سعيدة قراش: عدو المرأة جهلها... ونساء تونس بوعيهن حققن انجازات ومكاسب عديدة

تحظى المرأة التونسية بقدر من الحقوق ميّزتها عن مثيلاتها في بلدان عربية أخرى، ونجحت برغم جميع العراقيل والمصاعب

زهور المشرقي
تونس ـ ، في تعزيز وضعها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بصفة ملحوظة بعد الاستقلال.
خطت تونس خطوات كبيرة من أجل وضع حد لإفلات مرتكبي الجرائم ضد النساء من العقاب، إذ أقر مجلس نواب الشعب بالأغلبية المطلقة (في 26 تموز/ يوليو 2017) قانون القضاء على العنف ضد المرأة، وهو تشريع جاء في سياق ارتفاع وتيرة التحديات التي تواجه النساء التونسيات.
وفي حوار مع السياسية والحقوقية التونسية والمستشارة السابقة للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي سعيدة قراش، تحدثت لنا عن دور المرأة التونسية في تعزيز مكانتها ومواجهة مختلف التحديات لتعزيز حريتها.
حققت المرأة التونسية العديد من المكاسب في زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، كيف يمكن الحفاظ عليها برأيكم؟
مكاسب النساء تعتبر هشة مهما تطورت وذلك لارتباطها بسيطرة العقليات الذكورية في المجتمعات، وتكون هذه الهشاشة أشد خطورة حين يتعلق الأمر بمجتمعات تقليدية ومحافظة عموماً ومكبّلة بحضور ديني كمرجع ومهرب ووسيلة للتوظيف لصالح القوى الرجعية سواءً أكانت مجتمعية أو سياسية أو ثقافية أو اقتصادية. 
في المنطقة العربية الإسلامية تحضر كل هذه العوامل مجتمعةً ومتحدةً، فالعراق مثلاً كان له دستور في زمن حزب البعث وقانون يقر ببعض الحقوق للنساء إلا أنه بسقوط النظام وانهيار الدولة كانت أولى التصريحات للقوى السياسية ذات المرجعيات الدينية إعلان تمسكها بالشريعة وتطبيقها وفق مفهومهم والتخلي عن المنظومة القانونية المدنية في قانون الأسرة. وبالنسبة لليبيا أيضاً الأمر ذاته، فبعد الإطاحة بمعمر القذافي كان أول تصريح لرئيس مجلسهم آنذاك هو التأكيد على التمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية، فهم لا يتكلمون عن القوانين التجارية ولا البنكية ولا قانون الضرائب وغيرها، بل فقط قانون الأسرة وبالتالي المرأة.
تونس أسيرة جغرافيتها وتاريخها ككل دولة، يعني أنها أسيرة انتمائها أيضاً إلى هذه المنطقة العربية الإسلامية والصراعات الإقليمية فيها وتنامي نشاط حركات الإسلام السياسي، وتنوعها تشدداً وانتشاراً وتغلغلاً حتى وإن عرفت مساراً مختلفا منذ القديم وإلى يومنا هذا.   
لقد انبهر العالم كله بالهبة المجتمعية للدفاع عن مكاسب نساء تونس وخاصة مكسب مجلة الأحوال الشخصية أثناء صياغة الدستور من قبل ائتلاف الترويكا في 2012 وحتى صدوره في كانون الثاني/يناير2014، كما تابع العالم تحفز النساء ودرجة التعبئة العالية التي قمن بها للحفاظ على ما تحقق وفرض تطويره وإقرار ذلك في الدستور الجديد. ولا شك في أن الذي يهمل رمزية مجلة الأحوال الشخصية وتاريخها يخطئ بالضرورة في تقدير متانة هذا المكسب وتغلغله واعتباره مكوناً أساسياً في هوية التونسيين والتونسيات تتكسر عليه كل محاولات اختراق هذا المجتمع مهما ضعفت مؤسساته ظرفياً، لذلك أبقى مطمئنة، لكن من الضرورة بمكان ملازمة الحذر والبقاء على استعداد للدفاع عن مكاسبنا كلما سولت النفوس المريضة لأصحابها محاولة النيل من مكاسب نساء تونس، وبالتالي المجتمع التونسي وللتأكيد على أننا في منحى تصاعدي من حيث المضي إلى أكثر مما تضمنته مجلة الأحوال الشخصية، فالمبادرة التشريعية التي تقدم بها الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، ومنها تطور الحديث والتعبئة والتحشيد أيضاً حول مسألة المساواة في الإرث، ولعل هذا يعد الحلقة الأخيرة في تطوير المجلة وبالتالي المشروع المجتمعي التونسي.
