نسويات: سنواصل النضال لتحقيق المساواة الفعلية بين المرأة والرجل في تونس

في ظرف استثنائي صحيّ وسياسي انعقد المؤتمر الـ 13 للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تحت شعار "الثورة النسوية تنتصر على الرداءة والرجعية"، تأكيداً على إصرارها في المضي قدماً في الدفاع عن حقوق النساء

زهور المشرقي
تونس ـ .
أجمعت النسويات المشاركات في المؤتمر الـ 13 والتي التقت وكالتنا بهن على هامشه، على أنه برغم المكاسب التي حققتها المرأة التونسية منذ عقود، وحضورها المتميز في ساحات النضال إلا أنها لا تزال غير ممثلة بصفة متساوية مع الرجل في مراكز القرار وظلت مهددة من قبل قوى رجعية ظلامية تسعى للشدّ إلى الوراء.
 
 
وأوضحت الناشطة النسوية وعضو المكتب التنفيذي المنتخب في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، نائلة الزغلامي، أن المؤتمر انعقد في ظروف اقتصادية وصحية صعبة للغاية وسط تجاذبات سياسية خانقة مع تراجع العديد من المكاسب النسوية والمسّ بحقوق النساء على غرار المساواة، في ظل نخبة حاكمة مسكونة بأفكار رجعية.
وقالت نائلة الزغلامي إن المؤتمر انعقد برغم كل المصاعب للتأكيد على مزيد من العمل والإصرار على المضي قُدماً في الدفاع عن حقوق النساء من أجل تغيير القوانين وسن تشريعات جديدة ضد العنف المسلط على النساء سواء أكان اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو عائلياً.
وفي إجابتها على سؤالنا عن استشعار الجمعيات النسوية ومن بينها جمعية النساء الديمقراطيات، لموجة جديدة من الممارسات الخاطئة التي جعلت المنظمات النسوية تسارع إلى تكثيف الجهود في مواجهة هذه المخاطر التي تهدد مكاسب المرأة، قالت إن "نسب العنف المسلط ضد النساء تضاعفت في مختلف الفضاءات، فضلاً عن توسع دائرة الخطاب الرجعي الذي يحرض على استهدافهن، وهو أمر خطير".
وشددت على أهمية عمل النساء الديمقراطيات مع شركائها الحاملين نفس الرؤية التقدمية تجاه حقوق الإنسان للتصدّي لتلك الممارسات، للانتصار للمرأة وفرض التناصف وتحقيق المساواة التامة والفعلية بين الجنسين في القانون التونسي.  
وتعمل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات على إلغاء كل مظاهر التميز ضد المرأة وتوعية النساء بحقوقهن والدفاع عن مكاسبهن، والعمل على تغيير المنطق الأبوي السائد ثقافياً، وتحقيق المواطنة الكاملة للمرأة.
وأكدت على مواصلة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات مسيرتها من أجل النساء وحقوقهن وللدفاع عن الجميع بدون إقصاء، والعزم على ترسيخ مرتكزات المجتمع المدني الديمقراطي من احترام المرأة والإقرار بالمواطنة والمساواة والعدل.
وبخصوص العقلية الذكورية السائدة التي تهدد سلامة المجتمع عموماً والمرأة خصوصاً، شدّدت نائلة الزغلامي على أنه لن يتم القضاء على هذه العقلية إلا عبر مقاربات وآليات متعددة كالثقافة وتغيير المناهج التعليمية، وتربية الأجيال على التسامح والتآزر الاجتماعي وأهمية دور المرأة في تماسك المجتمع والنهوض به عبر إرادة جماعية بين الجنسين، لافتةً إلى ضرورة الإسراع في بلورة إجراءات جديدة في مواجهة العقلية الذكورية والحد من سطوتها التي تغلغلت وتوسّعت ووصلت إلى حد قتل النساء.
ودعت نائلة الزغلامي الدولة التونسية إلى العمل على حماية المرأة وكافة النساء الناجيات من العنف وتوفير سبل العيش بسلام من خلال تفعيل القوانين وتنفيذها بصرامة، وهو واجب ومسؤولية الدولة ومؤسساتها.
 
