نسويات: تونس تعيش مرحلة انتقال سياسي حقيقي ولابد من إشراك المرأة
أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم الأحد 25 تموز/يوليو، تجميد المجلس النيابي ورفع الحصانة عن كل أعضاء البرلمان، كما أعفى سعيّد رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه وذلك في تفعيل واضح للفصل 80 من الدستور
زهور المشرقي
تونس- .
تأتي القرارات في ظلّ وضع وبائي كارثي وفي خضم مظاهرات حاشدة في المدن التونسية من شمال البلاد إلى جنوبها تزامناً مع الاحتفال بالذكرى الرابعة والستين لإعلان الجمهورية في 25 تموز/يوليو، وقد طالب المحتجون بتنحي الحكومة وحلّ البرلمان، في تصعيد للغضب ضد المنظومة الحاكمة التي توصف بالفاسدة.
وأعلن الرئيس قيس سعيد أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد، فيما اعتبرت بعض القوى القرارات بأنها "انقلاب على الشرعية والدستور".
ولتسليط الضوء على تطورات الأوضاع بتونس، تحدثت وكالتنا مع مجموعة من النسويات البارزات والفاعلات في المشهد السياسي الحالي.
وقالت المختصة في القانون، رباب حدّادة، إن الرئيس قام بتصحيح مسار الثورة ولم ينقلب على الدستور، وإنما فعّل الفصل 80 من الدستور، متسائلة "أين الإشكال إذاً؟ وأين الانقلاب؟ هل تفعيل بند من الدستور هو انقلاب؟".
وأضافت "نحن انقلابيون إن تركناكم تعبثون بمستقبل البلاد، لن نسمح بمواصلة مهزلة أخونة الدولة والسيطرة عليها".
وفي سؤال وكالتنا عن الفصل 80 الذي أثار الجدل وأحقية استخدامه في هذا الظرف الوبائي والاقتصادي الصعب، أجابت قائلةً "يحق لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم أن يتخذ التدابير التي تحتملها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب والعمل بتلك التدابير ينتهي بزوال أسبابها".
ورداً عن سؤال في حال غياب المحكمة الدستورية ومدى دستورية القرارات، أفادت رباب حدادة، بأن رئيس الجمهورية في هذه الحالة هو المخول بتأويل الدستور وتعود إليه الكلمة الأخيرة في تأويله، الذي تعمّدت حركة "النهضة" منذ تمرير الدستور عام 2014 إحداث هذا الجدل.
وعن السيناريوهات المحتملة تقول، إنّ "الشرعية الخاصة بالبرلمان مكتسبة من الشعب حيث إن التحرك جاء من الشعب أولاً لسحب الشرعية التي منحها للبرلمان سابقاً، وهذا أمر مشروع وشرعي، وبالتالي يبقى على مؤسسات الدولة الانحياز إلى شرعية الشعب ومطالبه"، متوقعة أن تستغل حركة النهضة ومن يحتمي بها ويدور في فلكها المظاهرات للتشويش والتشكيك أمام تحجيم دورها وكبح تغولها، وحذّرت من استغلال الحركة الإخوانية بقايا قواعدها الشعبية لتقوم بتحريضها ضد الرئيس ومناصريه واللعب على مصطلح المسار الديمقراطي والانفراد بالسلطة، وهو سيناريو قد تكون نتيجته إحلال الفوضى في البلد.
ودعت التونسيين إلى تحكيم العقل والابتعاد عن منطق العنف والفوضى لتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق في طريق الدمّ الذي تريده بعض الأطراف منذ عام 2011.
وتتوقّع رباب حدادة نجاح قيس سعيّد في تنفيذ مخططه السياسي وإخراج البلاد من عنق الزجاجة ومن الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تعصف بها، متمنية إشراك المرأة التونسية في كل القرارات المقبلة والابتعاد عن منطق الإقصاء والتهميش الذي عاشته منذ سنوات بسبب السياسات "الإخوانية" العنيفة التي ترى في المرأة مكمّلاً ثانوياً لا قيمة له. بحسب ما تقول.