مجلة "الأحوال الشخصية" هي مكسب تونسي رائد، يهاجمها اليوم كثيرون من يدّعون التدين... برأيكم كيف يمكن التصدي لهذه الأصوات التي تحاول شدّ المجتمع إلى الوراء؟
سأذكّر بمعطيات تاريخية مهمة فعند حصول تونس على الاستقلال في 20 آذار/مارس 1956 تم تنظيم الانتخابات الأولى لاختيار أعضاء المجلس القومي التأسيسي لوضع الدستور الأول للدولة التونسية المستقلة، القانون الانتخابي آنذاك لم يسمح للنساء بالترشح لعضوية المجلس فكان بالتالي مجلساً خالياً من النساء بالرغم من مساهمة التونسيات في معركة التحرر الوطني من الاستعمار. 
وفي 13 آب/أغسطس 1956 تمت المصادقة على مجلة الأحوال الشخصية التي تضمنت جملة قوانين وحقوق لصالح المرأة التونسية برغم غيابها في تمثيلية المجلس. كان الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك مقتنعاً تمام الاقتناع بأن مرحلة التحرر الثانية للبلاد هي التحرر من التخلف والفكر الرجعي، وراهن على تحرير نصف المجتمع أي النساء، وبالتالي الأسرة التونسية باعتبارها ركيزة لهيكلة المجتمع الجديد نحو أفق أكثر إنسانية وعدلاً ومساواة لأن في ذلك تحرير للطاقات وبالتالي مساهمة أكبر عدداً ونوعاً في بناء تنمية المجتمع واقتصاده الذي يرزح تحت نمط إنتاج وعلاقات إقطاعية مكبِّلة ومتخلفة ومحافظة. 
هل تعلمين أن المصادقة على اعتماد النظام الجمهوري لتونس تمت في 25 تموز/يوليو 1957 أي بعد أكثر من سنة من إعلان الاستقلال وقرابة السنة من وضع مجلة الأحوال الشخصية؟
هذا الترتيب في الأولويات له دلالة كبيرة ورمزية أكبر. لكل ما تقدم تبقى أصوات الرجعية بمثابة نعيق لغربان ضلت الطريق لا غير. فخيارات دولة الاستقلال من وضع مجلة الأحوال الشخصية وهيكلة العلاقة داخل الأسرة بإلغاء تعدد الزوجات والإقرار بولاية المرأة على نفسها بمجرد بلوغ سن الرشد، وإقرار الطلاق بالتساوي بين المرأة والرجل، إضافة إلى إقرار إلزامية التعليم للإناث والذكور، وإقرار سياسة تحديد النسل، والحق في الإجهاض كشكل من أشكال الحرية الجسدية للنساء، وإقرار الحق في الانتخاب والترشح، والحق في العمل وغيرها من حقوق النساء في عدة مجالات.  