 
بدورها، قالت الناشطة النسوية والعضو المؤسس للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات خديجة الشريف، إن المجتمع التونسي كان يأمل في أن تتغير العقلية بعد ثورة 2011 إلى الأفضل والاستمرار في البناء على ما تحقق من مكاسب وإنجازات منذ الاستقلال، لكنه تفاجأ بوضع أصعب، حيث استفحل الخطاب الرجعي انطلاقاً من البرلمان الذي سيطرت على مقاعده حركة "النهضة" ومن يدور في فلكها، مشيرةً إلى أن هذا المدّ الرجعي يستوجب الوقوف من قبل النساء صفاً واحداً والتصدي له بالتنسيق مع القوى التقدمية الحداثية.
ولفتت خديجة الشريف الانتباه إلى أن العديد من الأطراف تستغل الشعور الديني للسيطرة والتمكّن لأن رياح التغيير والعلم تخيفها وتنسف مبررات تسلطها، مشيرةً إلى أنه من هنا جاءت معارضة مشروع قانون المساواة في الميراث من قبل تلك الأطراف بمن في ذلك رئيس الدولة قيس سعيد الذي قال إن النص القرآني واضح في هذا الإطار، غير مدرك لأهمية مساهمة النساء ودورهن في التنمية وخلق الثروة.
ونوهت إلى أن مكاسب المرأة التونسية باتت اليوم مهدّدة ما يدفع الجمعيات النسوية والمدافعات عن حقوق الإنسان إلى تكثيف نضالهن لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة التامة بين الجنسين.
وتطرّقت محدثتنا إلى وعي النساء في الأرياف بحقوقهن وبتقصير الدولة والبرلمان تجاههنّ، وتجاه إرساء قواعد شفافة للعدالة الاجتماعية، مشيرةً إلى أن هذا الوعي يشكل دافعاً قوياً نحو مواصلة مسيرة النضال.
وذكرت أنه "برغم النقائص في دستور2014، إلا أن مساهمة المجتمع المدني والجمعيات النسوية كانت واضحة في إقرار فصول خاصة بالمساواة بين الجنسين وقوانين تجرّم العنف المسلط على النساء".
ودعت خديجة الشريف الجمعيات النسوية إلى تشديد نضالها والتنسيق فيما بينها للتصدي لكل القوى الرجعية برغم محاولات الشدّ إلى الوراء وعمليات الإحباط، مشدّدة على دور الإعلام أيضاً في التصدي لكل الانتكاسات وكشف وتجريم الممارسات الخاطئة.
وبخصوص ارتفاع نسب العنف ضد النساء، أكدت خديجة الشريف أن تونس تزخر بقوانين هامة كقانون مكافحة العنف رقم 58 الصادر عام 2017، إلا أن المشكلة تكمن في آليات التنفيذ، حيث بقيت حبراً على ورق، داعية إلى توعية النساء بهذا القانون الذي يعتبر ثورة في مجال الحقوق النسوية.
وبعثت الناشطة برسالة إلى نساء تونس مفادها "كوني قوية وثقي بنفسك للدفاع عن حقوقك وللنضال من أجل المساواة لتجاوز العقلية الذكورية والأبوية... حرّية المرأة تستوجب شجاعة ومثابرة وصموداً ووعياً كبيراً".  
 
 
من جهتها، اعتبرت عضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، تمنة طبيب، أن هناك سعياً منذ الثورة للشدّ إلى الوراء والنكوص عن المكتسبات التحررية للمرأة برغم أنه نظرياً قد ينخدع المتابع بوجود قوانين تضمن حقوق النساء، إلا أن الواقع يؤكد عكس ما يروج، ومردّ ذلك استمرار العائق الذهني المتمثل في استبطان العقلية الذكورية في مجتمعاتنا، وتقول "هذه العقلية تشعرني باليأس لأننا ناضلنا منذ ثلاثين سنة، واليوم نرى نتائج نضالنا تتبخّر حيث صدمنا الواقع برغم وجود دستور يضمن الحريات والحقوق وانخراط الدولة التونسية في الاتفاقيات الدولية المناهضة للعنف ضد النساء".
وأكدت تمنة طبيب أن الرجعية تستهدف المجتمع ككل لكن تبقى المرأة مهدّدة بشكل أكبر، لافتةً إلى أن نسب استهداف النساء من قبل تلك القوى تضاعفت بشكل مرعب في الآونة الأخيرة.
وبخصوص الملفات العاجلة التي تستوجب النظر والاستكمال، أفادت تمنة طبيب بأن ملفات هامة عديدة تنتظر الدراسة والمتابعة من بينها ملف المساواة التامة ومحاربة العنف المسلط على النساء، والعمل مع منظمات المجتمع المدني لإقرار المزيد من الإجراءات لصالح المرأة والمجتمع، فضلاً عن حملات التوعية.
وتسعى تونس إلى ضمان تكافؤ الفرص بين الجنسين، بغية تحقيق التناصف وهو ما نص عليه الفصل 46 من الدستور التونسي الذي يؤكد على تعزيز مبدأ التكافؤ والالتزام بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة، والعمل على توفير الدعم بغرض التطور والارتقاء.