وبدورها ترى رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس، بدرة قعلول، أن "هذه التطورات السياسية من شأنها أن تضعف وجود الإخوان بتونس، الذين تراجعت شعبيتهم أصلاً بشكل كبير، وتقوّي حظوظ الجماعة واسترجاع تونس التي نُهبت منذ 2011 ضمن سياسة الاستفراد بالسلطة"، مشيرةً إلى أنه بعد أشهر من الصراعات الحادة بين الرئيس قيس سعيّد وراشد الغنوشي جاءت القرارات الصارمة والمصححة لمسار خاطئ أتعب وأرهق الشعب التونسي وجوّعه.
وأضافت بدرة قعلول أن قناعات الرئيس قيس سعيدّ ليست وليدة اليوم وإنما وجد الفرصة مواتية للإعلان عن قراراته في انحياز واضح إلى مطالب الشعب عبر احتجاجاته العارمة التي عمت البلاد يوم 25 تموز/يوليو الجاري، والمنادية بإسقاط المنظومة الحاكمة متهمة المعارضة بالفشل، "جاءت هذه القرارات رداً على إفلاس النخبة الحاكمة سياسياً وأخلاقياً وعلى الفشل الذريع في التصدي لتفشي وباء العنف اللفظي والمادي في البرلمان واستباحة مؤسسات الدولة علناً".
وأشارت إلى أن "الغريب هو أن يواصل الغنوشي وجماعته المزايدة باسم مبادئ الثورة، وهم الذين لم يشاركوا فيها أصلاً بل ركبوا موجتها بدعم من الدوائر الغربية خلال ما سمي "الربيع العربي" الذي اعترفت هيلاري كلينتون نفسها بإيصال الإسلام السياسي إلى السلطة في بلدان ربيع الخراب".
وتابعت "الأغرب من ذلك أن يتحدثوا عن الانحياز إلى صفوف الشعب التونسي!.. فعن أي شعب يتحدثون وهم المساهمون في إفقاره وإذلاله وتجويعه وتكميم أفواهه ونهب ثرواته؟".
وختمت حديثها بالقول "هل الذين خرجوا يوم 25 تموز، بمئات الآلاف في كل المدن التونسية من شمالها إلى جنوبها مطالبين بإسقاط المنظومة الحاكمة، ثم مرحبين بقرارات سعيد لإنقاذ البلاد ليسوا تونسيين؟".. وهل يقبل ويعقل أن يوصف الشعب الثائر ضد الظلم والطغيان والنزعات الظلامية بـ "الإرهابيين والمأجورين" في حين يتناسون ظلمهم وإرهابهم وارتباطاهم الخارجية؟".
ومن جانبها، تُرجع، الصحفية والمختصة في الاتصال السياسي ريم بن خليفة، الوضع الحالي إلى "تراكم الأزمات السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية خاصة بعد عدم موافقة رئيس الجمهورية على التعديل الوزاري الذي يضم ثلة من الوزراء وصفهم بـ "الفاسدين".
وقالت الصحفية "إنّ حرص الرئيس على الخروج من هذه الأزمات قابله تعنت من رئيس الحكومة بدعم من حركة النهضة لتبقى تونس تسير مؤسساتها بوزراء النيابة، هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى الاجتماعي فتفقير الشعب كان سياسة ممنهجة من الحكومات المتعاقبة أمام توغل اللوبيات ورجال ونساء الأعمال، ونرى ذلك جلياً أيضاً في تمثيلية مجلس النواب، علاوة على الوضع الصحي المتردي وانهيار المنظومة الصحية العمومية، ومن هنا جاءت المطالب الشعبية بحل مجلس النواب وإقالة رئيس الحكومة".