كل هذه المنجزات تحضر لتوحد عموم التونسيات والتونسيين في لحظة للدفاع عن المكتسبات المشتركة، فحتى نساء حزب "النهضة" صوتنَّ على فصل المساواة التامة في الدستور، وعلى قانون 2017 المتعلق بالتصدي للعنف ضد المرأة وغيره؛ لأنهنَّ مستفيدات من هكذا قوانين، ويدركنَّ جيداً معنى التخلي عن حقوقهن لصالح تأويلات موغلة في التخلف والانغلاق والظلامية. فهذه الحقوق أصبحت مكوناً من مكونات الشخصية التونسية والأصوات الرافضة تبقى شاذة وتحدث الفرقعة والضجيج دون أن تحقق مكاسب لصالح أطروحاتها، لذلك فإن التصدي لمثل هؤلاء يكون عبر فضح جوهر أطروحاتهم وما تحمله من إساءة للنساء، وأكبر مثال "جهاد النكاح" والفتيات اللاتي أرسلنَّ إلى سوريا لتسليمهنَّ لمقاتلي "مرتزقة داعش" ثم تَركُهنَّ لاحقاً، من بينهنَّ من رجعت ومعها أبناء أنجبتهم في رحلة "جهاد النكاح"، العديدات منهنَّ عندما انقطعت بهنَّ السبل لجأن إلى مؤسسات الدولة المدنية ومجتمعها عبر جمعيات تخصصت في حماية النساء من العنف وذلك للعناية بهنَّ وبأبنائهنَّ واستئناف علاقتهنَّ بالمجتمع. هذا جوهر مشروعهم للنساء لا غير، لذلك من الضروري فضحهم وكشف عمق خطتهم، كالعمل على تثقيف المجتمع وتوعيته نساءً ورجالاً، والتعريف بالجوانب المشرقة في حضارتنا وتاريخنا، ورسم استراتيجيات إعلامية واضحة وجريئة تتصدى لآلتهم الدعائية المغالطة والمشوهة والمضللة. كما أن دمقرطة مجتمعاتنا أيضاً لها دور كبير لأن القمع يدفع إلى الانطواء، وفي الانطواء يسهل استقطاب الضحايا بالخطابات الدينية ذات المنحى التكفيري والعنيف وبالتالي تجنيد الضعفاء وعدم الثقة والخوف من المجتمع والسلطة.
ودمقرطة مجتمعاتنا تجعلها أكثر شفافية في سياساتها، وبالتالي تبني اقتصادياتها وتساهم في تحسين شروط عيش الأفراد داخل دولهم وتعزيز الشعور بالانتماء إليها والاندماج في مجتمعاتهم والإيمان المشترك واحترام الاختلاف في إطار احترام الخصوصيات والحريات الفردية، ومن ثم التشجيع على الإبداع والابتكار، وهذا يعني أنها سلسلة مترابطة فيها ما هو آني وما هو على المدى المتوسط والبعيد، إنها عملية بناء مستمرة.  
كنتم من أولى المدافعات بشراسة عن قانون المساواة في الميراث في تونس ولاحقتكم حملات تشويه، ما مآل هذا القانون؟ وبرأيكم أي مصير له؟
في آخر عملية سبر آراء لشركة تعمل منذ سنوات مع مؤسسة تهتم بتمويل المجتمع المدني الناشط في مجال حقوق الإنسان وقد عُرفت الاثنتان بجديتهما، شخصياً تابعت أعمالهما منذ 2014 إلى اليوم وتعاملت معهما عندما كنت مستشارة أولى لرئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي في مواكبة أعمال لجنة الحريات الفردية والمساواة إذ كنت مكلفة بالتنسيق بينها وبين رئاسة الجمهورية آنذاك، فآخر سبر آراء يعطي تقدم نسبة المؤيدين للمساواة في الإرث بنسبة عشر نقاط منذ انطلاق النقاش الرسمي العلني حول هذه المسألة أي منذ إعلان رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي في 13 آب/أغسطس 2017، فنسبة الرفض تقلصت الى 59,7 بالمئة فقط بعد أن كانت تتجاوز 70 بالمئة، وهذا إنجاز عظيم برغم كل ما يحدث داخلياً وخارجياً، يعني أن الأمر يتعلق بالمقاربة وطريقة التدليل على أهمية المساواة في الإرث والقدرة على تنظيم خطاب وحملات مناصرة وانخراط السلطة في عملية التغيير المجتمعي في أعلى هرمها واضطلاعها بدور ريادي إلى جانب القوى الطلائعية المدنية والثقافية والفكرية والمدنية داخل المجتمع.  
