمان ومختلف مراكز القرار والمساهمة في الشأن العام والسياسات العامة، مشيرة إلى أن إبراز دور المرأة بات من "الاختيارات لتلميع الصورة" لا غير، برغم من أن التونسية أثبتت كفاءاتها وقدراتها في مختلف المجالات وهو ما تظهره الأرقام والنجاحات المسجلة وطنياً ودولياً.
وذكرّت مفيدة العباسي بتهليل نساء نهضويات لإسقاط مشروع قانون يدعو إلى التناصف ويحفّز على إشراك المرأة في المحكمة الدستورية، لافتة إلى أن إشراك حزبهن لبعض النساء في مراكز القرار لا يتيح لهن فرصة للعمل من أجل الانتصار لقضايا المرأة.
وعن غياب المبادرات التشريعية المتعلقة بالنوع الاجتماعي وضعف السياسة الاتصالية، قالت "إن هناك بالفعل غياباً كلّياً للمبادرات في البرلمان حيث إن أغلب القوانين التي تمت المصادقة عليها هي طلب تمكين تونس من قروض، ولم تسعى أصلا إلى سن تشريعات تخدم النساء باستثناء قانون مكافحة العنف بكل أشكاله عام 2017، كذلك الأمر بالنسبة للحكومة الحالية التي لم تولِ أهمية لوضعية المرأة ولم تبادر إلى سن قوانين تخدم المرأة". 
ودعت إلى مراجعة بعض القوانين بإشراك الكفاءات النسائية لتحقيق المساواة الفعلية المتماشية مع المكتسبات السياسية والقانونية والتصدي للممارسات الإقصائية المستمرة، لافتةً إلى أن مجلة الأحوال الشخصية تعتبر مكسباً حقيقياً لكنها في حاجة إلى مراجعة فعلية تتماشى والواقع الراهن والتغييرات الحاصلة في  مجال الدفاع عن حقوق النساء.
كما دعت إلى ضرورة احترام دستور البلاد والتزاماتها الدولية ذات العلاقة بحقوق الانسان بصفة عامة والمساواة بين الجنسين بصفة خاصة، مضيفة أن الوضع إذا ما استمر على هذا الحال فإنه لن يبشّر بخير.
وحول ضعف تمثيل النساء برغم الكفاءات، قالت "هناك قوانين لم تخدم قضايا المرأة في هذا الإطار ما خلق عقبات أمام تحقيق التناصف التام ومشاركة المرأة".
وتضيف بأن العمل على محاربة إقصاء المرأة ليس سياسياً فقط، بل هو مشكلة عقليات وجب إصلاحها وتنويرها، وذلك لن يكون فقط عن طريق  بعض الدورات التكوينية للتحسين بل تنطلق عملية التغيير من الأسرة ثم المدرسة، ضمن إطار ثقافة  متكاملة يتم البناء لها من الصغر، حيث يبقى تغيير القوانين مهمّاً لكنها تبقى منقوصة إذا لم يقابلها عمل ثقافي توعوي وعمل على مستوى التنشئة الاجتماعية التي تبدأ في المدارس والأسر بهدف إنشاء جيل متوازن يحمي حقوق المرأة ويدافع عنها ويؤمن بضرورة تمثيلها ووجودها في مراكز القرار والسيادة.
وشددت على ضرورة العمل على مفاهيم جديدة بعيداً عن إعادة إنتاج الأفكار والعلاقات القائمة على مبدأ إعلاء الذكورية في مجتمع تحكمه عقلية ذكورية بالأساس.
وبدورها تقول رئيسة لجنة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين بالبرلمان سماح دمق، أن ضعف تمثيل النساء في البرلمان هو نتيجة لضعف وجودهنَّ على رأس القوائم، إذ أن القانون الانتخابي لا يفرض سوى التناصف العمودي، أي التناوب بين الرجال والنساء في المراتب ضمن كل قائمة انتخابية. 
ولفتت إلى مبدأ التناصف في البرلمان الذي ظل أفقياً فقط، وإلى المساعي السياسية النسوية بإقرار مبدأ التناصف الأفقي العمودي، كما حدث في الانتخابات البلدية. ودعت إلى العمل والتنسيق لإقرار مبدأ التناصف الذي ينصّ عليه الدستور في الفصل 21 الذي نص على أن "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز، وتضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم".