وأضافت "هنا وأمام الغضب الشعبي يبدو أن رئيس الجمهورية قيس سعيد كان يجهز لقرار العزل وتجميد عمل مجلس النواب منذ مدة لذلك جاءت ردود الشارع التونسي ومنظمات المجتمع المدني مرحبة بهذه القرارات".
وختمت حديثها بالقول "نذكر هنا أن الرئيس سعيّد قال في تصريح له في زمن ليس ببعيد إن الدستور يجعل الأمن الوطني تحت لواء مؤسسة رئاسة الجمهورية شأنه شأن المؤسسة العسكرية وقدم تأويلاً لأحد فصول الدستور الذي يحتوي على صلاحيات الرئيس كقائد أعلى للقوات المسلحة، وبذلك يكون القرار مدروساً جداً عاضده غضب الشعب لما يعانيه منذ وصلت حركة "النهضة" إلى سدة الحكم مستغلة المال السياسي الفاسد والدعاية المضللة".
وأفادت النقابية الأمنية ألفة العيّاري، بأن تونس تعيش مرحلة انتقالية لمقاومة الفساد وإعادة البلاد إلى مكانها الطبيعي واسترجاعها من أيادي ما أسمته "الجماعات الإخوانية"، بعد أن وصلت البلاد إلى مرحلة من الإفلاس السياسي والاقتصادي التي دفعت إلى الانهيار.
وشدّدت ألفة العياري على أن قرارات رئيس الدولة هي تصحيح لمسار الثورة وجاءت بناءً على إرادة شعبية وهبّة طالبت بإصلاح المنظومة ومحاربة الفساد والفاسدين ووضع حدّ لسياسات عنيفة ممنهجة، مشيرةً إلى أن المظاهرات التي أفاضت الكأس خرجت دون تنظيم وبلا قيادات حزبية وكانت شعبية شبابية بحتة لا تحمل أي توجهات ايديولوجية بل حاملة لشعار "الوطن أولاً وأخيراً"، مضيفةً أن الشعب عبّر بكل قوة ووضوح عن رفضه لجماعة "الإسلام السياسي" التي دمّرت البلاد وأزّمت الأوضاع.
وأكدت على أن الشعب خرج بتلقائية وعبّر، معتبرة أن الرئيس استمد قوته من الشعب والمؤسستين الأمنية والعسكرية.
ولفتت إلى أن تونس ستظل دولة مدنية حداثية ودولة مؤسسات مهما كلّف ذلك شعبها الحرّ، واصفة الوضع في عهد حزب النهضة بالرديء. وحذرت من ردّة فعل "الإخوان" بإحداث شغب وعنف باعتبار أن العنف هو وسيلتهم كلما ازداد الخناق عليهم.
واختمت ألفة العياري حديثها بالقول "تونس تعيش موقفاً تاريخياً، ولا بد من التسريع في اتّخاذ كل التدابير للانتصار للقرارات، ويجب تشكيل الحكومة الجديدة حيث لن تحتمل تونس فراغاً لفترة طويلة في ظل الظروف الصعبة، ويتعين أن يسارع الرئيس إلى تعيين رئيس حكومة جديد يكلّف بتشكيل حكومة انقاذ وطنية أو تكنوقراط، وتمهد لانتخابات مبكّرة".
أما وزيرة المرأة السابقة نزيهة العبيدي فقد دعت إلى تشكيل حكومة مضيّقة جداً ومتناصفة تتكوّن من وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والعدل والصحة والمالية والتخطيط والتعليم والتكوين المهني والصناعة والتجارة والسياحة والثقافة، والبقية تشكل إدارات عامة، تضمن تكافؤ الفرص والنهوض الاجتماعي وتطوير العقليات.
وشدّدت على ضرورة مساهمة المرأة في حكومة متناصفة والاستناد إلى الكفاءات التونسية النسائية. وأفادت بأن مرحلة استرجاع البلاد انطلقت ولا بد من استكمالها برغم كل الضغوطات والعراقيل.