فالناس تهتمّ بمن يقدم إجابات عملية لمشاكلها الحياتية وتنصرف عن الذي يسعى إلى تحنيطها وتأبيد معاناتها حتى وإن تستر بالدين. فَهْمُ الناس للعدل ملتصق بواقعهم ومعاناتهم وليس بأفكار هلامية، ثم إن نسبة التمدرس وتطور مشاركة النساء في جميع الميادين وتفوقهنَّ في الدراسة وهجرتهنَّ كخبرات علمية إلى بلدان أجنبية ومساهمتهنَّ في تحمل أعباء الأسرة في ظل ظروف اقتصادية صعبة وولوجهنَّ في مواقع القرار وبروزهنَّ في الحقل السياسي والإعلامي، كلها عوامل تدفع بحركة التاريخ الى الأمام وتجعل التعامل مع التوظيف السياسي الديني موضوع ريبة وعدم ثقة خصوصاً بعد تجربة مرور الإسلام السياسي بالحكم في تونس ما نتج عنها من انحسار للقاعدة الانتخابية لهذه التيارات، وكونها الآن الأكثر تمثيلية في البرلمان، ليس لاتساع قاعدتها الشعبية بل لتشتت الأطراف الأخرى وعدم قدرتها على التجمع والتوحيد، لذلك مسألة التمثيل في البرلمان هي مرتبطة بمسألة ميزان القوى السياسية الذي يكون الشارع فيه محدداً عندما يختل داخل البرلمان وهو ما حدث زمن حكم الترويكا وسن الدستور، فقد عدا اعتصام باردو البوصلة وما سيذكره التاريخ لعدة أجيال كمثال على الفعل الديمقراطي في الأزمات القصوى داخل المجتمعات التي تعيش تغيرات سياسية سلمية إلى حد ما. 
ازدادت نسبة العنف في تونس مقارنة بالسنوات الماضية، هل هناك مقترحات واستراتيجيات للتصدي لهذه الآفة؟  
المجتمعات العنيفة تنتج العنف، والعنف في المجال العام ينتج العنف في مجال الخاص والعكس صحيح، بالتالي انتشار العنف في المجتمعات هو دليل على حالة عدم الارتياح التي يعيشها أفراده وتزداد حدة حالة عدم الارتياح في الفضاء الأسري على اعتباره فضاءً خاصاً يفلت من سيطرة الآخر "الدولة"، ثم إن نسبة العنف كانت في دائرة المسكوت عنها، أما الآن فأصبحت شأناً عاما يُتداول في الإعلام وفي كل الفضاءات، وتسن فيه القوانين بعد نقاشات عامة وتتعدد فيه الأطراف المتداخلة بعد ارتفاع نسبة التبليغ أو التشهير أيضاً، وتطور العقليات والخروج من دائرة الصمت للضحية إلى دائرة التشهير بالجلاد. أيضاً قد يكون ذلك مؤشراً على الثقة في الآليات التي وضعتها الدولة والقوانين، وبالتالي التبليغ وتقديم الشكاوى وغيرها.
أيضاً هناك معطى آخر هو تنامي الفقر والبطالة وصعوبة الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة وكثرة متطلبات الحياة الأسرية ودراسة الأطفال والعناية بهم والتوجه نحو التعليم الخاص في المدن لفقد الثقة في القطاع العام بحكم تراكم المشاكل فيه وغياب المؤسسات الاجتماعية العمومية كرياض الأطفال والحواضن التابعة للدولة وبالتالي غياب سياسة اجتماعية للدولة في قطاع التربية والنقل والصحة والسكن وغيرها من المسائل التي تعقد الحياة الأسرية وتجعلها جحيماً من الهواجس والمسؤوليات دون متنفس. 
ويبقى الحل الأسهل في مجتمعاتنا التي يسيطر عليها الرجال هو اللجوء إلى العنف وبالتالي فإن وضع القوانين لا يكفي وليس الحل بل جزء منه، لذلك من الضروري العمل على تحسين شروط العيش المشترك للجميع حتى يتقلص الضغط ويستعيد الناس الشروط الدنيا لممارسة إنسانيتهم، بالتالي يجب أن تكون الاستراتيجية عامة وليست قطاعية. 
يقال إن عدو المرأة هو المرأة... هل تتفقون مع هذه المقولة؟
عدو المرأة جهلها ولا أحد غيره، لأن المرأة التي تعادي تطوير مكاسب المرأة هي تستبطن الفكر الذكوري داخل المجتمع لجهلها. فعندما تدرك ذلك فستكسر القيد بنفسها.