ومن جهتها قالت الباحثة في القانون أمل طعم الله أن هناك غياب للمرأة عن مراكز القرار منذ سنوات حيث اقتصر حضورها على بعض المناصب الثانوية، واصفة إياه بالوجود الاستعراضي، حتّى تلمّع بعض الأحزاب والحكومات صورتها لغايات انتخابية أمام الجمهور، وإبراز نفسها كجهات داعمة للمرأة.
 وترى أمل طعم الله أن الهدف من التنصيص على مبدأ التناصف بين الجنسين هو إعطاء المرأة حضوراً في الواجهة السياسية كشرط من الشروط الواردة في القانون الانتخابي لكنّها بشكل صوري فقط وهي فرص تستغلها الأحزاب لإضفاء شرعية على قائمتها الانتخابية.
وبخصوص مقاربة النوع الاجتماعي، لفتت إلى أن هذا البرنامج  يسعى إلى المساهمة في بلورة مقاربة مؤسساتية لإدماج مبدأ المساواة بين الجنسين وإشراك المرأة في صناعة القرار، معتبرة أن إشكالية النوع الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال تعتبر محورية أساسية لتحقيق الأهداف التنموية وليست اختيارية بضغط وقرار ذكوري.
وذكّرت بأن تونس جاءت بحسب تقرير مؤشر الفوارق بين الجنسين الصادر عام 2019 في مقدمة الدول العربية من حيث إقرار المساواة بين الجنسين وهو فخر تونسي، مشيرة إلى أن تونس ركّزت منذ الاستقلال على النهوض بأوضاع النساء عبر إقرار قوانين مهمة تخدمها وآخرها قانون مكافحة العنف لعام2017 والذي يعتبر نتيجة لثورة نسوية دامت عقوداً، وأيضاً عبر بعث العديد من المؤسسات التي تعنى بشؤون المرأة على غرار الاتحاد الوطني للمرأة كما صاغت العديد من السياسات اللاتي تعزز النهوض بوضع المرأة في تونس.
وتابعت حديثها بالقول "لا ننسى أيضاً دستور 2014 الذي تأسس على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز، كما اعترف بحقوق النساء في فصول عديدة وأبرزها المادة 21 التي تشدد على أن الجميع  يتساوون أمام القانون، والمادة 23 التي تقر بأن حقوق الانتخاب والاقتراع والترشح مضمونة بما يضبطه القانون، والمادة 40 التي تقر بأن العمل حق لكل مواطن ومواطنة وتتخذ الدولة كل التدابير لضمانه وتوفيره، وكذلك المادة 46 التي تؤكد أن الدولة تلتزم بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على تطويرها، والمادة 47 التي تسمح للمرأة بالترشح لمنصب رئاسة الجمهورية". 
وأكملت بأن "كل هذه الفصول ثورية تنتصر للمرأة وتفرض مبدأ تكافؤ الفرص  لكن المشكلة ليست فيها، المشكلة تكمن في العقلية الذكورية المسيطرة التي ترى في المرأة النقص وعدم إيلائها الثقة التامة لتقلّد مناصب سيادية وكبرى في الدولة". 
وأضافت إن تحقيق مقاربة النوع الاجتماعي ليست مرتبطة بفصل دستوري وتشريع قانوني فقط بل يتطلب الأمر ثورة ثقافية تحارب العقلية الذكورية السائدة وتؤمن بأهمية إشراك النساء في كافة مستويات صنع القرار في المؤسسات الوطنية والمحلية والإقليمية بهدف تقليص الفجوات بين الجنسين تماشياً مع الأهداف الأساسية للدستور. 
وأبدت تخوفها من الأحزاب اليمينية التي تسعى إلى استغلال صورة النساء، لافتة إلى أن الجهد جماعي لفرض وجود المرأة بعيداً عن تلك العقليات الرجعية المتشبعة بمنطق "المرأة عورة وسيدة بيت فقط".