برأيكم هل حققت التونسية اليوم حريتها المطلوبة برغم كل العراقيل التي تتعرض لها يومياً؟
الحرية لا يمكن أن تكون كاملة ولكنها دائماً مطلوبة، والنساء في العالم كما في تونس في سعي دائم وثابت إلى الحرية طالما أننا نعيش في مجتمعات نفتقد فيها درجة كبيرة من تحقيق شروط المواطنة الكاملة، وأهم شرط لذلك هو المساواة التامة في الحقوق والواجبات، وإذا لم يتحقق ذلك فنحن نسعى إليه حتى تحقيقه. 
كيف ترصدون دور المرأة المثقفة بالإسهام في نشر الوعي وتدعيم المكاسب التي حققتها التونسية والدفاع عن المجتمع الحداثي؟
للنساء المثقفات دور كبير في نشر الوعي وتدعيم المكاسب التي حققتها التونسيات في الدفاع عن المجتمع الحداثي وقد لعبن دوراً طليعياً طيلة فترة الانتقال الديمقراطي للتعريف بالمكاسب وما يتهددها والتعبئة أيضاً للدفاع عنها، وقد شهدت الساحة انخراطاً فعلياً وميدانياً للعديد من الكاتبات والجامعيات والمبدعات والفنانات، عبر الكتابة والمشاركة في وسائل الإعلام والنشاطات الجمعياتية والحزبية والنقابية والتحركات الميدانية، فكُنّ حقيقةً أمينات متوثبات حاضرات في كل منعطفات المحطات التاريخية الأساسية وهذا في اعتقادي من صميم دورهنَّ ورسالتهنَّ في المجتمع بوصفهنَّ مثقفات عضويات ولسنا مثقفات صالونات، ثم إن ما يميز تونس هو العدد المحترم للنساء المثقفات في الشأن العام انتاجاً وتحركاً وتشبيكاً وخبرات أيضاً.. حقيقة أنا فخورة بهنَّ حيث كنَّ درعاً وحصناً وصخرةً تكسرت عليها أحلام الظلاميين.
هل حدث تطور في وضع المرأة ما بعد 2011 مقارنة بما قبل هذا التاريخ أم أن العكس هو صحيح؟
حصل تطور كبير وملموس وذلك هو جوهر حركة التاريخ، فهناك وعي أكبر بالمكاسب وانخراط أكبر أيضاً في الشأن العام وبالتالي الحرص على تطوير هذه المكاسب، وهناك اكتساح للفضاء العام وثقة أكبر بالنفس وقدرة أكبر على افتكاك المواقع وفرض الذات وقدرة على التعبير والتعبئة وبناء المواطنة وهذا أمر كان سابقاً حكراً على من كانوا في ركاب السلطة أو معاناة لمن كانوا في المعارضة، أما الآن فإن الأمر أصبح مشاعاً ومتاحاً وهو مهم لأنه يخلق حالة تيقظ للدفاع عمّا تحقق وإنجاز ما تعثر.
كيف تتابعون أوضاع المرأة في عدد من المناطق وخاصة سوريا التي تعيش حربا منذ 2011؟
إنّ أي مكسب للنساء في أي منطقة هو مكسب للنساء عامة وبالتالي أفرح لفرحهنَّ وأحزن لحزنهنَّ، لأن جزءً من تقوية مكاسب التونسيات هو توسيع قاعدة حقوق النساء في البلدان؛ حتى لا تبقى التونسيات معزولات في محيطهنَّ وبالتالي تبقى مكاسبهنَّ هشة أمام تنامي ظاهرة التطرف والإسلام السياسي وانتشار التيارات الظلامية. 
ولدي ثقة في قدرة النساء السوريات على استرجاع أمجادهنَّ، فهنَّ كنَّ سباقات، وأذكر أن سوريا كانت حاضنة لحركة نسائية تقدمية منذ أواخر العشرينات حين نظم مؤتمر نسائي آنذاك تطرق إلى عدة مسائل منها العلاقة بين قانون الأسرة والشريعة.